الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الأحد 12 / مايو 00:02

تقرير: 10 آلاف عربي في اسرائيل يواجهون "الإبادة" بالغازات السامة في الجنوب

تقرير: روزين عودة
نُشر: 14/06/11 16:22,  حُتلن: 07:35


السكان يعيشون تحت أبراج الضغط الكهربائي العالي وبيوتهم ليس فيها كهرباء

معدل الوفيات والإصابة بالسرطان في المنطقة تزيد بنسبة 65 بالمئة عن المعدل العام في اسرائيل

تسجيل زيادة كبيرة في أمراض الجهاز التنفسي، وفي معدل الإصابات بالسرطان بين سكان وادي النعم والتجمعات المحيطة بالمنطقة الصناعية

الإنفجار وقع أنذاك في مصنع مختشيم للأسمدة، وأطلق في سماء المنطقة ما وصفه تقرير لمنظمة "أطباء لحقوق الإنسان- اسرائيل" بأنه "غيمة من مواد الإبادة"

محاولات التعمية والتضليل الرسمي لم تتوقف الى الآن، بدليل أن وزارة الصحة لم تتردد في نفي وجود إصابات بالسرطان في وادي النعم فوق المعدل العام المسجل في اسرائيل

الأغلبية الساحقة للقرى غير المعترف بها كانت قائمة قبل عام 1948 والجزء الآخر نشأ كنتيجة لنقل السكان بالإكراه الى منطقة "السياج" الواقعة شمال شرق صحراء النقب، من قبل قوات الحكم العسكري في بداية الخمسينيات

ابراهيم ابو عفاش معلقاً على الخطة التي كانت ترمي الى ترحيلهم الى شقيب السلام: حوالي 50% أو 60% من الأهالي يعيشون من وراء تربية المواشي فأين سنضع مواشينا ودوابنا في شقيب السلام، في الطابق الثاني أو الثالث؟!

عندما وقع الإنفجار المشؤوم في منطقة رمات حوفاف الصناعية في صحراء النقب جنوبي اسرائيل عام 2007، خيمت غمامة قاتلة على بلدة وادي النعم البدوية التي كان قدرها أن تجاور، مرغمة، أخطر تجمع للصناعات الكيماوية في دولة إسرائيل .


إبراهيم الوقيلي

غيمة من مواد الإبادة
ويتذكر لباد أبو عفاش رئيس اللجنة المحلية للبلدة هذه الحادثة، ويقول ان الاهالي يومها كانوا مجردون من أية وسائل للحماية من مثل هذه الكوارث، ولم يجدوا سبيلاً للنجاة سوى الفرار من بلدتهم، سالكين اتجاهاً معاكساً للريح كما علمتهم تجاربهم السابقة.
الإنفجار وقع أنذاك في مصنع مختشيم للأسمدة، وأطلق في سماء المنطقة ما وصفه تقرير لمنظمة "أطباء لحقوق الإنسان- اسرائيل" بأنه "غيمة من مواد الإبادة" امتدت فوق مساحة خمسة كيلومترات مربعة.

الإنذار بالكوارث
وهذا الحادث لم يكن الأول في تاريخ المنطقة الصناعية التي أُنشئت عام 1977، فقد سبقه عدة حوادث كانت أقل خطورة، لكنها تسببت في أحيان كثيرة في إغلاق المنطقة التي باتت تضم حالياً 19 مصنعاً كيماوياً، فضلاً عن المنشأة الرئيسية للتخلص من النفايات السامة في اسرائيل. وقد حذرت خبيرة اسرائيلية عملت سابقاً في مفاعل تشيرنوبيل، من أنّ الوضع في منطقة رمات حوفاف الصناعية التي تبعد 12 كيلو مترا الى الجنوب من مدينة بئر السبع، ينذر بكارثة بيئية مماثلة في ضخامتها لتلك التي نجمت عن التسرب النووي في المفاعل الأوكراني عام 1986.
وبحسب الخبيرة في علم الأوبئة باتيا ساروف التي تعمل حالياً في جامعة بن غوريون فإن "تركيز هذا العدد الكبير من المصانع في مكان واحد يعني إنه اذا حصل إنفجار كبير، فإنه ببساطة، لن يكون سكان النقب وحدهم من سيعاني من التلوث الخطير الذي يعادل ما سيحدثه انفجار نووي، بل وأيضا العديد من الجيران في الشرق الأوسط". والمسألة الآن كما يقول الخبراء ليست "هل؟"، وانما "متى" ستقع هذه الكارثة!

