الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 25 / أبريل 23:01

القافلة ستتابع المسير/ بقلم: محمد برغال

كل العرب
نُشر: 11/09/14 09:10,  حُتلن: 08:24

محمد برغال في مقاله:

شباب وشابات تجاوزوا احزابهم وقياداتهم الوطنية في عطائهم النضالي وفي أقدامهم

خطة نتنياهو الإقتصادية اي تحويل القضية الفلسطينية الى قضية مطالب اقتصادية ليس إلا قد حققت بعض النجاحات الخطيرة

التراجع الاسرائيلي والانتصارات للمقاومة هي التي ستعيد الأمل في استرداد الكرامة ونفض غبار الذل والمهانة اليومية والظلم

بعد الانتصار في غزة سيصبح كل من يراهن على غير ذاك الفكر المقاوم خاسر لا محالة وسيكسب كل من يدعمه ويندمج به ويتبناه بكل إخلاص لقضيته ألعادلة فلسطين

لقد أثبت العدوان على غزة أن غالبية أنظمة الحكم العربية اما متخاذلة او متآمرة على الشعب الفلسطيني وقضيته لدرجة جعلت نتنياهو يجد "بتبلور تحالفات حقيقية مساندة لإسرائيل في المنطقة "ما يعزّيه ويعوّضه عن خيبته وخيبة جيشه في الميدان. لقد ثبتت بكل أسف تلك الحقيقة وثبت أيضا أن تلك الأنظمة قد نجحت ايضا في تحييد جماهيرنا العربية عن أداء دورها المساند للقضية الفلسطينية وللشعب الفلسطيني حين يعتدى عليه.
أما فلسطينيا فقد كانت طبيعية جدا وحدة المقاتلين الفلسطينيين بالميدان بينما بدت غريبة نوعا ما وحدة الوفد المفاوض، لكن استغرابنا لم يدم طويلا. فقد تأسست وحدة الوفد على أساس فرضه العدوان والميدان، ألا وهو أساس المقاومة لا التخاذل والمهادنة والتنسيق الامني كشرط لاستمرار المفاوضات دون توقف ألاستيطان بينما أثناء العدوان على غزة قد تم فرض التفاوض على الاسرائيلي تحت اطلاق نار المقاومة.
وما ان توقف اطلاق النار حتى عاد قصيروا النفس يستجمعون أنفاسهم ليعلوا الصوت مرتكزين على دعم عربي رخيص ومنتهزون لواقع صعب خلفه العدوان، فارتفعت النغمه التي هُيء لهم انها كانت او كادت ان ترسّخ في وعي الشعب الفلسطيني نغمة النعاج المسالمين الذين "سينجحون" في تحصيل حقوقهم المشروعة عبر التفاوض العبثي والتفاوض كبديل للتفاوض.
والسؤال هو ما ألعمل ؟ ماذا على مناضلي شعبنا ان يفعلوا ؟ هل ينخرطوا في السجالات التي يطلع بها علينا رجالات السلطة الفلسطينية صبحا ومساء؟ الم تكن تلك الرجالات تسرح وتمرح وتعبث في مفاوضاتها قبل ان يتفاجأ العالم اجمع بأن هنالك بين ابناء هذا الشعب من لم يضع وقته سدىً، بل عمل باليل والنهار على رفع مستوى مقاتليه الى مستوىً شرُفت به فلسطين وثبّتت انجازات استراتيجيه؟
أوليس اذا من الأجدر بالمناضل الفلسطيني ومن المنطقي أيضا ان يصب كل جهده وتفكيره بالاتجاه الذي تحققت به الإنجازات؟ فقد ثبت ان من ناضل نضالا دءوبا وجاهد جهاد الأبطال لتثمر طريقه النضالية انتصارا في غزة انما فعل ذلك بالوقت الذي بدا للكثيرين فيه، حتى من ابناء شعبنا، ان الفاعلون الوحيدين على الساحة هم نفسهم أولاءك الذين يغضبهم الآن مقتل مستوطنين يشرع لنا القانون الدولي والإنساني مقاومتهم بكل الوسائل، ويتناسون حرق الشاب الفلسطيني محمد ابو خضير حيا، ولن يستوقفهم كثيرا فقدان شعبنا لشاب آخر هو العريس رائد الجعبري الذي قتله غدرا عدو غاشم، هم ما زالوا ينسقون معه امنيا!
