الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 20 / أبريل 00:02

العنف في المجتمع والمدارس/ بقلم: د.صالح نجيدات

كل العرب
نُشر: 21/04/14 09:33,  حُتلن: 08:59

الدكتور صالح نجيدات في مقاله:

 العنف المنتشر في مجتمعنا باعتقادي عائد للتحول السريع الذي حصل في مجتمعنا خلال العشرين السنة الماضية

الانفتاح الكبير على ثقافات الغرب التي لم نكن نعرفها في السابق تأثر بها مجتمعنا وتبناها بطريقة غير مدروسة في شتى المجالات وبشكل غير مرحلي 

اذا أردنا أن نفهم ظاهرة العنف علينا تحليل الأسباب قبل النتائج والأسباب تبدأ من الخلل الذي أصاب منظومة قيمنا الاجتماعية والتربوية والتعليمية وحتى القانونية وضعف شخصية الاهل وتقصير أدائهم امام اولادهم

بين فترة وأخرى، يطل علينا العنف من جديد في مجتمعنا العربي في مدينة هنا أو قرية هناك، من الجليل الى النقب ومنطقة المثلث في الوسط، وكذلك في المدارس التي من المفترض أن تُصدّر للمجتمع العلم والكفاءات التي ستبني مجتمعنا على أسس حديثة، ولكن للأسف كثير من العوامل أثرت على هذه الفرضية، وتحولت المدارس في مجتمعنا إلى نقاط توتر تُقلق المجتمع العربي في البلاد بدل أن تكون صرح علمي، إذ ليس من المعقول أنّ الآلاف من أولياء الأمور، باتوا يضعون أيديهم على قلوبهم لحظة مغادرة أبنائهم إلى المدارس، وحتى عودتهم إلى بيوتهم سالمين!.

وإذا أردنا أن نفهم ظاهرة العنف، علينا تحليل الأسباب قبل النتائج، والأسباب تبدأ من الخلل الذي أصاب منظومة قيمنا الاجتماعية والتربوية والتعليمية وحتى القانونية وضعف شخصية الاهل وتقصير أدائهم امام اولادهم. اجتماعياً عدنا في كثير من مسارات حياتنا إلى الحمائل والعائلات في صورتها السلبية، ومفهومها المغلوط والعشائرية الحقيقة من هذه الصورة براء ، ففي الماضي كانت العائلات والحمائل موجودة آنذاك ولكن لم يكن عنف منتشر في مجمعنا بهذه النسبة المرتفعة فالحمولا في واقعها الحقيقي مؤسسة اجتماعية تحافظ على تماسك المجتمعات ولا تعرقل السير نحو المؤسسية والمدنية وسيادة القانون، كما يدعي البعض بل كانت تلجم وتمنع التصرفات الفردية السلبه مهابة واحتراما لشيخ الحمولة أو العائله الذي كان له تأثير ودور كبير.

اما اليوم فالعنف المنتشر في مجتمعنا باعتقادي عائد للتحول السريع الذي حصل في مجتمعنا خلال العشرين السنة الماضية، فالانفتاح الكبير على ثقافات الغرب التي لم نكن نعرفها في السابق تأثر بها مجتمعنا وتبناها بطريقة غير مدروسة في شتى المجالات وبشكل غير مرحلي والتي هي غير ملائمة لطبيعة مجتمعنا المحافظ وبكلمات اخرى قفزنا السلم من اسفله الى أعلاه مرة واحدة بدون تحضير ملائم ، الأمر الذي أدى إلى اختلال التوازن عند الكثير من أبنائنا، الذين تعاملوا مع كثير من المستجدات بطريقة سلبية، بالاضافة الى اهمال وتقصير نسبة كبيرة من الاهل في نقل الموروث الحضاري والقيم والعادات وعدم تربية أبنائهم التربيه السليمة وفي المقابل، إن البذخ الزائد والرفاهية المبالغ فيهما عند البعض هما اللذان يمكن أن يكونا سبباً في العنف الذي نراه في مدارسنا لان وجود نقود عند بعض الطلبه يجعلهم يشترون السموم الخفيفة والمشروبات الكحولية وحبوب الهلوسة ومشروبات الطاقة وهذا ما أشارت اليه الابحاث.

