الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 28 / مارس 20:02

هل نحن منغمسون بثقافة العنف؟!!/ بقلم: عمر مصالحة

كل العرب
نُشر: 30/08/14 07:54,  حُتلن: 11:10

عمر مصالحة في مقاله:

المجتمع المعاصر يحاول من خلال ثقافة العولمة فَرْضَ قيم مصطنعة مسبقة الصنع لكي يكتسب الإنسان معنًى لحياته

العدوان الخارجي ليس مسوِّغًا لثقافة العنف بل إن ثقافة العنف داخل المجتمع هي تأسيس للهزيمة أمام العدوان الخارجي

العنف في مجتمعنا ينشأ في الأسرة فالأم الجاهلة بأوليات التربية المقهورة أصلاً بالعنف التاريخي الواقع عليها منذ الولادة لن تستطيع أن تكون إلا حاضنة لثقافة العنف

أصبح العنف أمراً طبيعياً، بل بديهياً في حياتنا. فيطرح السؤال:هل اصبح العنف والقتل جزء من حياتنا، الى درجة انه بات مركباً من مركبات ثقافتنا وفكراً متجذراً في وجداننا، نحاول جاهدين كبته بدون قدرة على ذلك؟ أم هو مرحلة زمنية تأتينا من حيث لا ندري، من حين لآخر؟

تتضارب الآراءُ حول أصول العنف، هنالك من يدعي ان العنف هو غريزة أمثال الباحث النفسي (لورنتس) وبين القائلين بأنه صفة مكتسبة أمثال (سكينِّر). وتعود جذور هاتين النظريتين إلى الخلاف بين المنظِّرين والعلماء منذ عصر النهضة، ثم إلى الخلاف بين المناهج التقدمية، التي كانت تقول إن "الرذيلة" نتاج للظروف الاجتماعية، وبين المناهج المحافظة، التي حاولت أن تثبت أن التنافس بين البشر يعود إلى غريزة متأصِّلة لصالح وجود العنف في أعماقهم. يتفق علماء النفس على أن الدوافع المكوِّنة للشخصية المنفتحة ترتكز إلى عامل الحرية وتحقيق الذات أساسًا.

وتتفق التجارب في مجال علم النفس على أن الإحباط والقهر وقمع الحرية هو الأساس في العدوانية والعنف، في حين لا تلعب العوامل الغريزية، مثل الشبع من الطعام والجنس، إلا حيزًا ضئيلاً جدًّا من وعي الإنسان المعاصر ودوافعه العنيفة. وتتأثر هذه الدوافع بالثقافة، فتحرِّضها هذه وتوجِّهها توجيهًا سليمًا أو مرضيًّا.

يحاول المجتمع المعاصر من خلال ثقافة العولمة فَرْضَ قيم مصطنعة، مسبقة الصنع، لكي يكتسب الإنسان معنًى لحياته: على الإنسان أن يكسب الكثير، وأن ينجح، وأن يستهلك التطورات المعاصرة، ضمن الأُطُر التي يفرضها الاندماج الاجتماعي. وسواء نجح أو فشل، سرعان ما يقع في الإحباط، ليكتشف أنه افتقد حريته، دون أن يحقق أيَّ مغزًى حقيقيٍّ، فيفقد دوافعه العاطفية، فيظهر لديه شعور عميق بالقهر والملل، يتجلَّى في ميل شديد نحو العنف والتدمير.

يتفق الباحثون أن العنف الاجتماعي يتخذ أشكالاً متنوعة، مباشرة وغير مباشرة، خفية ومعلنة. لكن ما أريد قوله، هو أن العدوان الخارجي ليس مسوِّغًا لثقافة العنف؛ بل إن ثقافة العنف داخل المجتمع هي تأسيس للهزيمة أمام العدوان الخارجي. فلقد حان الوقت كي نتنبه إلى أن التنمية ليست مجرد تنمية للأرقام، بل هي، أولاً وأخيرًا، تنمية للإنسان.

ينشأ العنف في مجتمعنا في الأسرة، فالأم الجاهلة بأوليات التربية، المقهورة أصلاً بالعنف التاريخي الواقع عليها منذ الولادة، لن تستطيع أن تكون إلا حاضنة لثقافة العنف. إنها تشترك مع الأب في نقل ذلك لأولادها. فالوالدان لا يجيبان عن أسئلة الطفل، بل يُغرقونه في التخويف والكذب؛ يكذبون عليه حتى لا يشرحوا له ليغطوا جهلهم. إنهم يخيفونه، ولا يتورعون عن تهديده ليل نهار. فبين قدسية الأبوة وحرمة الأمومة يسقط الطفل تحت وابل الأوامر والنواهى، فينشأ لديه نظامٌ لمفاهيم الحياة قائمٌ على التسلُّط والعنف والاعتباط.

تترعرع ثقافة العنف من خلال الضغوط الاقتصادية والاجتماعية، فإن هذه الضغوط تولِّد الإحباط، فالشخص الذي يمارس العنف يقيم علاقته مع الآخر على كذب كبير مغلَّفٍ بالقيم الكبرى، فيردُّ عليه الآخرون بكذب مضادٍّ، مشبع بالشعارات وبالنفاق: كذب في الحياة، كذب في الزواج، كذب في الصداقة، كذب في ادِّعاء القيم، كذب في الرجولة، كذب في المعرفة، وكذب في الإيمان والتجارة والسياسية. علاقات زائفة، ضلالية، لا حوار فيها، كلها عنف وعنف مضاد، وكذب وكذب مضاد، ليتحوَّل العالم إلى زيف يلعب كلَّه لعبة العنف.

دبورية

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net

مقالات متعلقة