الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الأحد 19 / مايو 08:01

بشائر الخير بقلم: الشيخ سليمان سعيد سطل

العرب وصيحفة كل
نُشر: 11/12/11 22:41,  حُتلن: 13:09

أبرز ما قال الشيخ سليمان سعيد سطل:
لا يحمل الحقد من تسمو به الرتب ولاينال العلا من طبعه الغضب

سلامة الصدر ونقاءه مفتاح المجتمع المتماسك الذي لا تهزه العواصف ولا تؤثر فيه الفتن

النفوس الكبيرة وحدها هي القادرة على تجاوز الإساءة ومقابلتها بالإحسان ومن ثم المحافظة على القلب نقياً والصدر سليماً

الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى، إن سلامة الصدر من كل غل وحسد وحقد وبغضاء على المسلمين، من أعظم الخصال وأشرف الخلال، ولقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم أحرص الناس على سلامة قلبه فكان يَقُولُ فِي صَلَاتِهِ: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الثَّبَاتَ فِي الْأَمْرِ وَالْعَزِيمَةَ عَلَى الرُّشْدِ وَأَسْأَلُكَ شُكْرَ نِعْمَتِكَ وَحُسْنَ عِبَادَتِكَ وَأَسْأَلُكَ قَلْبًا سَلِيمًا وَلِسَانًا صَادِقًا، وَأَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا تَعْلَمُ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا تَعْلَمُ، وَأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا تَعْلَمُ) [النسائي]. وكان يقول صلى الله عليه وسلم فيما رواه عنه ابن مسعود: (لَا يُبَلِّغُنِي أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِي عَنْ أَحَدٍ شَيْئًا فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَخْرُجَ إِلَيْكُمْ وَأَنَا سَلِيمُ الصَّدْرِ) [أبو داود].

سلامة الصدر ونقاءه
إن سلامة الصدر ونقاءه مفتاح المجتمع المتماسك الذي لا تهزه العواصف ولا تؤثر فيه الفتن، وكيف يا ترى يكون مجتمع تسوده الدسائس والفتن، وتمتلئ قلوب أفراده غشاً وحسداً وأمراضاً؟ أفذاك مجتمع أم غابة وحوش وذئاب؟  سلامة الصدر. نعمة ربانية، ومنحة إلهية . وسلامة الصدر .. من أسباب النصر على العدو، قال تعالى: )هُوَ ٱلَّذِى أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِٱلْمُؤْمِنِينَ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ) "فائتلاف قلوب المؤمنين من أسباب النصر التي أيد الله بها رسوله" كما قال الإمام القرطبي. وسلامة الصدر سبب في قبول الأعمال، ففي الحديث: (تعرض الأعمال كل يوم اثنين وخميس، فيغفر الله عز وجل في ذلك اليوم لكل امرئ لا يشرك بالله شيئاً إلا امرءاً كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقول: أنظِروا هذين حتى يصطلحا). فانظر كم يضيع على نفسه من الخير من يحمل في قلبه الأحقاد والضغائن. وسلامة الصدر علامة فضل وتشريف روى ابن ماجه عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّم: أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: كُلُّ مَخْمُومِ الْقَلْبِ صَدُوقِ اللِّسَان قَالُوا: صَدُوقُ اللِّسَانِ نَعْرِفُهُ فَمَا مَخْمُومُ الْقَلْب؟ِ قَال: هُوَ التَّقِيُّ النَّقِيُّ لَا إِثْمَ فِيهِ وَلَا بَغْيَ وَلَا غِلَّ وَلَا حَسَد [ابن ماجه]. وسلامة الصدر صفة من صفات أهل الجنة )وَنَزَعْنَا مَا فِى صُدُورِهِم مّنْ غِلّ تَجْرِى مِن تَحْتِهِمُ ٱلأنْهَـٰرُ) [الأعراف:43]. وفي الحديث في وصف أول زمرة تلج الجنة (لا اختلاف بينهم ولا تباغض، قلوبهم على قلب رجل واح).