"نحن نموت"
داخل بلدة وادي النعم، التي يقطنها نحو عشرة الاف نسمة نصفهم تقريباً من الأطفال، راح رجل بدوي يردد بسخط ويده تشير الى أعمدة الدخان المتصاعدة من منطقة رمات حوفاف الصناعية التي لا تبعد سوى 500 متر عن البلدة: "اين المنظمات الحقوقية؟ اين الدول التي تتغنى بحقوق الإنسان؟ نحن نموت نموت".
وكما أكدت دراسة لوزارة الصحة الإسرائيلية عام 2008، فقد جرى تسجيل زيادة كبيرة في أمراض الجهاز التنفسي، وكذلك في معدل الإصابات بالسرطان بين سكان وادي النعم والتجمعات المحيطة بالمنطقة الصناعية.
وأبدت الدراسة قلقاً من الأضرار بعيدة المدى للتعرض المستمر للمواد المسرطنة والسامة التي تطلقها المنطقة الصناعية الى الهواء والمياه الجوفية. وكانت دراسة سابقة للوزارة اجريت عام 2004، قد اظهرت أن معدل الوفيات والإصابة بالسرطان في المنطقة تزيد بنسبة 65 بالمئة عن المعدل العام في اسرائيل، فضلاً عن المعدلات المرتفعة في تشوهات المواليد وحالات الإجهاض.

التعرض للمواد الكيماوية
كما اظهر تقرير أعدته شركة هولندية لصالح وزارة جودة البيئة، أن سكان المنطقة المجاورة معرضون في 95% من أيام السنة لمواد كيماوية مسرطنة منبعثة من المنطقة الصناعية في رمات حوفاف. ومن جانبهم، يؤكد السكان في وادي النعم ان هناك انتشاراً وبائياً للامراض في اوساطهم، خصوصا السرطان وامراض والجهاز التنفسي. لا بل انك تجد عائلات بأكملها مصابة بأمراض تعزى الى الملوثات الناجمة عن مصانع رمات حوفاف.



"نعيش مع الأدوية"
ويحدثنا أحد سكان البلدة الذي رفض نشر اسمه، عن عائلته التي قال ان معظم أفرادها مصابون بأمراض متنوعة. يقول الرجل الذي بدت علامات الوهن على جسده:" معظم أفراد عائلتي يعانون أمراضاً مزمنة كالربو والأمراض الجلدية النادرة والتي لم يتم تشخصيها حتى الآن". ويضيف:" وضع عائلتي الصحي لا يختلف كثيراً عن الأوضاع الصحية لدى عائلات أخرى، فكلنا في وادي النعم نعاني وبشدة من الأمراض".  وبأسى يقول الرجل:" اننا نعيش على الأدوية. ونحن بحاجة لبيئة صحية بعيدة عن السموم والتلوث. لكننا نحمد الله على كل شيء".

مسافات طويلة قبل الوصول لأطر العلاج
وحتى ما قبل عام 2005، كان الأهالي يضطرون الى السفر الى بئر السبع او شقيب السلام القريبة منها لتلقي العلاج في ظل عدم وجود اية مرافق صحية في بلدتهم.
وقد اضطرت الحكومة وبعد ضغوط من الهيئات الحقوقية الى افتتاح عيادة صحية متواضعة في ذلك العام، لكنها جعلت موقعها على أطراف البلدة، من أجل ابعادها قدر الامكان عن المنطقة الصناعية. ولا يوجد في القرية سوى مركز واحد لرعاية الامومة والطفولة، وحتى هذا المركز لم يكن يعمل سوى يومين في الاسبوع، وفي بعض الاحيان كان يتم اغلاقه بذريعة النقص في الأطباء والممرضين.

قرية غير معترف بها
وبالإضافة إلى المنطقة الصناعية، فإن وادي النعم محاطة بمصنع ذخيرة ومنطقة تدريبات عسكرية تابعين للجيش الاسرائيلي، ومنشأة ضخمة لتخزين النفط، وشركة كهرباء اسرائيل، والخط الوطني الناقل للمياه. وطبعاً فإن مفاعل ديمونه النووي ليس ببعيد عن المنطقة. ورغم ان السكان يعيشون تحت أبراج الضغط الكهربائي العالي، الا ان بيوتهم ليس فيها كهرباء. وهم يعيشون بجوار خط ناقل المياه، لكن لا ماء في بيوتهم. كما انهم يفتقرون الى الطرق والصرف الصحي ومنشآت التعليم والخدمات الصحية.
وكل هذا لأن البلدة "غير معترف بها" من قبل اسرائيل، رغم حقيقة ان الدولة هي من قام بإجبار الاهالي، وجلهم من عشائر العزازمة، على الإنتقال للعيش فيها بعدما اقتلعهم من ارضهم التاريخية.
ويوجد في النقب حالياً 45 بلدة وقرية غير معترف بها يسكنها نحو 84 الف نسمة، وتعد وادي النعم أكبرها. وقد نشأت قضية القرى غير المعترف بها نتيجة لسن قانون التنظيم والبناء (1965) الذي لم يشمل القرى في الخرائط الهيكلية وجعلها مرة واحدة غير قانونية.
غير أن الأغلبية الساحقة لهذه القرى كانت قائمة قبل عام 1948 والجزء الآخر نشأ كنتيجة لنقل السكان بالإكراه الى منطقة "السياج" الواقعة شمال شرق صحراء النقب، من قبل قوات الحكم العسكري في بداية الخمسينيات من القرن الماضي.

