الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الثلاثاء 23 / أبريل 06:02

التصريحات السياسية تحت مطرقة المكاسب ومجهر الاعلام /بقلم:بلال شلاعطة

كل العرب
نُشر: 29/08/14 08:16,  حُتلن: 08:20

بلال شلاعطة في مقاله:

التصريحات السياسية اصبحت ملكاً للجميع حتى انها خرجت من الحيز الخاص للسياسي واصبحت ضمن الحيز العام للمواطنين

صورة النص الاعلامي الكاملة والتي تدمج الصوت والصورة والحركة لا زالت هي التي تجذب المواطن لأنها تعطي في النهاية ما تفتقره شبكات التواصل الاجتماعي عندما تكون عملية الرصد الاعلامي واضحة للجمهور

 شبكات التواصل الاجتماعي تخيف السياسيين لان مجهر الاعلام لا زال رائدا في مجاله يستطيع ان يرصد تحركات السياسي من كل موقع وبالتالي ينظر السياسي الى اليمين والى الشمال فلا يجد غير المنصة الاعلامية للخروج والتصريح بشكل واضح للمواطنين

في عصر العولمة الكل مباح ومشاع واكثر ما يدل على ذلك التصريحات المتتالية عبر شبكات الاتصال والتواصل الاجتماعي، فلا تمر دقيقة الا وتكتشف تصريحاً هنا أو هناك. لو جمعنا جميع هذه التصريحات وترجمناها الى واقع عملي لوجدنا ان مجتمعنا في احسن حال، لكن الواقع مغاير تماماً. بمعنى ان التصريح الاعلامي يرتكز اكثر ما يرتكز على الحفاظ على الوضع الراهن سواء سياسياً او اجتماعياً او حتى شعبياً.

للتوضيح أكثر، إذا رجعنا عقداً من الزمن نجد ان معظم التصريحات الاعلامية كان لها وسيلة واحدة او وسيلتان على اكثر اختيار وهي الصحافة المكتوبة والتي كانت تصدر اسبوعياً مما اعطى للتصريح الاعلامي الصحفي بعداً آخر، وساعدت بذلك احياناً وسائل الاعلام المسموعة في اسماع التصريح الاعلامي او الصحفي. بمعنى ان عملية مراقبة التصريح ومتابعته كانت سهلة وحتى كنت اقول واقعية وذات وقع، لان الجمهور كان يطلبها او ينتظرها او حتى كان يتحداها من خلال ردود افعاله في الاسبوع الذي يلي اصدار التصريح. اما الآن فالأمر تماماً، في نفس اليوم تجد كمّاً هائلاً من التصريحات للسياسيين والقيادة السياسية حتى صرت تشعر ان العالم بخير وان هنالك ديناميكية في العمل السياسي تعمل بامتياز وتحت ارفع درجات الدقة. من هذا الباب وجب تحديد وتوضيح الامور، التصريحات السياسية اصبحت ملكاً للجميع حتى انها خرجت من الحيز الخاص للسياسي واصبحت ضمن الحيز العام للمواطنين، فكل مواطن يستطيع ان يصرح او يصدر بياناً عبر شبكات التواصل الاجتماعي، واذا كان السياسي رائعاً في تصريحه ستجد المواطن يتربص له من النافذة الاخرى ليقول له "الى اين انت ذاهب؟ نحن هنا".

