الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 26 / أبريل 06:02

إلى روحك الطاهرة يا أخي سميح/ بقلم: سيادة المطران بطرس المعلم

كل العرب
نُشر: 21/08/14 12:26,  حُتلن: 12:39

سيادة المطران بطرس معلم في مقاله:

تُهديني محبتك يا سميح  فأستشفُّ وأتنشّق فيها محبة المسيح

سنحلم بالحرية والسلام والإبداع سنحلم بالإنسان وبالإنسان الكائن فينا وللإنسان القائم حولنا

هل كنتَ تتنبّا يا أخي سميح؟ هل كنتَ تستشعر أن مدى ما بقي لك من العمر بات أمرًا مقضيًّا؟ ولكن بمَ ستحلم يا صديقي؟

ما أروعَ وأبرعَ قلمك يا أخي وما أرهف ذوقك وشعورك: خالفتَ في البدء بين كلمات الوحي والساعة وها أنتَ تُخالف في النهاية بين أحرف المسيح وسميح

أنت اليوم يا أخي وصديقي ورفيق فكري وقلبي يا أبا وطن محمد أنتَ اليومَ توضَع في القبر أي أنك تنزل في العمق لتتجذر أكثر في تراب الأرض التي أحببتَها وأحبتك أنتَ طبعًا لا تخاف الموت فقد تحدّيتَه وبصقتَها في وجهه

يريد البعض أن يدفنوا مع جسدك النحيف فكرَك وقلبك الوردة وقصائدك فشروا وخسئوا يظنون انهم يختمون عليك القبر إلى الأبد فشروا وخسئوا ألم يعلموا أن الحجر قد دُحرِج عن باب القبر وأن أجراس القيامة قد دقَّت؟ في الضريح وفي عالم الروح

لا على عنوانك في الرامة، ولا على عنوانِ توأمِ نفسِك في رام الله، أرسلُ بريدي إليك، بل إلى الله الذي يجمع بينهما، إلى الله حيث روحك تستريح. كثيرون ولا شكّ سيكتبون عنك اليوم وكثيرون سيتكلمون، ولكن مهما كثر فيك القول أو الكتابة، فهو قليل قليل عندما ينزل الفارس عن صهوة الحصان. ولكن في هذا الكمّ الكبير، وخشيةَ الإعادة أو تكرارِ ما قد يقوله غيري، إسمَح لي بزاويةٍ صغيرة متواضعة لن يتطرق إليها بالتأكيد آخَر.

تفضّلتَ يومًأ فكتبتَ المقدمة لكتابي "من وحي الساعة"، ولكنك تلطفتَ يومها فعكستَ الكلمات، لترى أنه بالحريّ. "من ساعة الوحي"، وذلك شرفٌ لم أطمح لمثله. هناك، في الكتاب وفي المقدمة، التقَت وتعانقَت وتآخَت روحانا. وفي المقدمة كشفتَ لي سرًّا قلّما اطّلعَ عليه أحد. تقول إنك تعرّفتَ قبل عقود إلى أحد أسلافي، المثلث الرحمة المطران يوسف ريّا، وكانت بينكما ألفةٌ وصداقة. وتساءلَ يومًا أمامك: ألن يكون أمرًا استثنائيًا أن نؤلّف معًا كتابًا بعنوان: " الله، بين مطران كاثوليكي وشاعر علماني" ؟  وتقول: "تحمستُ للفكرة، واتفقنا عل إنجازها. وبعد أسابيع دَفعَ إليَّ المطران ريّا بالفصل الأول مكتوبًا بالإنكليزية، وقال، متحدّيًا بروحِ دعابته المعروفة: "يالله فرجينا شطارتك واكتُب الفصل الثاني". وأردتُ أن "أفرجيه شطارتي". لكن أجهزة "الأمن" الإسرائيلية كانت هي "الأشطر" - لا سمحَ الله. فبعد أيام اقتحمَت شقّتي في حيفا، واعتقلَتني، وصادرَت بعض الكتب والصحف والأوراق، وبينها الفصل الأول من الكتاب الموعود "الله، بين مطران كاثوليكي وشاعر علماني"، ولم تُعَدْ إليَّ "أشيائي" المصادَرة، حتى يومنا هذا".

وفي تعليقك على بعض مقالات كتابي تقول في المقدمة: "إن المعاني الإنسانية الكونية المبثوثة بغزارة وبكرَمٍ في سطور هذا الكتاب الراقي والجميل والممتع حقًا، إنها تصلح مادّةً أوّلية، وخطوطًا عريضة، ومناخًا إبداعيًّا إنسانيًّا مُدهشًا، لعملٍ شعريٍّ كبير، في متناوَلِ أيِّ شاعر. وإذا تحقّقَت لي شخصيًّا الحالةُ الروحيّةُ والجسديّة المؤاتية لهكذا عمل، فلا ريبَ لديًّ في أنني سأكون على قَدَرٍ من السعادة المبرَّرة. ولن أكلّف أحدًا غير أخي وصديقي سيادة المطران بطرس المعلم، بكتابة المقدمة...هل يتحقق هذا الحلم، أم إنه محكومٌ سلفًا بالتشتت...أسوة بأخيه الحلم القديم، حلم الكتاب عن "الله، بين مطران كاثولبكي وشاعر علماني"؟ وتتابع : "لا بأس. لنا نحن أن نحلم. وإذا كانت الأعمار بيد الله، فإن الأحلام هي الأخرى بيد الله. وإلى أن يقضي الله أمرُا كان مفعولُا، فسنحلم".