تركيز البدو في مساحة مقلصة
وهدفت اسرائيل من هذه الإجراءات الى تركيز البدو في مساحة مقلصة ليعيشوا وفق نمط الحياة الذي حددته لهم دون الأخذ بالاعتبار نمط حياتهم.  وبعد نحو عشرين عاماً من نقل وادي النعم الى مكانها الحالي، اقيمت منطقة رمات حوفاف الصناعية بجوارها. وعند انشائها، تقرر أن تكون هناك دائرة أمان حولها بمحيط خمسة كيلومترات، لكن القرار تجاهل حقيقة أن هناك سكاناً يعيشون ضمن هذه الدائرة.

"نريد الرحيل"
اهالي وادي النعم، وخلافاً لبقية القرى والبلدات غير المعترف بها، يؤكدون استعدادهم للرحيل، ولكن الى مكان يناسب نمط حياتهم حتى يمكنهم الاستمرار. وهذه الحقيقة يؤكدها لباد ابو عفاش رئيس اللجنة المحلية في وادي النعم الذي قال:" وصلنا لمرحلة نعلن فيها أننا على استعداد كامل للرحيل، وهذا الشيء جداً نادر، فمَن اليوم يهون عليه الرحيل عن أرضه؟!"، وأضاف أبو عفاش إن:" الوضع سيء جداً وهو يزداد سوءاً، وأي انفجار لا سمح الله أو أي خلل في المصانع سيضع حياة المواطنين في خطر داهم"، وأشار الى أن:"هناك مفاوضات حول نقل البلدة إلى مكان آخر"، لكنه أكد:" أننا لن نرحل من قريتنا من غير شروطنا".



الشرط: منطقة تلبي حاجات السكان
ومن جانبه أيضاً يؤكد ابراهيم أبو عفاش عضو اللجنة المحلية للبلدة أنهم لن يقبلوا بالرحيل سوى الى موقع يناسب نمط عيشهم. ويقول ابراهيم أبو عفاش:" نحن مستعدون للرحيل، علماً أننا القرية الوحيدة المستعدة لذلك، وقد أعلنا هذا الموقف منذ عام 1988، لكننا وبالطبع لن نرحل إذ لم يوافقوا على شروطنا، فشروطنا تنص على أن يتم نقلنا لمنطقة زراعية تلبي متطلباتنا لنستطيع العيش فيها".
ويضيف:" منذ عام 1988 نشارك في المحادثات والمفاوضات ولا نتلقى غير الوعود الكاذبة.. نحن لا نطلب السماء ولا النجوم، كل ما نطلبه هو قرية زراعية تتأقلم مع متطلبات حياتنا البسيطة".

إخلاء السكان
وكانت اللجنة اللوائية للتخطيط والبناء في اللواء الجنوبي قد تبنت عام 2002 خطة لإخلاء سكان وادي النعم وتجميعهم في حي جنوبي بلدة شقيب السلام التي تبعد ستة كيلومترات عن مدينة بئر السبع، وذلك في اطار خطة لتوسيع البلدة. لكن الاعتراضات من قبل السكان والمنظمات الحقوقية دفعت اللجنة الى التخلي عن هذه الخطة عام 2004.
ويقول ابراهيم ابو عفاش معلقاً على الخطة التي كانت ترمي الى ترحيلهم الى شقيب السلام ان:" حوالي 50% أو 60% من الأهالي يعيشون من وراء تربية المواشي فأين سنضع مواشينا ودوابنا في شقيب السلام، في الطابق الثاني أو الثالث؟!". ومنذ الغاء مخطط الترحيل الى شقيب السلام، تجري مفاوضات مضنية بين السلطات والأهالي من أجل إيجاد مكان بديل يراعي نمط حياتهم ومصادر رزقهم.