وهنا تشكل عالمان من التصريحات، تصريحات السياسي من جهة وتصريحات المواطن والذي لبس عباءة السياسي من جهة اخرى، ويحدث توتر في وضوح المضمون والنص على حد سواء. اذا كانت قناعة السياسي انه يرمي الى ايصال هدف فإن كثرة تصريحات المواطنين وبياناتهم لن تتيح له أن يفلح في ذلك. والامر الرائع عبر شبكات التواصل الاجتماعي في هذا الخصوص بالتحديد انها اوجدت نهجاً يخافه السياسي واصبح يرتاب منه وهو تصريح لناشط معين قد يكسر او يحطم ما بنى عليه السياسي، مما يعني ان التصريح السياسي بحد ذاته اذا لم يكن مقروناً بأمور عملية جوهرية ونوعية يلمسها المواطن في الحقل حينها سيفرغ من مضمونه في حالة تعاقب البيانات الاعلامية للمواطنين. قوانين لعبة التصريحات الاعلامية والسياسية قد تغيرت، فالمواطن يستطيع ان يصرح ضمن مفهوم ابداء الراي، في حين ان السياسي لا يستطيع ان يصرح فقط ضمن مفهوم ابداء الراي ولكن عليه ان يجتهد اكثر في اظهار مدلولات اكثر عمقاً واقناعاً للمواطنين. من هذا الباب وجب القول ان التصريحات التاريخية السياسية ضمن السياق الاعلامي المعروف والمنفصل عن شبكات التواصل الاجتماعي كانت وسيلة سهلة للسياسيين، في حين ان الطريق شائكة وصعبة في هذه الفترات والتي من خلالها يستطيع المواطن ان يعقب او ان يطرح رايه على صفحة السياسي دون حواجز. عملية الغزل التي تحدث بين المواطن من جهة والسياسي من جهة أخرى في شبكات التواصل الاجتماعي هو غزل صوري آني وحالي ولكنه لا يستطيع ان يموه أو يضلل الصورة الاعلامية الحقيقية والتي تعتمد على ما يجيء او يخرج من وسائل الاعلام المتبعة.

صورة النص الاعلامي الكاملة والتي تدمج الصوت والصورة والحركة لا زالت هي التي تجذب المواطن لأنها تعطي في النهاية ما تفتقره شبكات التواصل الاجتماعي عندما تكون عملية الرصد الاعلامي واضحة للجمهور. لا شك ان التصريحات السياسية والتي تعتمد على الحصول على مكاسب سياسية هي شرعية في قالب "علم السياسية" ولكن في قالب علم السياسة دائما كان ولا زال هنالك منظومة للمراقبة والمتابعة لكل ما يصدر من السياسي، وها نحن نلمحها في شبكات التواصل الاجتماعي. ما اطرحه هنا يوصلني الى نتيجة ان شبكات التواصل الاجتماعي لم تقرّب طرح السياسي للمواطنين، على العكس تماماً فالتعقيبات التي تصدر على صفحة السياسي همّشت من جوهر التصريح الاعلامي، لا سيما اذا كان عدد المعقبين كبيراً من على صفحة السياسي. مما يعني بالتالي ان السياسي لا يستطيع التنازل عن وسائل الاعلام المعروفة لإيصال رسالته اكثر وضوحاً وترتيباً في عهد العولمة وكسر قواعد وقوانين اللعبة السياسية. معظم ما يصدر في وسائل الاعلام من تصريحات سياسية وحساسة يتم ادراجها في شبكات التواصل الاجتماعي ولكن قليلة هي المضامين "الفيسبوكية" التي تتصدر وسائل الاعلام الا اذا كان التصريح يحمل ضجة كبيرة اثارت الصوت الشعبي. لا شك ايضا ان شبكات التواصل الاجتماعي تخيف السياسيين لان مجهر الاعلام لا زال رائدا في مجاله يستطيع ان يرصد تحركات السياسي من كل موقع، وبالتالي ينظر السياسي الى اليمين والى الشمال فلا يجد غير المنصة الاعلامية للخروج والتصريح بشكل واضح للمواطنين. هذا هو الجانب الايجابي لشبكات التواصل الاجتماعي انها كسرت حاجز توجه المواطنين الى السياسي من جهة وعملت على تقليص المكاسب السياسية في سياق المراقبة من جهة أخرى ولكن بلبلت كل قواعد التصريحات السياسية التي عهدها الجمهور في الماضي. وهنا لا بد من نتيجة تقول ان الحصول على مكاسب سياسية هو شرعي، واصدار البيانات عبر شبكات التواصل الاجتماعي هو شرعي، وتدخل المواطن في مضمون النص للسياسي هو شرعي، إلا أن هذه الجزئيات تبقى تحت مجهر الرصد الاعلامي صاحبة قواعد وقوانين لم تتغير على مدار عقود من الزمن.

الكاتب: إعلامي وعامل اجتماعي جماهيري ومختص في الادارة العامة

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net


مقالات متعلقة