الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 10 / مايو 00:02

بين الايمانيين والعرفانيين/بقلم:كميل فياض

كل العرب
نُشر: 26/05/14 10:51,  حُتلن: 07:55

كميل فياض في مقاله :

تحوِّل المثقف بهذا المستوى بلحظة محرجة الى فريق ( أنصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا ) بالمغزى الجاهلي او تجعله خارجًا عن السرب ومنبوذاً

مواجهة المشاكل السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية تجري عند معظم أبناء مختلف المذاهب على خلفيات عقائدية إيمانية ماضية وساحقة لا تمت لمشاكل الواقع بصلة حقيقية

اولا أسأل: هل يمكن للمرء أن يكون على معتقد معين وعارفا مستنيرا في آن؟  هل يمكن الجمع بين أن يكون المرء تابعا لمذهب ديني معين، وبين ان يكون عارفا متحررا – بالمعنى العرفاني الخالص ؟
ربما يمكن ذلك.. لكن لو أن عارفا ما قيَّد نظرته للوجود وأشرطها بمبادىء المذهب الذي ينتمي اليه تاريخيا وإجتماعيا، سيتصادم مع نفسه عند كل مواجهة سياسية وإجتماعية لمن ينتمون الى مذاهب أخرى مختلفة.. وسيضطر الى أن يختار ويحسم موقفه.. إما لصالح الحقيقة التي تأتي من الكشف العرفاني الخالص – وهي تشمل جميع البشر - وإما لصالح مقتضيات العقيدة التي يعتنقها قومه – وهي تمثل فئة من البشر، عمليا هي إشكالية يواجهها كل مثقف حقيقي بالمعنى المختلف والعام للكلمة، وليس العارف العرفاني حصراً.
 

الاشكالية ليست سهلة، فقد تحوِّل المثقف بهذا المستوى بلحظة محرجة الى فريق ( أنصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا ) بالمغزى الجاهلي، او تجعله خارجًا عن السرب ومنبوذاً.. فهل "التقية والاستتار بالمألوف عند أهله" هي حكمة سياسية لا بد منها في المواقف المحرجة ..؟ على فكرة هي سياسة تستعملها الدول ايضا في الواقع خصوصا الغربية، تحت تسمية أخرى، هي الذرائعية، حيث تتم بها الإتلافات والإختلافات حسب مقتضيات المنفعة الخاصة لتلك الدول، وليس حسب الحق الإنساني العام..
من الواضح ان الإخلاص للجماعة، أحيانا يكون خيانة للحقيقة، بينما ولا مرة يكون الإخلاص للحقيقة خيانة لأحد.. لأن الحقيقة خير للجميع بنفس الدرجة.

وليس فقط للعارفين..من الفروق بين الايمانيين والعرفانيين: اولا وسائل المواجهة للمخالفين والمختلفين .. عند العرفانيين الوسيلة دائما وبكل الأحوال هي الفكر والحب ، ويشكلان معا المعرفة العرفانية .. في حين يستعمل مختلف أبناء المذاهب الدينية مع المختلفين معهم ، التعصب والكراهية والعنف، وهي تشكل معا الجهل والظلامية.. مواجهة العارف للواقع، تنبع من جدلية بين مقتضيات الحدث الراهن، وبين نظرته الوجودية العرفانية الإنسانية العميقة والشاملة.. بينما مواجهة المؤمن المذهبي للحدث الراهن، تدخل فيها مبادىء وعادات ونظرات ومؤثرات تاريخية، قد تعود به لألف سنة او لآلاف السنين.. وهكذا هو لا يواجه المشكلة بحلول منطقية واقعية معظم الأحيان، ونحن شهداء على ذلك فيما يجري في سوريا، مثلا، في الوقت الراهن، وفي العراق ولبنان وفي معظم الدول العربية والاسلامية.

مواجهة المشاكل السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، تجري عند معظم أبناء مختلف المذاهب على خلفيات عقائدية إيمانية ماضية وساحقة، لا تمت لمشاكل الواقع بصلة حقيقية.. انظروا الى تلك الفئات (الجهادية) لباسها مظهرها الفاظها مصطلحاتها شعاراتها احكامها، حتى بعض أدوات قتالها، من الماضي السحيق.. والعرفانية التجاوزية التي نتحدث عنها ونحاول شرحها بالأمثلة قدر المستطاع ، هي تحرير للعقل من المضامين والمربعات الدينية والمذهبية وسواها ، التي تنشأ داخلها الذهنية والنفسية المنطوية على مكنة التعصب والكراهية والعنف ضد المختلفين.. فكم أرجو أن يتبنى هذا التوجه وهذا النهج كل من يعد نفسه إنسانا ومثقفا، بين جميع الفئات والأقوام.

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net


 

مقالات متعلقة