الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الثلاثاء 23 / أبريل 13:02

ليس المالكي المطلوب تغييره /بقلم:خير الله خير الله

كل العرب
نُشر: 30/07/14 08:25,  حُتلن: 08:29

 خير الله خير الله في مقاله:

التغيير الذي يحتاج إليه العراق هو تغيير في الذهنية فالبلد مليء بالشخصيات التي تمتلك كفاءات عالية بل مذهلة

يظهر جليّا أنّ خطر التقسيم يلوح في العراق صار هذا الإحتمال أقرب إلى الواقع ما دام لا تفكير حقيقيا في البحث عن رئيس للوزراء من طينة مختلفة

تبدو الاستعاضة عن المالكي عن طريق الإتيان بشخص قريب منه للحلول مكانه مثل حلول ديمتري ميدفيديف مكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لولاية واحدة

في ظل الظروف الصعبة التي يعيشها العراق والتدهور اليومي للأوضاع فيه، صار في الإمكان التساؤل بكل راحة ضمير هل بين العراقيين من يسعى إلى تفادي تقسيم البلد؟ ربّما كان الأكراد الذين يهددون بالانفصال وحقّ تقرير المصير أكثر الحريصين على ما بقي من الكيان العراقي الموحّد الذي عرفناه منذ عشرينات القرن الماضي. فالأكراد دقّوا في نهاية المطاف ناقوس الخطر وقالوا بصراحة أنّ هناك وضعا لا يمكن أن يستمرّ.
يبدو الدليل على انعدام الحرص لدى القوى النافذة على وحدة العراق، غياب الرغبة في تشكيل حكومة يلتفّ حولها معظم العراقيين من كلّ الطوائف والمذاهب والقوميّات والمناطق. مثل هذه الحكومة يمكن أن تشكّل نقطة البداية في حال كانت هناك رغبة ما في تجاوز الوضع الراهن والتعلّم من تجارب مرحلة ما بعد سقوط نظام صدّام حسين العائلي ـ البعثي الذي لعب دورا في تمزيق نسيج المجتمع العراقي.
مشكلة العراق ليست في حكومة نوري المالكي وشخص نوري المالكي وشبقه إلى السلطة، وهو شبق يمثّل خطرا على مستقبل البلد ووحدة أراضيه. المشكلة في نموذج معيّن من الشخصيات العراقية يرمز إليها المالكي. إنّها شخصيات تضع الولاء المذهبي فوق كلّ ما عداه. ولذلك، لا معنى للإتيان بشخصية أخرى من طينة المالكي لتحلّ مكانه. الإتيان بمثل هذه الشخصية التي تنتمي إلى لائحة «دولة القانون»، وما شابهها، ليس كافيا. مثل هذا الخيار يجعل المشكلة العراقية تراوح مكانها ويمهّد لتفتيت البلد أكثر وظهور أكثر من «داعش» آخر.
تبدو الاستعاضة عن المالكي عن طريق الإتيان بشخص قريب منه للحلول مكانه مثل حلول ديمتري ميدفيديف مكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لولاية واحدة. ما لبث أن عاد بوتين إلى الرئاسة بعدما تبيّن أن النهج الذي تسير عليه روسيا لم يتغيّر أكان بوتين رئيسا للدولة أو رئيسا للوزراء. الموضوع ليس موضوع شخص معيّن مطلوب استبعاده في العراق. ما المطلوب استبعاده نهائيا هو نهج بحد ذاته وذهنية محدّدة تتحكّمان بالبلد الذي ارادت الولايات المتحدة أن تجعل منه نموذجا ديموقراطيا تحتذي به دول المنطقة!
كان تسهيل انتخاب رئيس لمجلس النوّاب العراقي من الطائفة السنّية، تبيّن لاحقا أنّه من الإخوان المسلمين وأنّه اسير مجموعة المالكي، خطوة في اتجاه تمكين الأخير من البقاء في موقع رئيس الوزراء. كذلك الأمر بالنسبة إلى انتخاب رئيس للجمهورية من الأكراد. نجح الأكراد في الاتفاق على السيد فؤاد معصوم، وهو شخصية محترمة، ليكون رئيسا للجمهورية خلفا لشخصية تاريخية هي جلال طالباني.
