الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 27 / أبريل 04:02

كيف تكون رئيساً "قوياً" في لبنان؟ /بقلم:الياس حرفوش

كل العرب
نُشر: 09/04/14 07:44,  حُتلن: 07:48

الياس حرفوش في مقاله:

الظرف الذي أوصل بشير الجميل إلى رئاسة الجمهورية عام 1982 شبيه بالظرف الذي يمر به لبنان الآن

فريق 14 آذار، الذي أعلن أحد أطرافه، رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع ترشحه لهذا المنصب، يعتبر أن القوة تعني القدرة على فرض سلطة الدولة على الجميع، وذلك في مواجهة سلاح حزب الله

أما فريق 8 آذار، الذي يعتبر العماد ميشال عون والوزير السابق سليمان فرنجية أبرز المرشحين في صفوفه، فهو يرى أن صفات القوة تفترض أن يكون الرئيس الماروني المقبل ممثلاً لأوسع شريحة من المسيحيين

يتفق السياسيون الموارنة في لبنان على ضرورة وصول «رئيس قوي» إلى رئاسة الجمهورية، التي يشغلها واحد منهم بحسب العرف المتبع. غير أن مفهوم هذه «القوة» يختلف بحسب انتماءات هؤلاء السياسيين واتجاهاتهم السياسية.
فريق 14 آذار، الذي أعلن أحد أطرافه، رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، ترشحه لهذا المنصب، يعتبر أن القوة تعني القدرة على فرض سلطة الدولة على الجميع، وذلك في مواجهة سلاح «حزب الله» الذي يرى جعجع والفريق الذي ينتمي إليه أنه سلاح خارج على الشرعية. وأشارت «القوات اللبنانية» في بيانها الذي أعلنت فيه ترشيح رئيسها، أنه رد على «حال الفوضى والعنف وتمادي السلاح غير الشرعي على حساب سيادة الدولة وأمن المواطن».

أما فريق 8 آذار، الذي يعتبر العماد ميشال عون والوزير السابق سليمان فرنجية أبرز المرشحين في صفوفه، فهو يرى أن صفات القوة تفترض أن يكون الرئيس الماروني المقبل ممثلاً لأوسع شريحة من المسيحيين، مثلما أن رئيس الحكومة يمثل أكثرية السنّة، كما يمثل رئيس المجلس النيابي أكثرية الشيعة. ومن هنا يقف «حزب الله» (ولو لفظياً حتى الآن) إلى جانب عون، انطلاقاً من أن كتلته النيابية تضم أكثرية النواب المسيحيين، فيما الموقف المعلن لرئيس المجلس النيابي ورئيس حركة «أمل» نبيه بري هو دعوة النواب المسيحيين إلى الاتفاق على مرشح، وهو مستعد لدعم ترشيحه.
وإضافة إلى ذلك، دخل البطريرك الماروني بشارة الراعي ساحة تحديد المواصفات، فقال إن لبنان يحتاج «رئيساً قوياً بأخلاقيته ومثالية حياته وأدائه عبر تاريخه، ثم بقدرته على تقوية الدولة والدفاع عنها وفي وضع حد للفساد في الإدارة...».
ومن خلال هذا التباين في تحديد مواصفات الرئيس «القوي»، يتضح أن كل طرف ينظر إلى هذه القوة من زاوية مصلحته وليس من الزاوية التي تخدم مصلحة البلد، والتي تقضي بمجيء رئيس يكون رمزاً حقيقياً للدولة، كما يفترض الدستور، وقادراً على التواصل مع الجميع بحكمة ومسؤولية، على أن يضع مصلحة لبنان فوق أي اعتبار، من دون أي تردد أو تزلف، لا للداخل ولا لأي طرف في الخارج.

ولأن الخلاف على مصلحة لبنان وعلى الاتجاه الذي يخدم هذه المصلحة أصبح خلافاً عميقاً وخطيراً بين اللبنانيين، كان من الطبيعي أن ينعكس ذلك على الاختلاف الكبير القائم بين توجهات المرشحين البارزين، فترشيح سمير جعجع للرئاسة مثلاً، بما يمثله من تطرف في رفض سلاح «حزب الله»، صار يُنظر إليه في البيئة الحاضنة لـ «القوات اللبنانية» على انه ترشيح طبيعي، وأن جعجع هو الأقدر من سواه على هذه المواجهة. مع أن من البديهي الافتراض أن شخصية سمير جعجع وتاريخه السياسي والعسكري خلال الحرب الأهلية، يجعلانه أبعد ما يكون عن صورة الرمز الوطني الذي يلتف حوله الجميع، والتي يجب أن يتحلى بها رئيس الجمهورية.
والأمر نفسه يمكن أن يقال عن ميشال عون، الذي أدى «تفاهمه» مع «حزب الله» وتجاهله مع تكتله للخروقات التي يرتكبها سلاح الحزب بحق السيادة اللبنانية، بل الدفاع عن هذه الخروقات أحياناً، إلى استعداء قسم لا بأس به من المسيحيين، فضلاً عن السنّة، فيما يتصرف الرئيس بري مع عون على أنه «حليف الحليف».
لقائل أن يقول إن الظرف الذي أوصل بشير الجميل إلى رئاسة الجمهورية عام 1982 شبيه بالظرف الذي يمر به لبنان الآن، من خلال المواجهة التي خاضها الجميل آنذاك ضد السلاح غير الشرعي (الفلسطيني) والتي أدت إلى التفاف وطني حول ترشيحه. غير أن الفوارق بين الحالتين اكثر من أن تحصى، وليس أقلها أن السلاح، الموصوف اليوم بأنه غير شرعي، يحمله لبنانيون لا يمكن تهجيرهم بالبواخر إلى أي مكان، ولا بد لرئيس الجمهورية المقبل من أن يكون قادراً على التعامل معهم بحكمة ومسؤولية، على قاعدة استفادة الدولة من قدراتهم العسكرية في مقابل ولائهم الكامل للبنان واحترامهم لسيادته الوطنية.
وأمام مهمة صعبة كهذه، تصبح للقوة شروط أخرى غير العضلات والصوت العالي. العقل في هذه الحال هو القوة الحقيقية، إلى جانب النظافة السياسية والأخلاقية والاحترام الذي تفرضه شخصية المرشح العتيد على الجميع.
وتبقى مهمة العثور على مرشح بهذه المواصفات من بين السياسيين الموارنة هذه الأيام.

نقلاً عن "الحياة"

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net


مقالات متعلقة