الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الأحد 19 / مايو 19:01

من المستفيد من الاضراب المرتقب الذي اعلنته الهستدروت بقلم: وهبة بدارنة

كل العرب
نُشر: 06/02/12 10:59,  حُتلن: 18:29

أبرز ما جاء في المقال:
على مدى السنوات الماضية لم تحرك الهستدروت ساكنا ازاء القضايا الاجتماعية والحياتية الملتهبة 

من المهم الاشارة أن اقتطاع 0.7% من راتب العامل لا يعني انه سيحظى بالحماية القانونية في مكان العمل الا في حال خصم نسبة 0.9% من راتبه كعضوية في نقابة الهستدروت

تنازلت الهستدروت مرة اخرى امام شركات القوى العاملة وارباب العمل واثبتت الى اي طرف هي منحازة الى جانب العمال ام الى جانب الشركات وارباب العمل مصاصي الدماء!!

لم تقدم الهستدروت حلا جذريا لوقف الاستغلال المنهجي والممنهج الذي يمارسه مقاولي شركات القوى العاملة بحق هؤلاء العمال بل فتحت الباب على مصراعيه لرفع وتيرة هذا الاستغلال

نقابة العمال الاسرائيلية – الهستدروت –أعلنت عن نزاع عمل في المرافق الاقتصادية في البلاد اضافة الى اعلان الاضراب العام الاربعاء القادم، بعد ان اتاحت محكمة العمل ذلك، من اجل تحسين وتقليص ظاهرة استغلال مئات الالاف من العمال الذين يعملون بظروف عمل عبودية عبر مقاولي شركات القوى العاملة. هؤلاء العمال يشكلون اكثر من 400 الف عامل يعملون في الوزارات والمكاتب والشركات الحكومية والخاصة في مجالات الحراسة والنظافة واعمال اخرى في مجال الخدمات، وعلى مدى سنوات وحتى يومنا هذا لم تحرك الهستدروت وقائدها الحالي عوفر عيني وحتى لجانها العمالية ساكنا لتحسين ظروف العمل العبودية لهؤلاء العمال. هؤلاء العمال الغير منظمين في أي اطار نقابي ينتشرون في اماكن العمل حيث اللجان العمالية الكبيرة التابعة للهستدروت، في المطارات، البنوك، الموانىء، المصانع، المكاتب الحكومية وشركة القطارات التي تشغل العشرات منهم عبر شركة القوى العاملة " مين باور" وشركات ومقاولي عمال كثيرين، في مواقع العمل هذه تقف اللجان العمالية الكبيرة التابعة للهستدروت مكتوفة الايدي ومتفرجة على ما يتعرض له هؤلاء العمال من ضراوة الاستغلال البشع لحقوقهم الانسانية العمالية وخصوصا اؤلئك العاملين في مجال الحراسة والامن والنظافة في المكاتب الحكومية. ازاء هذا الوضع المأساوي لهؤلاء العمال تطرح الكثير من النقاشات والاسئلة في الاوساط النقابية حول موقف وجدية نقابة الهستدروت ورئيسها عوفر عيني من مسألة هؤلاء العمال والاضراب العام لتحسين ظروف عمل هذه الشريحة من العمال.

القضايا الاجتماعية والحياتية
على مدى السنوات الماضية لم تحرك الهستدروت ساكنا ازاء القضايا الاجتماعية والحياتية الملتهبة، اذ انها التزمت ودافعت عن اللجان العمالية الكبرى في شركة الكهرباء، الموانىء والمطارات وموظفي المكاتب الحكومية، اما فيما يتعلق بتقليص مخصصات الضمان الاجتماعي مثل مخصصات البطالة وضمان الدخل، او التضامن مع حركة الاحتجاج حول ارتفاع اسعار الوقود والسلع الغذائية او الوقوف الى جانب العمال والفقراء الذين تعرضوا للاستغلال والدوس على حقوقهم في خطة ويسكونسين الشهيرة فانها التزمت الصمت والحياد، بل على العكس من ذلك فانها في بعض المواقف كانت شريكة في تنفيذ خطة ويسكونسين عبر ممثليها في مدينة الناصرة. غير ان رياح الحركة الاحتجاجية في اسرائيل التي تمثل الطبقات الوسطى للمجتمع الاسرائيلي، وتعاظم شعبية هذه الحركة في اليهود في اسرائيل قد وضع نقابة الهستدروت ورئيسها عوفر عيني امام موقف حرج وهو يرى قيادات شابة جديدة تخرج من الطبقات الوسطى اليهودية في تل ابيب تسحب البساط من تحت قدميه وتحمل راية الدفاع عن الحقوق الاجتماعية بدل الهستدروت، ومن هنا كان على عوفر عيني رئيس نقابة الهستدروت ان يخطو خطوة كبيرة حتى تعود الهستدروت ورئيسها للعناوين وكأنها رافعة راية الدفاع عن المقهورين والمسحوقين.

