الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 26 / أبريل 14:02

الله ينجينا من الآت /بقلم:وديع عواودة

كل العرب
نُشر: 12/04/14 12:56,  حُتلن: 08:10

 وديع عواودة في مقاله:

ما يحتاجه المجتمع العربي اليوم أكثر من أي وقت مضى خطوات حقيقية تسهم بتطوير الحالة الاقتصادية تدريجية وتراكمية تتحدى الأبواب الموصدة

الفقر العربي ليس نتيجة سياسات رأسمالية " متوحشة أو خنزيرية " بل مردها قرارات عنصرية تنعكس بعدم توفر فرص متكافأة للعمل بمرافق الدولة وبفقدان المناطق الصناعية

ازدياد عدد الفقراء في إسرائيل حتى مليون نسمة ليس قضاءا وقدرا بل نتاج سياسات عليا تعادي فكرة " دولة الرفاه " تشجع السوق الحرة المنفلتة والاحتكارات الكبرى

في أكثر من مرة اعتبر مؤتمر هرتزليا للمناعة القومية أن الفقر المتفاقم في إسرائيل يهددها بقوة ويطاول مستوى التحديات الخارجية. وذهب بعضهم للقول إن الفوارق بين طبقات الإسرائيليين أكثر خطرا على إسرائيل من قنبلة إيران والجيوش العربية لأنها تنال من واحد من أهم أسباب قوتها،لحمتهم الداخلية. ويحق أمثال هؤلاء بتقييمهم نظرا لخطورة تبعات انقسام الإسرائيليين بين أثرياء وبين فقراء نتيجة الرأسمالية المتوحشة المنتهجة من قبل رئيس الوزراء نتانياهو منذ ترأسه لوزارة المالية في حكومة أرئيل شارون.

إن ازدياد عدد الفقراء في إسرائيل حتى مليون نسمة ليس قضاءا وقدرا بل نتاج سياسات عليا تعادي فكرة " دولة الرفاه " تشجع السوق الحرة المنفلتة والاحتكارات الكبرى بتأثر اعتبارات أيديولوجية وحسابات نفعية. وأخطر تبعات ذلك يكمن بموت قيمة التكافل بين سكان إسرائيل اليوم وبتحولها من " دولة رفاه " في الفترة الطلائعية لدولة مليون جائع.
إذا كان الفقر يهدد دولة كإسرائيل دولة قوية فهو أشد خطرا بتبعاته الاجتماعية والسياسية على المجتمع العربي الضحية الأولى للفقر(60% من الأولاد تحت خط الفقر عرب). في تقريره يتوقف مراقب الدولة عند الفقر العربي ويقر بأنه أشد مضاضة لأن المنظمات الخيرية أيضا لا تقدم له سلة غذاء بالمناسبات. وحتى لجان الزكاة والمبادرات الكريمة( الفردية والجماعية ) لا تعدو كونها إطفاء حرائق وتخفيف أوجاع في رمضان أو العيد. في التقرير يتوقف مراقب الدولة عند سيدة نصراوية تعترف بأنها لم تذق طعم الفواكه واللحوم الطازجة منذ عامين ويضطر أبناؤها الثلاثة للذهاب لبيوت أصدقائهم لسد رمقهم. هذه ليست مبالغة فخلف الأبواب يفتك غول العوز والحرمان بالكثير من العائلات العربية. والفقر العربي ليس نتيجة سياسات رأسمالية " متوحشة أو خنزيرية " بل مردها قرارات عنصرية تنعكس بعدم توفر فرص متكافأة للعمل بمرافق الدولة وبفقدان المناطق الصناعية. إن اتساع الفوارق بين من معهم وبين المحرومين في مجتمع استهلاكي تسوده المظاهر والأقنعة،ينذر بالمزيد من الجريمة على أنواعها من السطو حتى القتل. لا يقل أهمية هو الموت البطيء لوشائج التكافل والتعاضد بين الناس حينما ينقسمون بين من يتضور تخمة وبين من يئن جوعا. عندما يلتقي الطفل الجائع مع طفل ميسور الحال في الطريق تصبح النتائج الكارثية مسألة وقت. فما نفعل ؟ هل نكتفي بتشخيص الحالة أو اتهام السلطات الإسرائيلية فقط وكفى المؤمنون شر القتال؟
عندما تكتفي الفعاليات السياسية والمنظمات الأهلية بتوصيف الحالة وتتسابق في ذم إسرائيل فقط لتريح نفسها من عناء الوقاية والعلاج تغرر بجمهورها وتخدعه. بالكشف عن عنصرية السلطات الإسرائيلية لن نعيد اكتشاف أمريكا. ما يحتاجه المجتمع العربي اليوم أكثر من أي وقت مضى خطوات حقيقية تسهم بتطوير الحالة الاقتصادية تدريجية وتراكمية تتحدى الأبواب الموصدة، بالتعلم والتفوق وبالالتفات أكثر للتعليم التكنولوجي وللزراعة الحديثة بموازاة الضغط البرلماني والميداني على الوزارات لبناء مناطق صناعية وتوفير مصادر عمل. لن يكون ممكنا تنمية مشروع سياسي دون أن يسبقه مشروع ثقافي وهذا غير ممكن في مجتمع فقير يرى بخبز الثقافة " بسكويتا " . المشروع الاقتصادي بكل مفاهيمه هو الأساس وهذا يمر من خلال تنظيم المجتمع العربي بإعادة بناء لجنة متابعة عصرية ومنتخبة تملك أدوات وإمكانيات للعمل بدلا من لجنة مهلهلة متقادمة تبحث عن متبرعين لتسديد فاتورة " بيزك".
إن استمرار ازدياد حالة الضيق الراهنة وتفاقمها واتساع الفوارق الطبقية يعني بالمنظور غير البعيد أن موجات الخدمة المدنية وربما بدائلها ستهدم السدود لتطال الكثير من الشباب العرب لأنه ليس بالأيديولوجيا فقط يعيش الإنسان،بالذات اليوم. كما ينذر اتساع الفوارق الاقتصادية بالمزيد من العنف من لا يرى ذلك فهو غير جاد وإما يحاول الاختباء خلف إصبعه فالقول " لو كان الفقر رجلا لقتلته" صحيح بكل الأزمان.

المقالات المنشورة تعبر عن رأ
ي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net

مقالات متعلقة