الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الأحد 19 / مايو 00:02

قصة نجاحٌ ملطخٌ بالدم/ بقلم: هدى ناصر

كل العرب
نُشر: 23/08/14 21:00,  حُتلن: 08:36

شمس الظهيرة تلسع، تضع بُنًا على الجروح ...

الطفولة تنتحب وصدى عويلها يرتطم بحائط من البرود الفولاذي ...

انين الثكالى مكتوم باطنان من الاسمنت والصمت !

اشلاء من اجساد مبعثرة ، دموع رجال تنهمر تجري مع سيولٍ حمراء متدفقة .

يمضغ التاريخ فصولا تتكرر ، تهطل السماء صواريخا تشق عباءات الغيم ترتعش وتُزلزل لها الارض .

على وقع معزوفة الانفجارات اللامتناهية وعلى كومة من الركام المتناثر،

جلس يراقب اطفالا يلهون ، يتلهون عما يدور حولهم .

إن ترقب وانتظار ظهور نتائج سنين من التعب والدراسة ، يقلقه يرعبه وكلما مضى الوقت انقلب يتيه في ظلام غمامة من القلق المهشم بالخوف ، انه يخاف ، يخاف ان يفشل ، ان لا يحصل على العلامة الذي يريدها لدخول الجامعة.

رمى قلقه في بئر وبنى قصورا من الاحلام ، ان ما لديه الان هو الحلم ، سيسجل في جامعة غزة ويتعلم الموضوع الذي لطالما سحره ، الهندسة المعمارية ، سيتخرج ويعمل ، سيطلب من امه تزويجه ابنة عمه ليلى و سيسكن و امه وليلى في بيت افضل يليق بهم يعيد لعائلته بعضا من مجدها الضائع منذ حرب 2009 .

سكر تاه توغل في اروقة من اللذة والمتعة ، لذة التخيل ومتعة الحلم .

قُذفت صور الدمار من حوله الى عينيه واطفأت جذوة الفرحة شعر بغصة تخنق فكره الجامح ، شعر بيد تمسك احلامه وتكسرها على جدران روحه ، جال نظره في الارجاء ان غزة تحت نيران من لا يرحم ، بيوت الحارة اغلبها مهدم انقاض ورفات ،ابرياء يقتلون كل يوم ، تهدم بيوت على ساكنيها ، تراق الدماء بغزارة ، تساءل متى ستنهض غزة من جديد من وسط الحطام الهستيري .

تعجب من صمود الجميع حتى هو ، انه الهجوم الثالث منذ بدء الحصار ، تساءل تُرى أأصبحت المآسي والعدوان اللا انساني للناس هنا كانقطاع الكهرباء والماء ؟!

انه يشعر ان الصبر والصمود متغلغل في عروقه ، يسري ابا عن جد ، منذ نكبة 48 ونزوحهم الى غزة وغدة الصبر تنتج هرموناتها السارية الى اليوم مضادة للنكبات .

سأم الانتظار ، قام ، نفض غبارا التصق ، صعد الدرج المهترئ القديم ، فتح باب الشقة طالعه وجه امه المحفورة قسماته اخاديدا من الحزن متسائلا :

- هل خرجت النتائج ؟
- جئت لأسألكِ ان اتصل احد من رفاقي
- كلا لم يتصل احد
جر قدميه وهوى على كنبة مهترئة ايضا كل شئ اصبح مهترئ وبال منذ تلك السنة ،

منذ ال 2009 استشهد ابوه مع الف اخرين في حرب باردة ضد الانسانية قصف بيتهم ... نجا هو وامه ، كانت امه عند جارة تواسيها وهو يلعب بالحارة ، قصف بيت عمه ايضا قتل جميع افراد اسرة عمه الا ليلى لم يكن لها من احد و من يومها عاشت معهم في هذه الشقة القديمة الناجية من القصف لم يكن يتجاوز من العمر الثانية عشرة وقتها وحملت امه لوحدها عبئه وعبئ ابنة عمه.

نظر في ساعته انها الساعة السادسة الا خمس دقائق لقد مل، سأم ، انتشر القلق من جديد بعد ترقب طال ، امتزج ضجيج الترقب و القلق بهدير الطائرات منزلة صاروخا قاضيا عليهم قصف العمارة على ساكنيها .

الساعة السادسة تظهر النتائج واسمه يتصدر قائمة الناجحين .

صراخ ابواق الاسعاف تملأ المكان المعفر بالغبار والمعطر بالدماء الطازجة الساخنة .

تنتشل جثة شاب يسبح فيها الدم ، دم احمر قانٍ .

يتكسر ضوء البدر الباهر بسطوع صاروخ منفجر ، هادما بيتا ،محطما احلاما ، ممزقا بشرا .

تنتشر رائحة النجاح ، تلعلع لها الزغاريد ، ترتسم الفرحة وتمتزج بالدموع وهناك في الجهة الاخرى نجاح يقبر ويوارى الثرى، نجاح لطخ بالدم .

الطيرة 

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكاركم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net

مقالات متعلقة