غياب النظام والآليات القانونية
ان هذه الخطوة التي انتهجتها الهستدروت باعلان الاضراب العام لمساندة عمال مقاولي شركات القوى البشرية وتتويج رئيس نقابة الهستدروت بطلا عماليا في هذه القضية بالذات، لا يمكن ان نفهمها نحن في نقابة العمال العرب ، الا من باب واحد وهو النفاق وذر الرماد في العيون والضحك على اللحى، ليس الا، هذا اذا ما فهمنا تاريخ نقابة الهستدروت ودورها في الدوس على حقوق هؤلاء العمال بالذات وتركهم فريسة للمقاولين وارباب العمل. في العام 2008 قدم عدد من اعضاء الكنيست بينهم شيلي يحيموفيتش رئيسة حزب العمل ودوف حنين من الجبهة الديمقراطية للسلام ، اقتراحا يقضي بمسؤولية صاحب العمل ( المصنع او البنك) القانونية عن العامل الذي يعمل لديه بواسطة مقاولي شركة القوى العاملة، الاقتراح ينص على انه من الناحية العملية يعتبر صاحب العمل ( مستشفى او بنك مثلا) ملزم بدفع الاجر والحقوق الاجتماعية لهذه الشريحة من العمال في حال ان مقاول شركة القوى العاملة رفض خلال 21 يوم دفع هذه الحقوق للعامل. هذا الاقتراح تم تمريره في القراءة الاولى في الكنيست، لكنه تعثر بسبب اقتراح اخر قدمته نقابة الهستدروت ووزارة المالية واتحاد ارباب العمل يقضي بمسؤولية صاحب العمل عن حقوق العامل لكنه في ذات الوقت يعطي الكثير من الامكانيات والصلاحيات للمشغل بالتنصل من هذه المسؤولية ، ولم تقدم الهستدروت حلا جذريا لوقف الاستغلال المنهجي والممنهج الذي يمارسه مقاولي شركات القوى العاملة بحق هؤلاء العمال بل فتحت الباب على مصراعيه لرفع وتيرة هذا الاستغلال بغياب أي نظام  واليات قانونية من شأنها ان تلجم ظاهرة استغلال هؤلاء العمال والدوس على حقوقهم.

شركات القوى العاملة
ولا يتوقف الامر على ان الهستدروت قد عرقلت واجهضت اية مبادرة لتنظيم هذه الشريحة من العمال وجعلها ذات حقوق وكرامة في العمل كما هو الامر في صفوف الشرائح العمالية الكبيرة في المطارات والموانىء والقطاعات الصناعية الكبرى، بل انها اقتطعت من قسائم الراتب لهؤلاء العمال نسبة 0.7% كرسوم علاج قانوني وهذا ما يظهر في قسائم الراتب التي عايناها لبعض العمال الذين توجهوا الى نقابة العمال العرب طلبا للمساعدة والتوجيه القانوني، هذا مع الاشارة ان هؤلاء العمال لا يعلمون بتاتا ان شركات القوى العاملة تقتطع من رواتبهم الشهرية هذا المبلغ لخزينة نقابة الهستدروت. وتعود قصة الخصم في رواتب عمال شركات القوى العاملة الى العام 1995 حيث شهدت نقابة الهستدروت انهيارا اقتصاديا كبيرا، في هذا العام تم فصل التامين الصحي عن جهاز الهستدروت، اذ ان توفير الخدمات الصحية عبر صناديق المرضى التابعة للهستدروت كان السلاح الاقوى لدى الهستدروت من اجل تجنيد العمال لعضوية الهستدروت، لكن القانون الجديد للرعاية الصحية منذ عام 1995 اقر بان كل مواطن في البلاد يستطيع ان يدفع رسوم العلاج الصحي من خلال مؤسسة التامين الوطني الاسرائيلية، وبذلك دخلت نقابة الهستدروت في ازمة مالية كبيرة وخسائر مالية فادحة اضطرتها الى بيع الكثير من ممتلكاتها مثل المجمع الصناعي " كور" واغلاق مصنع " أتا " للنسيج ومجمع " سولتام" ومصنع " حمات" وبيع اسهمها في اكبر شركة عقارات في اسرائيل " بينوي شيكون".