العنف يبدأ بسبب اهمال الأسرة، فإذا لم يراقب الأهل ابنهم من بدايات سنواته الأولى في المدرسة، وميوله المختلفة مراقبة عمليه وعلمية حثيثة، فإن شخصية هذا الابن، من الممكن أن تكتسب صفات سلبية، وتتأصل في شخصيته، وتنفجر في أي لحظة، في وجه الأهل والمجتمع، فمن يمارس العنف كنهج حياة، لا يعنيه إذا مارسه في المدرسة أو البيت، أو حتى الشارع العام.
كذلك المناهج الدراسية لدينا أيضاً، طالها كثير من التهميش لمواضيع كثيرة فهي لا تُنمِّي في الطالب إنسانيته الاجتماعية والفكرية، ولا تركز على طريقة تعامله مع أبناء مجتمعه ، في كل مراحل حياته، فلم نعد نرَ تلك المناهج التي تنمي في الطالب الحوار كأسلوب حياة، وطريقة تعامل مع الآخرين، ليحلَّ النقاش والحوار مكان العنف والصدام واستعمال الأيدي. 

والحديث عن هيبة القانون يطول ويطول في بلادنا، حيث آخر ما يهتم به قطاع كبير من مواطنينا احترام القانون، ويعتبر التجاوز على القانون نوع من الرجولة والفهلوة، وكثيرا من الاحيان، سلوك السلطات المحلية وإدارات المدارس لدينا كرّس هذا الواقع المرير بعلاقتنا مع القانون، من خلال التغاضي عن تنفيذه، وتقديم الواسطة على احترامه وتنفيذه على الجميع، فلو طُبق القانون بحزم على كل من يرتكب عنفاً في مدارسنا، أو في الشارع لما وصلنا إلى هذه الحالة التي تعاني منها المدارس اليوم، ولو أُغلقت أبواب الواسطة، وكان الإصرار على تطبيق القانون أولاً وأخيراً، على كل من يتجاوز على النظام العام للمدارس، لكان واقعنا في مدارسنا أفضل بكثير مما هو عليه الآن، ولحافظنا على تميزنا السابق في التعليم، سواءً من الناحية العلمية، أو في مجال بناء الشخصيات التي كانت تُصدِّرها مدارسنا لمجتمعنا، قيادات أسست وبنت مجتمعاً يشار إليه بالبنان.

الحديث عن العنف في مجتمعنا وفي مدارسنا بالذات، أسبابا ونتائجَا لا يتسع المقام له لإتمامه، ولكننا جميعاً نعرف ما هو الحل، وأين يكمن هذا الحل، لتخليص مجتمعنا من هذه الآفة التي تضرب به منذ سنوات، في مقدمتها إعادة النظر بالمناهج الدراسية في المدارس، ثم تطبيق القانون وتكريس احترامه في نفوس النشء والتغيرات الكبيرة التي طرأت على مجتمعنا، مثل معايير جديدة من ناحية الشخصية، والبناء الفكري والتربوي والاجتماعي.

يجب أن تتعاون كافة مؤسسات المجتمع، في بناء شخصية الطالب، كالبيت، والمسجد، والكنيسة والمدرسة والنادي وكل مرافق المجتمع، التي على علاقة مع الطالب أو المراهق. كذلك لا بدّ من إعادة تفعيل مؤسسات المجتمع المدني وإلقاء محاضرات للتوعية، على المستوى الثقافي والفكري وحتى الترفيهي المدروس، فكل هذه عوامل وأسباب تؤدي إلى تغيير النتيجة الحالية، التي وصلنا إليها من تفريغ كامل لشخصية الطالب، فعندما يدخل الطالب بوابة المدرسه حاملاً معه أمراض مجتمعه، ويضيفها على حالة الفراغ في الحياة المدرسيه بأمراضها الأخرى، تكون هذه النتيجة المروعة.

لا بد من التأكيد، على إعادة التقييمات جميعها، للمناهج الدراسية والتربوية، في كافة مؤسسات المجتمع، التي ينمو من خلالها الطالب كما ذكرت، في البيت والنادي والمسجد والكنيسة والمدرسة وبناء شخصيته، بناء سليما وتقييم شخصيته، ليس فقط من الناحية التعليمية، بل من جميع نواحي صفاته الشخصية، ثم تطبيق القانون والقصاص، على كل من يمارس العنف، لأن في القصاص حياة وعبرة وردعا، كما جاء في كتاب الله الكريم " ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب " عندها، نستطيع القول اننا بدأنا رحلة التخلص من العنف في مجتمعنا.

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكاركم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net 

مقالات متعلقة