كان لافتاً أن الأكراد رفضوا الدخول في مساومات من أيّ نوع في شأن الرئاسة تستهدف ايجاد خلافات في ما بينهم. اتفقوا على مرشح وفرضوه من منطلق أنّ هناك اتفاقا ضمنيا على من يتوّلى موقع رئيس الجمهورية.
على طريق تفتيت العراق، بدأ صدّام حسين حكمه في 1979 بإزاحة أحمد حسن البكر من رئاسة الجمهورية واعدام مجموعة من رفاقه البعثيين كي يؤكّد أن العراق صار ملكا لشخص واحد. خاض حربا مع ايران استمرّث ثماني سنوات استنفدت موارد العراق ودول المنطقة وفرضت عليها التقّرب أكثر من القوى الكبرى في مقدّمها الولايات المتّحدة. بدأ تلك الحرب غير مدرك طبيعة المجتمع الإيراني الذي هو قبل أي شيء آخر فخور بحضارته الفارسية ومتعصّب لها...
انتهى صدّام من الحرب مع ايران ليدخل مغامرة الكويت التي تسبّبت عمليا في نهاية نظامه.
في كلّ وقت كان صدّام حسين يمارس السلطة من دون هوادة. لا مكان لديه لمعارض. ما يمارسه نوري المالكي، الذي جاء إلى السلطة في ظروف معروفة، لا يشبه سوى ممارسات صدّام، مع فارق أنّ الأكراد الذين عرفوا كيف يحصّنون منطقتهم، رفضوا الانصياع له وقرّروا اختيار طريق خاص بهم.
يتميّز صدّام حسين عن المالكي بأنّه لم يكن طائفيا أو مذهبيا. لم يفرّق في القمع الذي لجأ إليه بين سنّي وشيعي وعربي وكردي. هناك أمر آخر يجعل من صدّام حسين مختلفا عن نوري المالكي. هذا الأمر هو رفض التبعية لأيّ قوة خارجية. فرئيس الوزراء العراقي الحالي وضع كل بيضه في سلّة واحدة هي السلّة الإيرانية، في حين امتنع صدّام عن الذهاب بعيدا في علاقته مع الأميركيين، حتّى عندما كان في أمسّ الحاجة إليهم. أما السوفيات، فكانوا حذرين منه في كلّ وقت، على الرغم من معاهدة الصداقة بين بغداد وموسكو الموقّعة في العام 1972.
ليس منطقيا أنّ يقتصر التغيير على شخص المالكي في بلد يحكمه عمليا رئيس الوزراء. التغيير الذي يحتاج إليه العراق هو تغيير في الذهنية. فالبلد مليء بالشخصيات التي تمتلك كفاءات عالية، بل مذهلة. إنّها الشخصيات، التي ترفض أن تكون رهينة لدى الميليشيات المذهبية والسياسة الإيرانية، والتي كان يمكن أن تقود التغيير الذي يحافظ على نوع من الوحدة في البلد.
الخوف، في ظلّ الشرخ المذهبي الذي ظهر جليا بعد سقوط المحافظات السنّية وما حلّ بمدينة الموصل، أن يكون هذا الكلام من النوع الذي تجاوزته الأحداث،خصوصا في ظل الاستخدام المتواصل للبراميل المتفجّرة من أجل إخضاع أهل السنّة في العراق. ما حصل في المحافظات ذات الأكثرية السنّية يتجاوز تنظيما إرهابيا متخلّفا في الوقت ذاته مثل «داعش». ما حدث كان ثورة حقيقية تعبّر عن توق العراقيين إلى نظام مختلف يخرجهم من أسر التفكير المذهبي لنوري المالكي والمنتمين إلى مدرسته.
بكلام أوضح، ما حدث كان تعبيرا عن رفض العراقيين عموما نهجا وذهنية محددين يضعان المذهبية فوق أيّ اعتبار آخر بدل المناداة بـ«العراق أوّلا».
يظهر جليّا أنّ خطر التقسيم يلوح في العراق. صار هذا الإحتمال أقرب إلى الواقع ما دام لا تفكير حقيقيا في البحث عن رئيس للوزراء من طينة مختلفة. مثل هذه الشخصية لرئيس الوزراء المختلف يمكن أن تمهّد لمؤتمر وطني يبحث عن حلول بدءا بصياغة دستور جديد لبلد في حاجة أكثر من أيّ شيء إلى التخلص من آفة المذهبية والتبعية لإيران... وليس من المالكي وحده ومن المحيطين به الذين باتت اسماؤهم معروفة جيّدا من العراقيين.

نقلاً عن "الراي" الكويتية

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net


مقالات متعلقة