بيع العمال بأبخس الأثمان
من هذا الانهيار المالي الكبير لنقابة الهستدروت الاسرائيلية عام 1995 لجأت قيادة الهستدروت الى البحث عن مصادر تمويل بديلة مثل الخصم من قسائم راتب عمال شركات القوى العاملة، هذا اضافة الى ابرام الهستدروت صفقة فريدة من نوعها مع ارباب العمل في الاول من شهر كانون ثاني من عام 1995 وقد نص هذا الاتفاق المشين على ان يخصم ارباب العمل نسبة 0.9 % من اجور العمال دون العودة الى العمال واخذ موافقتهم ورايهم بذلك، وكثير هم العمال الذين التقيناهم عبر سنوات عملنا النقابي الذين اكدوا لنا عدم معرفتهم بهذا الخصم في قسائم الراتب لصالح نقابة الهستدروت وان الهستدروت لا تقدم لهم اية خدمة نقابية تذكر، ووفقا لتقارير صادرة عن منظمة ارباب العمل في اسرائيل فان اكثر من 30 مليون شيكل تدر الهستدروت الى خزينتها من الرسوم التي تقتطع من عمال شركات القوى العاملة وسائر العمال الذين شملهم الاتفاق المبرم بين منظمة ارباب العمل والهستدروت عام 1995. على ذات الصعيد، في العام 1996 اقرت الكنيست الاسرائيلية قانون شركات القوى العاملة الذي يلزم هذه الشركات باصدار تراخيص خاصة من وزارة العمل كي يمكنها من العمل ، اضافة الى ايداع كفالة مالية لخزينة الدولة. في هذه الفترة وقعت كبرى شركات القوى العاملة الاسرائيلية مثل :" تيجبور"،" اورطال"، ميين باور" اتفاقيات جماعية مع نقابة الهستدروت بموجبها تحظى شركات القوى العاملة بتخفيض بنسبة 10% في الكفالة المالية التي تدفعها هذه الشركات للحكومة وبالمقابل يتم اقتطاع نسبة 0.7% من راتب كل عامل يعمل عبر شركات القوى العاملة وتتعهد الهستدروت بالحفاظ على " الهدوء" في اماكن العمل. ومن المهم الاشارة ان اقتطاع 0.7% من راتب العامل لا يعني انه سيحضى بالحماية القانونية في مكان العمل ، الا في حال خصم نسبة 0.9% من راتبه كعضوية في نقابة الهستدروت اضافة الى نسبة 0.7% التي اصلا لا يعرف العامل لماذا يتم خصمها من راتبه. لم يتوقف استهتار نقابة الهستدروت عند هذا الحد من المتاجرة بحقوق عمال مقاولي الشركات العاملة. في محطة اخرى من محطات متاجرة الهستدروت بهؤلاء العمال هي الاتفاق المبرم بين الهستددروت وارباب العمل حول مسألة تثبيت عمال المقاولين وشركات القوى العاملة في مكان عملهم بعد انقضاء فترة تسعة شهور من عملهم في موقع العمل. في هذه المحطة اثبتت الهستدروت مرة اخرى انها تنحاز الى جانب المشغلين وتبيع العمال بابخس الاثمان.

تحضير الرسوم المالية
في العام 2007 ابرمت صفقة بين رئيس الهستدروت عوفر عيني وشرغا باروش مندوب منظمة ارباب العمل في اسرائيل تم بموجبها الاتفاق على ان الفترة الزمنية التي تحدد تثبيت عمال المقاولين وشركات القوى العاملة في اماكن عملهم هي 18 شهرا وليس 9 شهور كما طالبت الهستدروت في البداية. هكذا اقتنعت الهستدروت بوجهة نظر ارباب العمل ان عاملة النظافة او الحارس على مدخل المجمع التجاري عليه ان يثبت جدارته ومهارته في العمل لمدة 18 شهرا حتى يتم تثبيته في مكان عمله!! وعلى كل الاحوال فان هذا القانون لم يخرج حتى الان الى حيز التنفيذ بسبب الضغوطات الكبيرة التي يمارسها ارباب العمل على الحكومة ووزارة المالية. هكذا تنازلت الهستدروت مرة اخرى امام شركات القوى العاملة وارباب العمل واثبتت الى اي طرف هي منحازة الى جانب العمال ام الى جانب الشركات وارباب العمل مصاصي الدماء!! ازاء هذه التنازلات والمواقف والاتفاقيات المشينة لنقابة العمال الاسرائيلية الهستدروت امام ارباب العمل والدوائر الحكومية، وازاء هذا التهميش لمئات الالاف من العمال العرب واليهود الفقراء الذين يعملون بظروف عمل عبودية ومهينة تقف الهستدروت متفرجة على معاناتهم وغير مكترثة لمصيرهم المريب الا لتحصيل الرسوم المالية من رواتبهم الشهرية دون علم ودراية العمال، فان هؤلاء العمال ليس لهم أي بديل لهذا المصير التعيس الا من خلال الانضمام والالتحاق بالنقابات العمالية المناضلة والتقدمية الحريصة على تحسين ظروف العمل وحقهم بالعمل بكرامة سواء كان ذلك عبر نقابة العمال العرب التي تعمل على تنظيم وتأطير هؤلاء العمال في اطر نقابية تحميهم او من خلال منظمة " قوة للعمال" التي تعمل في اوساط العمال اليهود وتعمل على حماية مصالحهم امام مقاولي الشركات وارباب العمل. وتبقى دعوة الهستدروت الى الاضراب الاربعاء القادم في المرافق الاقتصادية لتحسين ظروف العمل لمئات الالاف من عمال المقاولين لشركات القوى العاملة ما هو الا ضحك على اللحى وذر الرماد في العيون لتغطية مواقفها واتفاقياتها المشينة مع ارباب العمل التي باعت العمال.

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرا في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.co.il


 

مقالات متعلقة