الأسئلة التي علينا ان نسألها لأنفسنا هي اذا كيف يستطيع اي شاب او فتاة فلسطينية ان يسهموا في التوجه الذي ثبتت فعاليته والذي قصّر الطريق نحو تحقيق أهداف شعبنا ألمشروعه قصّر الطريق لأنه وضع الكثيرين منا على الطريق ألصحيح وقصّر الطريق لأنه حقق نصرا فتح امام شعبنا الطريق للمزيد من الانتصارات الفعلية.
فقد عاش البعض منا في وهم ان طريق المفاوضات انما تقصر الطريق! ولكن شعبنا اليوم يدرك ان تلك الطريق انما هي بالأصل لا توصل الى تحقيق اي من حقوقنا وكل ما فعله اصحابها هو انهم قد اخروا المسير الصحيح بالطريق الصحيح لمدة تجاوزت الربع قرن.
نعم لن ننجرف الى سجالات فارغة مع من ما زال يرفض ادراك خطأ مسيره قولا وممارسة وما زال يأمل بالعودة بنا الى ما كان عليه وضع شعبنا ما قبل العدوان على غزه.
فقد يكون أبناء شعبنا في شرق فلسطين(الضفة الغربية) بوضع صعب من حيث القدرة على العطاء النضالي بالشكل الذي تم في غزه. فقد عُمل عليهم لعدة سنوات من خلال شبكة عملاء التزمت السلطة لإسرائيل بعدم المساس بإفرادها وتنسيق امني وفر عملية فساد وإفساد أدت الى خلق فئة "مستفيدة" ماديا من الوضع القائم الذي يسود به الاحتلال على الرغم من وجود رئيس فلسطيني! وضع فيه نوع من الرخاء الكاذب الذي لا يخلو من سم الاستسلام وتقبل الاحتلال والظلم.
بل أكثر من ذلك يمكننا بكل أسف ان نقول ان خطة نتنياهو الإقتصادية، اي تحويل القضية الفلسطينية الى قضية مطالب اقتصادية ليس إلا، قد حققت بعض النجاحات الخطيرة. اذ من قال انه يفترض ب- "طريق نضال المفاوضات كبديل للمفاوضات ان تحقق اي من حقوقنا الوطنية! بل يُفترض بها ان تسير من فشل الى آخر يوصل لى طريق مسدود ومن ثم ُتبتكر آلية لفتحه من جديد.
وهكذا تمضي السنين، ويكفي ان استمرار الحياة وتحقيق بعض متطلباتها يتم عبر آلية السلطة الفاسدة وتحت مظلة الاحتلال ورعايته. فيرسو، على سبيل المثال، العطاء الفلاني الكبير والمربح على من هم في اعلى سلم الهرم السلطوي وتتدرج الاستفادة نزولا ممن حظي برتبة لواء فعميد فعقيد الى ان يصل الفتات الى رب العائله البسيط الذي يدرك بفطنته انه حتى الفتات لا يمكنه الاستفادة منه ان لم يكن " شاطر" بما فيه الكفاية ليفيد فيستفيد. او "شاطر" اخر، على سبيل المثال، ادرك انه وان انعم الله عليه بقطعة ارض من عدة دونمات واقتضت الضرورة تماشيا مع مخطط البناء المقر بالبلدية ان يمر شارع منها مما سيعود عليه بالقائدة فان ذلك الشارع لن يقر ولن يسمح بشقه رسميا إلا بدفع ألمعلوم فيتوجه الى احد معازفه وهو سجين سابق لدى السلطات الإسرائيلية ويتفق معه مقابل تدخله لدى معارفه "اصحاب ألسطوة ان يمنحه دونما او اثنين من ارضه!
