الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 26 / أبريل 00:02

حقيقة تركيا أردوغان/ بقلم: محمد برغال

كل العرب
نُشر: 18/09/14 08:19,  حُتلن: 07:57

محمد برغال في مقاله:

تكون البداية بضرب "داعش" في العراق ومن ثم يتم تحسس المناخ الدولي والإقليمي إن كان يسمح بالانطلاق نحو سورية فيتم ذلك وبحجة ضرب "داعش" 

ما ظهر لنا من تركيا اردوغان قبل الأزمة السورية هو عدة مواقف بدت للإنسان البسيط وكأنها تدلل على موقف تركي معاد لإسرائيل من ابرزها المسرحية الاردوغانية في دافوس حين انسحب اردوغان ورفض البقاء والاستماع إلى شمعون بيرس

التلفزيون الألماني الرسمي كشف عن فتح مكتب لـ"داعش" في شارع الفاتح باسطنبول يديره أتراك وتجري من خلاله عمليات دعم تلك التنظيمات بالعراق وسورية بالمال والمقاتلين

تركيا معنية بإضعاف سورية ونهب خيراتها ولا تريد بجوارها عراقا موحدا لديه مقومات حقيقية للنمو الاقتصادي بل إن تقسيم العراق هو المطلوب وإقامة دولة طائفية "سنية" تكون حديثة العهد وبحاجه ماسة لتركيا 

المخطط الأمريكي الجديد كان مسار الأمور الأفضل لتركيا فبالإضافة إلى ما تم نهبه من سوريا استفادت تركيا من النفط العراقي والسوري المنهوب من قبل "داعش" 

بعد ما بدا وكأنه تأني وتردد ودراسة للأوضاع قبل إعلان ما سمي بإستراتيجية الولايات المتحدة لمحاربة "داعش"، أعلن اوباما عناوين مخططة السابع بعد فشل مخططاته السابقة ضد سوريا. ليتبين لنا أن المقصود إنما هو تدريب المزيد من عناصر التنظيمات الإرهابية خارج "داعش" مما سمي "المعارضة السورية المعتدلة"، وهنا من المفيد التذكير بأن من أكل قلب الجندي السوري كان وما زال من تلك المعارضة السورية المعتدلة، والحق يقال أن "داعش" لم تأكل القلوب بعد ولم تصب الإسمنت في قوالب على أسراها وتقطع آخرين بالمنشار الكهربائي كما فعل سمير جعجع حين كان يسعى لتنفيذ المخطط الأمريكي الإسرائيلي في حينه لتأسيس الدولة المسيحية في لبنان.

والجديد أيضا هو مكان تدريب هذا "الإرهاب المعتدل" بالسعودية الآن، بعد أن كان في الأردن وتركيا وبذلك يستمر القتل والدمار بين أبناء شعبنا العربي وبتمويل من أنظمته المستعبدة لأمريكا. وتكون البداية بضرب "داعش" في العراق ومن ثم يتم تحسس المناخ الدولي والإقليمي إن كان يسمح بالانطلاق نحو سورية فيتم ذلك وبحجة ضرب "داعش" يقصف الجيش العربي السوري وأن بالخطأ المقصود وبالتالي تتمكن قوى " الإرهاب المعتدل" بقيادة أمريكا من السيطرة على الرقة ودير الزور وما بهما من نفط وهما اللتان يسيطر عليهما "داعش" الآن.

خطة جهنمية في مرحلة إنتقالية، فقد إستفادت أمريكا مما ظهر مؤخرا على الإعلام من إجرام "داعش"، وكأن الأمر فيه أي تجديد، لتقود هجمتها الحالية على محور المقاومة بلعبتها المعقدة تحت سقف الفوضى الخلاقة، حيث هي تمسك بيديها بناصية اثنين من محاور المنطقة كما يمسك سائق العربة بلجام حصانين يقودانها والمحوران هما من ناحية، تركيا قطر والمعارضة السورية والى حد ما "داعش" ومن ناحية اخرى، إسرائيل ومصر والسعودية والإمارات ومن لف لفهم.