إخضاع رمات حوفاف لرقابة صحية وبيئية
ومن جانبه، ضم العضو العربي في الكنيست جمال زحالقة صوته الى أهالي وادي النعم في ما اعتبره مطالب عادلة لهم. وأكد زحالقة دعمه "لمطالب أهالي وادي النعم بنقلهم إلى مكان آخر يفي بشروطهم العادلة بكل ما يتعلق بالأرض والمسكن، وعدم استغلال ضائقة الأهالي لفرض شروط مجحفة عليهم، وبالأساس أن يكون الحل بالإتفاق وأن لا يفرض من الدولة من طرف واحد".
وأضاف:" أما فيما يتعلق بسكان المنطقة فإن المطلب الفوري هو توفير الخدمات الصحية الملائمة وإجراء مسح شامل للأضرار الصحية، ودعم مطلبهم بتلقي تعويضات من مصانع ومرافق سببت لهم أضراراً صحية بالغة".
وأشار زحالقة إلى وجود مطالبات قضائية من الأهالي:" بتعويضات تصل إلى حوالي مليار شيكل (296 مليون دولار تقريبا)". كما دعا زحالقة الى "إخضاع منطقة رمات حوفاف لرقابة صحية وبيئية صارمة، والتعامل بشفافية مع كل ما يتعلق بالأضرار البيئية، واتخاذ كل التدابير اللازمة لتقليص هذه الأضرار بما في ذلك إغلاق مصانع ومرافق لا تفي بالمعايير المتعلقة بالنسب المسموح فيها لبث غازات سامة في الهواء،  ولفت النائب العربي في الكنيست الى ما وصفه بمحاولات حجب الحقائق من قبل الحكومة في ما يتعلق بمخاطر منطقة رمات حوفات الصناعية على وادي النعم.
وقال:" خلال عملي البرلماني طرحت قضية أضرار التلوث البيئي على سكان المنطقة، واستندت إلى عدة تقارير بادرت إليها وزارات الصحية والبيئة والصناعة والتجارة، ولكنها غالباً ما كانت تحاول منع نشر تفاصيل الأبحاث الخاصة بالمنطقة لأنها لا تتوافق والسياسة الحكومية الرسمية بتطوير رمات حوفاف وغض الطرف عن الأضرار البيئية".

تزييف وحجب
وعلى ما يبدو، فان محاولات الحكومة حجب المعلومات تتلاقى مع جهود ادارة المنطقة الصناعية لتبرئة نفسها مما ينسب اليها من اتهامات بتلويث البيئة وتهديد حياة السكان. فعلى سبيل المثال، قامت إدارة المنطقة الصناعية عام 2004 باقتباس فقرات من نتائج مسح طبي رسمي، ونشرتها في الصحف بحيث ظهر وكان المصانع بريئة من كل ما نسب اليها.
وقد أثار ذلك غضب الطبيبة اللوائية في منطقة جنوب اسرائيل أنذاك ايلانا بلمكر التي اتهمت الإدارة بتزييف الحقائق:" ونشر معلومات تميل لإبراز أهداف معينة تتلاءم ومصلحة المصانع، وإخفاء معلومات أخرى لا تلائمها".
محاولات التعمية والتضليل الرسمي لم تتوقف الى الآن، بدليل أن وزارة الصحة لم تتردد في نفي وجود إصابات بالسرطان في وادي النعم فوق المعدل العام المسجل في اسرائيل، رغم أن مسوحات الوزارة نفسها اظهرت عكس ذلك.
فقد قالت الناطقة الرسمية بلسان وزارة الصحة في رد مقتضب جداً على أسئلتنا حول الأوضاع الصحية لأهالي وادي النعم وخصوصاً الإصابات بالسرطان:" وزارة الصحة تتابع حالات السرطان في الدولة، ولا علم لدينا عن إصابات سرطان أعلى من المعدل في المنطقة المذكورة". يذكر ان هذا التقرير أعد بدعم من مشروع مضمون جديد للصحفيين.

































مقالات متعلقة

14º
سماء صافية
11:00 AM
14º
سماء صافية
02:00 PM
13º
سماء صافية
05:00 PM
9º
سماء صافية
08:00 PM
9º
سماء صافية
11:00 PM
06:12 AM
05:31 PM
2.78 km/h

حالة الطقس لمدة اسبوع في الناصرة

14º
الأحد
16º
الاثنين
15º
الثلاثاء
14º
الأربعاء
17º
الخميس
16º
الجمعة
16º
السبت
3.73
USD
4.02
EUR
4.65
GBP
226941.39
BTC
0.52
CNY