هكذا تحولت الرتب العسكرية الى مجرد درجات موظفين لتحديد مقدار الراتب والإبطال الذين قارعوا الاحتلال بالماضي يتحولون بكل أسف الى سماسرة يستفيدون ماديا ليس من انجازات نضالاتهم الثوريه بل من واقع الاستسلام والتسليم بالوضع الفاسد وبان يكونوا جزءا منه. والأخطر بل المكمل لذلك هو ان تجد ان مهمة مسئول الجمرك في مدينة طول كرم مثلا ليس إلا عميلا خطيرا من عملاء الاحتلال.
ولكن كل ذلك ومهما بلغت حنكة مهندسية فهو بتكوينه الفاسد يحمل بذور انهياره، اذ ان ابناء شعبنا اينما تواجدوا وبالرغم من كل الوسائل الخبيثة التي يقعون ضحيتها لقلة الحيلة وضرورة العيش، إلا انهم ليسوا اقل قدرة على التضحية والعطاء من ابطال غزه. واكبر دليل على ذلك ما رأيناه من شبابنا الابطال بالداخل عام 48 الذين على الرغم من وجودهم بين فكي "الأسد" الصهيوني لأكثر من ستة وستين عاما وهم يخضعون للظلم وتمارس ضدهم ابشع اشكال تذويب هويتهم الوطنيه إلا انهم حافظوا على انتمائهم الوطني الفلسطيني وحين وقع العدوان هبوا لمساندة ابناء شعبهم في الضفة اولا ومن ثم في غزة. وقد اتى تحركهم في وقت برز الصهاينة فيه بأبشع واعلى مستويات العنصرية والفاشية لديهم منذ قيام دولتهم. شباب وشابات تجاوزوا احزابهم وقياداتهم الوطنية في عطائهم النضالي وفي اقدامهم سواء في حركة ابناء البلد او التجمع الوطني الديمقراطي او الحزب الشيوعي الإسرائيلي بينما برز للأسف ضعف المشاركة من قبل الحركة الإسلامية فكانت الاعتقالات كلها تقريبا من بين شباب تلك القوى الثلاثة المذكورة وغيرها من الشباب الوطني.
اذا لن يسمح شعبنا بعد انتصار غزه بعودة الحال الى ما كان عليه قبله فهو نصر يُبنى عليه وسوف يعرف ابناء شعبنا اينما تواجدوا كيف يبنوا عليه. سيعرفون كيف يطوروا من قدراتهم وكيف يتغلبوا على نقاط ضعفهم وكيف يزعزعوا نقاط القوة لدى عدوهم ويعمقوا نقاط الضعف لديه.
سوف تتعمق الاخلاق الثورية لدى شبابنا الواعد الذين لن ينسوا دينُهم لآبطال غزه وواجبهم تجاه ضحايا العدوان من جرحى وعائلات شهداء ومشردين. لن ينسوا من منطلق الانتماء والإحساس العميق بالواجب وليس بهدف الاستغلال الانتهازي لما الم بالأهل بغزه لتحقيق المزيد من المكاسب في طريق الفساد.
اخلاق تعطي للتضحية والشهادة معناها النبيل وتقوي بنا عزة النفس والكرامة التي لا تسمح للضعف ان يتسلل الى نفوسنا ليجعلنا نتقبل العيش اذلاء خانعين لبطش المحتلين.
هذا وغيره الكثير هو من نعم انتصار غزة. ومن العير التي وان تحدث بها الكثيرين من قبل، إلا اننا نجد من الضروري تكرار الحديث بها، ألا وهي قيمة وأهمية تحقيق والحفاظ على اكبر قدر من الوحدة.
لم تشتهر عبارة المستعمر الانكليزي"فرق تسد" مصادفة، فالوحدة بالنسبة لنا كشعب فلسطيني هي من نقاط القوة الأساسية والمهمة لدرجة اننا لا نبالغ ان قلنا ان بها لذاتها اهمية كبيره ولهذا تستحق منا كل الجهد والتفكير والرغبة الصادقة في تحقيقها وتحييد كل عوامل افشالها. ان نقاط القوة لدينا ليست بالكثيرة وعليه فأننا لا نملك بحبوحة التفريط بمثل قيمة الوحدة كأحد اهم عناصر قوتنا.