هل كنتَ تتنبّا يا أخي سميح؟ هل كنتَ تستشعر أن مدى ما بقي لك من العمر بات أمرًا مقضيًّا ؟ ولكن بمَ ستحلم يا صديقي؟ - "سنحلم بالحرية والسلام والإبداع، سنحلم بالإنسان، بالإنسان الكائن فينا، وللإنسان القائم حولنا إلى ما شاء الله..." أحلامٌ يا سميح أم أوهام؟ الإنسان؟ وأين هوالإنسان؟ أتذكر في العصور أمثالَ نيرون وأتيلا وهولاكو وتيمورلنك؟ أليس هؤلاء السفّاحون هم في الواقع أقزامًا صغارًا أمام عمالقة السفّاحين العصريين؟ الإنسان؟! في الزمن الرديء الذي وصلنا إليه، يُهان الإنسان وتُداس حريته، وتُسحَق إرادته وكرامته، بل هو يُذبَح ذبحًا، ويُعرَض على الشاشات قطعُ رأسه وأكلُ قلبه ومضغُ كبده. هي المَحق والإبادة، إبادة الأفراد والجماعات والشعوب، هي مسح التاريخ والتراث وحضاراتِ مئات القرون. والأنكى أنهم يقولون لك ويفاخرون أنهم إنما باسم الله وسُنَنه وحدوده يفعلون. فمَن هو هذا "الله" الذي باسمه يقتلون الإنسان والإنسانية؟ بالتأكيد ليس هو مَن نويتَ يومًا أن تكتب عنه مع سلَفي المرحوم المطران ريا. ولكن ماذا عن الحلم الآخر، عن "العمل الشعري الكبير" الذي وعدتَ نفسك بقَدَرٍ كبير من السعادة في تحقيقه، ووعدتُ نفسي أن أكتب له المقدمة ردًّا لجميل مقدمتك؟ لقد كان الوعد مشروطًا من قِبَلِك "بالحالة الجسدية المؤاتية لهكذا عمل"، فهل كان الحَدْس، هنا أيضًا، يدُلّك سلفًا على أن تلك الحالة لن تتحقق؟ وأنك ستغادرنا يا أخي وترحل، ناقلا معك إلى العالَم الآخَر كلا الحُلمين في الكتابة عن "الله" وعن "الإنسان"، "مع مطران كاثوليكي وشاعر علماني"؟

وتُنهي مقدمتك بالقول: "نحلم ونكتب، من وحي الساعة وفي ساعة الوحي، ولنا الله يا أخي الطيّب وصديقي العزيز، يا سيادة المطران بطرس المعلم. وأَنعِم وأكرِم بالقدوة الباهرة والسيرة الطاهرة، معلّم الأنام ورسول السلام، السيد المسيح. - مع محبة أخيك سميح".
ما أروعَ وأبرعَ قلمك يا أخي، وما أرهف ذوقك وشعورك: خالفتَ في البدء بين كلمات الوحي والساعة، وها أنتَ تُخالف في النهاية بين أحرف المسيح وسميح. تُهديني محبتك يا سميح ، فأستشفُّ وأتنشّق فيها محبة المسيح. وأبادلك التحية بمثلها، قبلةً حارّة ترافقك إلى العالَم الآخَر، وتبقى جسرَ ترابطٍ وتواصل بين العالمَين. أليس هذا هو حقَا السِّفر الجميل الرائع، سِفر المحبة، الذي طال ما حلمنا أن نكتبه معًا؟ لم نتمكن من رؤيته ناجزًا على رفٍّ في مكتبة، ولكننا سنواصل كتابته معًا في ما هو أنقى من الحبر والورق، وأبقى من كَرِّ الأيام والسنين. أنت اليوم يا أخي وصديقي ورفيق فكري وقلبي، يا أبا وطن محمد، أنتَ اليومَ توضَع في القبر، أي أنك تنزل في العمق، لتتجذر أكثر في تراب الأرض التي أحببتَها وأحبتك. أنتَ طبعًا لا تخاف الموت، فقد تحدّيتَه وبصقتَها في وجهه. يريد البعض أن يدفنوا مع جسدك النحيف فكرَك وقلبك الوردة وقصائدك. فشروا وخسئوا. يظنون انهم يختمون عليك القبر إلى الأبد. فشروا وخسئوا. ألم يعلموا أن الحجر قد دُحرِج عن باب القبر، وأن أجراس القيامة قد دقَّت ؟ في الضريح وفي عالم الروح، لك الوفاء والصداقة والمحبة يا أخي سميح. 

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net

مقالات متعلقة