النفوس الكبيرة
وسلامة الصدر طريق إلى الجنة أيضاً، فقد قال عليه الصلاة والسلام: ((يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة فطلع رجل من الأنصار تنطف لحيته من الوضوء)، تكرر ذلك ثلاث مرات في ثلاثة أيام، فأحب عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن يعرف خبيئة هذا الرجل، فبات عنده ثلاثاً فلم يره كثير صلاة ولا صيام، فسأله فَقَالَ: مَا هُوَ إِلَّا مَا رَأَيْتَ غَيْرَ أَنِّي لَا أَجِدُ فِي نَفْسِي لِأَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ غِشًّا وَلَا أَحْسُدُ أَحَدًا عَلَى خَيْرٍ أَعْطَاهُ اللَّهُ إِيَّاهُ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: هَذِهِ الَّتِي بَلَغَتْ بِكَ وَهِيَ الَّتِي لَا نُطِيق.[أحمد]. أفرأيت كيف سمت به سلامة صدره حتى بشر بالجنة ثلاث مرات؟!! فالنفوس الكبيرة وحدها هي القادرة على تجاوز الإساءة ومقابلتها بالإحسان ومن ثم المحافظة على القلب نقياً والصدر سليماً. ضرب الإمام أحمد في زمن المعتصم ضرباً شديداً فلما كان زمن المتوكل أحس الإمام بأذى في ظهره فإذا هي لحمة فاسدة التأم عليها الجرح، ولم يكن بد من شق الظهر وإخراجها، قالوا: فلما أحس الإمام بألم المبضع وحر الشق قال: اللهم اغفر للمعتصم… فيا سبحان الله يستغفر لمن كان سببا في ألمه!!! إنه منطق عظيم لا تعرفه القلوب الضيقة والنفوس الصغيرة. لا يحمل الحقد من تسمو به الرتب ولاينال العلا من طبعه الغضب. ومن قبله كان يوسف عليه السلام مثلاً فذاً في سلامة الصدر، فبعد أن فعل به إخوانه ما فعلوا، وبعد أن صار في منزلة يقدر فيها على الانتقام أبى أن يثأر لنفسه ووفى لإخوته الكيل ثم قال لهم: (لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ ٱلْيَوْمَ يَغْفِرُ ٱللَّهُ لَكُمْ) [يوسف:92]. فعفا عنهم ثم استغفر لهم، وأعجب من هذا أنه التمس لهم العذر فيما فعلوه (مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ ٱلشَّيْطَـٰنُ بَيْنِى وَبَيْنَ إِخْوَتِى) [يوسف:100]. ومن قبل ذلك قال هابيل لأخيه وقد هم بقتله وتوعده (لَئِن بَسَطتَ إِلَىَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِى مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِىَ إِلَيْكَ لاِقْتُلَكَ إِنّى أَخَافُ ٱللَّهَ رَبَّ ٱلْعَـٰلَمِينَ) [المائدة:28].

قوى الله ضعفك
وحضرت الوفاة أبا دجانة الأنصاري رضي الله عنه وكان وجهه يتهلل فقيل له في ذلك فقال: (ما من عمل شيء أوثق عندي من اثنتين: كنت لا أتكلم فيما لا يعنيني، والأخرى فكان قلبي للمسلمين سليماً) [نزهة الفضلاء]. ووقف علي بن أبي طالب رضي الله عنه على طلحة بن عبيد الله بعد مقتله ـ وقد كان بينهما في موقعة الجمل ما كان ـ فجعل يمسح عن وجهه التراب ويقول: يعز علي يا أبا محمد أن أراك مجدلاً تحت نجوم السماء! [حياة الصحابة]. ومرض الشافعي فعاده بعض أصحابه فقال له: قوى الله ضعفك! فقال الشافعي: لو قوى ضعفي لقتلني! فقال: يا إمام والله ما أردت إلا الخير، فقال: أعلم أنك لو شتمتني ما أردت إلا الخير.
واعجباه!! إنها قلوب تسامت عن ذاتها، وتعالت عن الغضب لنفسها.
فأين من هؤلاء من يحمل على أخيه لمجرد أنه نسي دعوته إلى وليمة؟
وأين من هؤلاء من يحمل على أخيه لكلمة خرجت من غير قصد فيحملها على الشر وهو يجد لها في الخير محملاً؟
وأين من هؤلاء من يتميز غيظاً على أخيه لأنه سبقه بسيارته.
وأين من هؤلاء من يجعل من ذهنه حاسوباً يسجل فيه كل صغيرة وكبيرة من هفوات إخوانه حتى إذا غضب على أحدهم أخرج له قائمة طويلة فيها الحوادث والأرقام والتواريخ؟
وأين من هؤلاء من لا يكاد يصفو قلبه لأحد فهو يحسد هذا، ويحقد على ذاك، ويغضب على الثالث، ويسيء الظن بالرابع، ويتهم الخامس وهكذا؟
وصدق الله القائل ( يوم لا ينفع مال ولا بنون الا من أتى الله بقلب سليم ).

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرا في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.co.il

مقالات متعلقة