عنصر قوة آخر يجدر بنا تقويته في نفوسنا هو ذلك التمسك بل الالتصاق بقضية شعبنا العادلة بعيدا عن النزعات والمطامع الشخصيه هذا العنصر النقي الذي برز لدى شبابنا الابطال في القدس حين انطلق كل واحد منهم وهو يعيش ما حصل لمحمد ابو خضير كأنه حصل لابنه او أخيه وليس فقط لجاره او ابن شعبه، فتحررت احياء كاملة بأيدي شباب القدس لعدة ايام.
ذلك انه يجب ان لا تغيب عن وعينا حقيقة انه تماما كما نحن نفكر بالاستفادة مما حققناه من نصر في غزه فان كبار العقول الصهيونية مدعومة امريكيا بالأساس ومن الغرب عموما، كلها توظف الآن في خدمة الصهيونية لتحقيق ما لم ينجحوا في تحقيقه ألا وهو تصفية القضية الفلسطينية. ان فشل كل تلك ألقوى مدعومة بكل أسف بتآمر عربي، في تحقيق ذاك الهدف عبر العدوان على غزة لن يثنيهم عن العمل على خطط بديله لتحقيق الهدف عينه.
نحن اذا مرغمون على مواصلة السير في طريق الاعداد والبناء والتحضير، في اطار مجتمع يتم بنائه وتقوية عناصر قوته كمجتمع مقاوم ليس امامه من بديل إلا ان يحقق النجاح تلو النجاح والنصر تلو النصر.
وعليه يكون بحكم المؤكد ان المعركة القادمة ستكرس التراجع القتالي لإسرائيل الذي لا نجافي الواقع ان قلنا انه اصبح نهجا واضح المعالم. بدأ في الهروب من لبنان في عام 2000، ليليه الهروب من غزة في 2005 ثم صدمة اسرائيل الكبرى في لبنان 2006 وعجزها على جبهة غزة، التي حسبتها أضعف في 2008 و 2012 ثم تحول غزه 2014 لما يشبه لبنان 2006، مفاجئات وإبداع وقدره قتاليه ملفتة.
هذا الواقع الذي تتابعت به الانتصارات هو اهم عامل في بناء الوعي الوطني العربي الفلسطيني وفي صياغة المفاهيم التي ستفرض نفسها على طبيعة الحل للصراع مع اسرائيل. هذا التراجع الاسرائيلي وهذه الانتصارات للمقاومة هي التي ستعيد الأمل في استرداد الكرامة ونفض غبار الذل والمهانة اليومية والظلم الرابض على صدورنا منذ عقود. وبالتالي فهي التي ستحدد الاتجاه الفكري الذي سيسود ويقود ابناء شعبنا.
وما نتمناه ونرجوه هو ان يرقى الأداء السياسي الى مستوى هذه الانتصارات وهذا اقل ما نتأمله وما هو مطلوب. وعلى المقلب الآخر نتمنى للصهاينة ان يمضوا في غيبهم ويتابعوا سياستهم العمياء والعاجزة ليكون مصيرهم قاع الهاوية حيث مزبلة التاريخ جاهزة لاستقبالهم كما فعلت في الماضي مع امثالهم من قتلة الأطفال والمدنيين العزل. اننا نعيش مرحلة مفصلية في هذا الصراع والذي ترسم معالمه بمنهجية ووضوح متزايد العقول والسواعد المقاومة البطلة في ايران وسوريا ولبنان وفلسطين.
بعد الانتصار في غزة سيصبح كل من يراهن على غير ذاك الفكر المقاوم خاسر لا محالة وسيكسب كل من يدعمه ويندمج به ويتبناه بكل رغبة ومحبة وإخلاص لقضيته ألعادلة فلسطين.

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net

مقالات متعلقة