الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الإثنين 20 / مايو 00:01

نعم للمنتدى الفكري والثقافي/ بقلم: عفيف شليوط

كل العرب
نُشر: 20/04/13 13:21,  حُتلن: 17:35

عفيف شليوط في مقاله:

في مقاله يناقش البروفيسور مروان دويري دور المثقف في المجتمع ويؤكد على دور المثقف في إثراء أداء مجتمعنا علماً أنه هنالك بعض المثقفين الذين يحتلون مواقع قيادية في أحزاب سياسية

هناك مثقفو بلاط وسلطة ولكن المثقف الحقيقي في نظري هو من ينتقد ويتحدى السلطة والقوة المسيطرة في مجتمعه وشعبه وحزبه ودولته والعالم من أجل إحداث تغيير

لا يمكن الخروج من حالة الركود السياسي والاجتماعي دون أخذ المثقفين لدورهم "الاستفزازي" إن صح التعبير من أجل خلق حراك فكري تعددي يناقش بعمق وجرأة كل البدائل السياسية والمسلَّمات

أشار البروفيسور مروان دويري في مقاله الذي نشر في صحيفة "الاتحاد" بتاريخ 12 / 4 / 2013 ، الى اجتماع عدد من الأكاديميين والمثقفين والفنانين والأدباء لبحث دور المثقف في المجتمع ، حيث توصلوا الى ضرورة إقامة "منتدى فكري" يبادر الى حراك فكري من شأنه المساهمة في الخروج من حالة الركود السياسي والاجتماعي القائم. أنا لا أعلم من هؤلاء الذين عقدوا الاجتماع المذكور ، وأين اجتمعوا ، ولكن ما يهمني هنا الفكرة ، فكرة مناقشة غياب أفق مستقبلي ، في ظل انصياع القيادة السياسية لدينا للرأي السائد في الشارع ، بدلاً من قيادته. زد على ذلك سيطرة الطائفية والعائلية على الموقف ، إزاء عجز الأحزاب السياسية عن الإجابة على كافة الأسئلة .

في الحقيقة ما لفت نظري في هذا المقال أنه يحمل فكراً ، يناقش قضية ، في ظل انغماس صحافتنا وأقلامنا بترديد شعارات رنانة ، وكيل الاتهامات للسلطة أو للأحزاب الأخرى ، تخوين ، شتائم ، تحريض. فالمقال هنا يدعو الى التركيز في هذا السياق على مسؤوليتنا الذاتية والتفكير في كيفية مواجهة هذا الواقع المأزوم. ويحمل كاتب المقال مسؤولية تردي الأوضاع لكل من : الأحزاب السياسية ، القيادات الاجتماعية والتربوية ولجنة المتابعة واللجنة القطرية والسلطات المحلية والجمعيات المدنية.

ركود
في مقاله يناقش البروفيسور مروان دويري دور المثقف في المجتمع ، ويؤكد على دور المثقف في إثراء أداء مجتمعنا ، علماً أنه هنالك بعض المثقفين الذين يحتلون مواقع قيادية في أحزاب سياسية ، وهؤلاء بطبيعة الحال غير حياديين ولا يمكنهم إخراجنا من حالة الركود السياسي والاجتماعي ، لأن التزامهم لأحزابهم تضطرهم الى تجنيد فكرهم لصالح أحزابهم ويأتي هذا على حساب خلق حراك فكري حقيقي ليناقش وبكل جرأة الوضع القائم والتصور المستقبلي، دون إجراء حسابات ضيّقة . وطالما استمر مثقفونا في الحفاظ على ما يسمى "بالإجماع الوطني" ، و "الثوابت" ، فلا يمكننا الحديث عن حراك فكري حقيقي ، وحرية الفكر . وإذا تطرقنا لموضوع الإبداع في العالم العربي ، فنلاحظ أن كثرة الممنوعات هي التي تقتل كل إبداع فكري وأدبي ، فممنوع أن نطرح أفكاراً تناقش بعمق وجرأة موضوع الدين ، السياسة ، الجنس ، فعندما يضع المبدع أو المفروض أن يكون مبدعاً الحدود لفكره ، أي الرقابة الذاتية ، فهو بالتالي قضى على الفكر الإبداعي ، وبالتالي يتحول مثقفونا وللأسف الى مدافعين عن فكر معيّن ، ربما لا يؤمنون به ، بدلاً من خلقهم للفكر الخاص بهم.

