الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الإثنين 20 / مايو 00:01

حب الحياة حتى القداسة/ بقلم: عفيف شليوط

كل العرب
نُشر: 05/12/13 08:00,  حُتلن: 08:19

عفيف شليوط في مقاله:

شعب يفخر بأدبائه وفنانيه هو شعب يجيد تقدير ثقافته ويعرف قيمة هذه الثقافة

بعد مشاركتي في هذا المهرجان بدأت أبحث عن مؤلفات هذا الأديب البيستريتسي لأكتشفه ولأكتشف سبب مدى شغف أهل هذه المدينة بأدبه خاصة وبالثقافة عامة

غادرت هذه المدينة وكلمات ليفيو ريبرينو تعشش في ذاكرتي، وتظهر أمامي بحروف كبيرة حجمها أخذ يكبر ويكبر بحجم سائر أنحاء المدينة بحجم ساحاتها وأزقتها القديمة وبيوتها وكنائسها وبرجها العالي

شاركت في الأسبوع الماضي في المهرجان الثقافي الفني ليفيو ريبرينو التاسع، الذي يقام سنوياً في مدينة بيستريتسا، تلك المدينة الوادعة التي تقع في شمالي رومانيا على نهر يحمل الاسم ذاته، والتي يبلغ عدد سكانها حوالي 90.000 نسمة. وأطلق على المهرجان اسم ليفيو ريبرينو تخليداً لذكرى الكاتب الروماني ليفيو ريبرينو وتقديراً لأدبه، خاصة وأنه من أبناء مدينة بيستريتسا، لهذا تعتز هذه المدينة بكاتبها، ولهذا أطلقت على المهرجان اسم هذا الكاتب.


ان شعباً يفخر بأدبائه وفنانيه، هو شعب يجيد تقدير ثقافته ويعرف قيمة هذه الثقافة، وهذا ما لمسته فعلاً خلال أيام انعقاد المهرجان، حيث تسنى لي مشاهدة العروض المسرحية والغنائية والموسيقية والأمسيات الأدبية، ولاحظت أن كل الذين ينشطون في هذه المدينة في مجال المسرح والموسيقى والرقص والرسم والكتابة، جميعهم يقومون بمزاولة هذه النشاطات من أجل هدف واحد، حبهم لبستريتسا، وبالتالي شعرت أيضاً بمدى اعتزاز أبناء هذه المدينة بأدبائهم وفنانيهم.

التعصب والغاء الآخر
بعد مشاركتي في هذا المهرجان بدأت أبحث عن مؤلفات هذا الأديب البيستريتسي لأكتشفه، ولأكتشف سبب مدى شغف أهل هذه المدينة بأدبه خاصة وبالثقافة عامة، فقرأت له هذه الكلمات من ضمن كتاباته " لا شيء أهم في الوجود من حياة الإنسان! بل على العكس فإن الإنسان يرقى فوق كل اعتبار حتى فوق العالم نفسه! فماذا تساوي الأرض بغير الإنسان الذي يراها ويحبها؟ كل شموس العالم لا تؤدي وظيفة خيراً من أن تبعث الدفء ليحيا الإنسان". انها كلمات مفعمة بالانسانية، وتقدر قيمة الانسان وحياته التي ترقى فوق كل اعتبار، حتى فوق العالم نفسه. دعونا نتعلم من هذا الأديب الرائع حب الحياة، وحب الوطن بمفهوم آخر، بعيداً عن التعصب والغاء الآخر، حيث يقول " المغالاة في القومية أمر كريه - أليس كذلك يا أبي؟ من واجب الإنسان أن يحب وطنه و لكن دون أن يشعر بالكراهية نحو بقية الشعوب”.

القلب والعقل
ومن أجمل ما كتب ليفيو ريبرينو عن العلاقة بين القلب والعقل "لقد قرأت ذات مرة يا صاحب السعادة أن قلب الجنين البشري يكمن خلال الأسابيع القليلة الأولى في رأسه.. في منتصف المخ.. و في مرحلة متأخرة يبدأ القلب في النزول شيئاً فشيئاً منفصلاً عن العقل، كم كان يكون رائعاً يا صاحب السعادة لو أن القلب و العقل ظلا شيئاً واحداً حتى لا يفعل القلب ما يُحرّمه العقل، أو يأمر العقل بعمل لا يرضى عنه القلب!”.

سر الانسانية 
بعد قراءتي لهذه الكلمات عرفت سر انسانية سكان هذه المدينة، وسر حفاوة استقبالهم لي وللوفود المشاركة في المهرجان، وسر سعادتهم رغم أنهم ليسوا أثرياء، ببساطة لأنهم تعلموا من ليفيو ريبرينو كيف يعشقون الحياة وكيف يحبون الآخر. كما أدركت جيّداً كم يحب أهل بيستريتسا وطنهم، فقد علمهم "مرشدهم الروحي" ذلك، ولمست ذلك جيّداً في اليوم الأخير لإقامتي في هذه المدينة، حيث صادف في هذا اليوم أن احتفلت رومانيا بعيدها الوطني، فأقيمت الاحتفالات والمسيرات والطقوس الوطنية في هذه المدينة مثل سائر أنحاء رومانيا، وتأثرت جداً عندما لمست مدى انتماء مواطني رومانيا لوطنهم، حيث شعرت بمدى تأثرهم عندما كانوا يضعون أكاليل الزهور على النصب التذكاري لشهداء رومانيا، كانوا يضعون الأكاليل بتأثر بالغ الى حد القداسة.

وشاهدت كيف كانوا يعلنون الولاء لعلمهم، وكيف كانوا يضعون أيديهم نحو قلوبهم لدى سماعهم النشيد الوطني، "حتى لا يأمر العقل بما لا يرضى القلب"، وكيف كانوا يتبادلون التحيات بينهم احتفاء بعيدهم الوطني بلحمة وطنية لم أستطع ألا أحسدهم عليها.
غادرت هذه المدينة، وكلمات ليفيو ريبرينو تعشش في ذاكرتي، وتظهر أمامي بحروف كبيرة حجمها أخذ يكبر ويكبر بحجم سائر أنحاء المدينة، بحجم ساحاتها وأزقتها القديمة وبيوتها وكنائسها وبرجها العالي، وكانت تظهر خلف الحروف وجوه سكان بيستريتسا الباسمة، وكان في عيونها بريق مشع تكاد تتكلم، تكاد تقول لي " نحن نحب الحياة حتى القداسة".

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net 

مقالات متعلقة