نقاش فكري
ورد في مقال البروفيسور مروان دويري أن "من أخطر المصطلحات في الحركات الثورية (حسب رأيه) مصطلحا "الثوابت" و"الإجماع". في عالم متحرك وغير ثابت كيف يمكن للفكر أن يُحتجز في إطار ثوابت. وفي عالم متعدد كيف يمكن أن يتجمد الفكر في إطار الاجماع. إن ما يجب أن يوجه النقاش الفكري هي المرجعيات الأخلاقية الإنسانية مثل أخلاقيات العدالة والحرية وليست معايير قومية أو حزبية أو طائفية". وإذا أخذنا موضوع مفهوم المواطنة في اسرائيل على سبيل المثال ، إذا بحثنا هذا الموضوع وبعمق بعيداً عن الكلاشيهات التي اعتدنا على تردادها كالببغاوات ، وبعيداً عن التخوين واتهام كل من لا يروق لنا رأيه بالخيانة ، ربما توصلنا الى نتائج أخرى ولا أريد أن أحدد هنا الطروحات الأخرى ، بل أدعو الى خلق مناخ صحي لنقاش فكري حر ، بعيداً عن الترهيب والتخوين لكل رأي مغاير . كأن نستخدم التعبير "خروج عن الثوابت الوطنية" لكل رأي لا يتماشى مع ما يسمى "بالإجماع الوطني" أو "الثوابت" ، هذا الإجماع الذي فُرض من قبل أغلبية الأقلية وأصبح بقدرة قادر حقيقة لا نقاش عليها ، ومن يتجرأ ويطرح رأياً مغايراً يُتهم بالخروج عن الرأي السائد والثوابت. علماً أن البروفيسور إدوارد سعيد اعتبر المفكّر هو الذي يجرؤ على "الطعن في المعايير والأعراف السائدة" والخروج على "التشكيلة الجماعيّة"، والذي لا يغُضُّ الطرف عن الممارسات اللا أخلاقيّة لبعض فئات شعبه.

تخفيف حدة النقد
وهنا تعود بي الذاكرة الى تحذيرات زملاء لي من ادارة مهرجان مسرحيد في عكا في العام 2002 ، بأن أخفف من حدّة النقد في مسرحيتي "اعترافات عاهر سياسي" خوفاً من ردة فعل الجمهور الذي حسب اعتقادهم لن يتقبل هذا الطرح ، لأنه خارج عن الرأي السائد ولأنه يمسّ ببقرات مقدسة ، أي قادتنا السياسية ، فالمسرحية تطرح معاناة المواطن العربي الفلسطيني في داخل اسرائيل ، إزدواجية مواقف قادته وتأرجحهم بين إنتمائهم للشعب الفلسطيني وجنسيتهم الإسرائيلية . تحاول المسرحية الغوص في أعماق المواطن العربي ومحاولة فهم تصرفاته ، ماذا يريد والى أين يتجه ؟! طرحت في هذه المسرحية بعيداً عن الشعارات الأسئلة ، بهدف إثارة نقاش فكري حر ، وفتح باب الحوار والنقد الذاتي ، في سبيل وضع حد للمزايدات والمهاترات التي يطرحها بعض قادتنا بهدف تحقيق مكاسب ذاتية آنية .
فحسب رأيي كل واحد منا ومن خلال موقعه ، يمكنه الخروج من حالة الركود السياسي والاجتماعي القائم في مجتمعنا ، الفنان من خلال أعماله الفنية ، والأديب من خلال ما يكتبه ، والمعلم من خلال حواره مع طلابه ، لنشكل معاً هذا المنتدى الفكري ، الذي نحن بأمس الحاجة له ، في ظل التصلّب الأعمى بآرائنا ومعتقداتنا.

المثقف الحقيقي
طبعا هناك مثقفو بلاط وسلطة ولكن المثقف الحقيقي في نظري، تماشيا مع أفكار فوكو وشومسكي وآخرين، هو من ينتقد ويتحدى السلطة والقوة المسيطرة في مجتمعه وشعبه وحزبه ودولته والعالم، من أجل إحداث تغيير والخروج من حالة المحافظة والثبات نحو التطور والجديد الأكثر إنسانية وعدلا وحرية. لا يمكن الخروج من حالة الركود السياسي والاجتماعي دون أخذ المثقفين، على اختلاف مشاربهم، لدورهم "الاستفزازي" إن صح التعبير، من أجل خلق حراك فكري تعددي يناقش بعمق وجرأة كل البدائل السياسية والمسلَّمات والثوابت والإجماع والعادات والتقاليد والتراث والدين. أما حياد المثقفين من هذه القضايا بحجة احترام الثوابت والإجماع والمعتقدات فهو نوع من التواطؤ غير البريء. من هنا أرى ضرورة إقامة المنتدى الثقافي ودعوة كل المثقفين والمفكرين لأخذ دورهم في تأسيسه ورسم طريقه وتفعيله. وأدعو الأحزاب والقيادات التعامل مع هذا المنتدى ككيان مكمل للعمل الحزبي والسياسي من أجل النهوض بمجتمعنا والخروج من حالة الركود هذه.

موقع العرب يفسح المجال امام المبدعين والموهوبين لطرح خواطرهم وقصائدهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع منبرا حرا في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجي إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع على العنوان:alarab@alarab.net

مقالات متعلقة