لماذا إذا لم تشارك تركيا بهذا الحلف الأَضحوكة الذي أقامته أمريكا مع بعض عبيدها؟
ما ظهر لنا من تركيا اردوغان قبل الأزمة السورية هو عدة مواقف بدت للإنسان البسيط وكأنها تدلل على موقف تركي معاد لإسرائيل من ابرزها المسرحية الاردوغانية في دافوس حين انسحب اردوغان ورفض البقاء والاستماع إلى شمعون بيرس، والسفينة التي هاجمتها إسرائيل وهي في طريقها لدعم غزه( مرمره) وخطب اردوغان النارية ضد إسرائيل وعنصريتها.
لكن في نهاية المطاف تبقى إسرائيل وتركيا حليفان مع أمريكا تقيمان المناورات والتدريبات العسكرية المشتركة وتبقى تركيا عضو في ال"نيتو"، وبناء عليه أصلحت أمريكا ذات البين ما بين حليفتاها في المنطقة وعادت المياه إلى مجاريها بين إسرائيل وتركيا لدرجة أن الطيران التركي كان الوحيد الذي استمر برحلاته من والى مطار بن غوريون (اللد)، حتى بالوقت الذي توقفت به الطائرات الأمريكية أثناء العدوان على غزه، لتتكرّم علينا بعد ذلك تركيا بعرض خدماتها بسفينة أخرى توفر الكهرباء التي انقطعت عن غزه جراء تدمير محطتها الوحيدة في غزه بيد حليفتها، إسرائيل.

ولكن للإجابة على ذاك السؤال يجدر بنا أولا إن نلق نظرة على إستراتيجية تركيا بالمنطقة وسلوكها منذ اندلاع الإحداث في سوريه إلى ألان، ذلك أن تركيا تبقى اقرب للحليف بعلاقتها مع أمريكا من كونها تابعة كما هو الحال مع قطر أو السعودية.
في يوليو 2012 وقف اردوغان أمام جمهور حزبه مبررا تدخل حكومته بأزمة سوريا بالقول: نحن أحفاد السلاجقة *والعثمانيين وبقية الدولة العلية ثم عاد للتأكيد على موقفه في خطاب آخر ألقاه في سبتمبر من نفس العام، فقال:" نسير على خطى أجدادنا السلطان ألب أرسلان إلى السلطان محمد الفاتح** "
بعد تسلم السلطان ألب أرسلان، ثاني حكام الدولة السلجوقية ،الحكم عام 1046م تمكن من توسيع دولته، مستخدما في حروبه ضد الفاطميين - تحديدا- العصب الطائفي. فأنشأت في عهده المدارس ألنظاميه التي تشددت لمذهب معين وكفَّرت مذاهب إسلامية أخرى، كما أغدق الأموال على دعاة استجلبهم إلى بغداد لتكفير الفاطميين والدعوة إلى قتالهم. ولعل إرث ألب أرسلان الذي يمجده اردوغان يمكننا من فهم السياسة التركية اليوم.

بعد أحداث 11 سبتمبر وضع اسم رجل الإعمال السعودي ياسين القاضي على لائحة الإرهاب العالمية. ووصف من قبل الصحافة الأجنبية بما فيها التركية بأنه الأب الممول لتنظيم القاعدة.وقبل عدة أشهر فجر الإعلام التركي فضيحة نشرت فيها صور لقاءات اردوغان مع ياسين القاضي ومع نجل اردوغان (بلال) . وقد أتى تسريب الفضيحة من قبل عناصر أمنيه في سياق قضية الفساد التي اتهم بها نجل اردوغان المذكور. وياسين القاضي هذا بحسب ما يصفه الصحفي الفرنسي "تسي ميسان" هو صديق شخصي لكل من ديك تشيني( نائب الرئيس الأميركي الأسبق) واردوغان ويضيف أن القاضي زار تركيا 4 مرات خلال عام 2012" حيث كانت تحط طائرته في مطار اسطنبول الثاني، وكان يجري استقباله من قبل رئيس الوزراء شخصيا، دون المرور عبر بوابة الجمارك، وبعد قطع التيار الكهربائي عن كل كاميرات المراقبة" .

وتكشف الصحف ومحطات التلفزة الكثير من المعلومات المثيرة والتي لا مجال لعرضها جميعا هنا ولكنها تؤكد، الدور الفاعل والرئيس لاردوغان وحكومته ورئيس المخابرات التركية بتوفير معسكرات التدريب وتمرير الأسلحة والمال والعتاد اللازم ل"داعش" بالأساس وغيرها من التنظيمات الإرهابية، والاهم تسهيل مرور العناصر المتطوعة ل"داعش" وأخواتها من كافة أصقاع الأرض لسوريا والعراق.

نذكر في هذه العجالة فقط بعض المعلومات التي تؤكد ذلك، فقد كشف الصحفي الفرنسي " تسري ميسان"بوثيقة نشرها بوقت سابق عن تسهيل تركيا تسلل 5،000 مقاتلا من تنظيم القاعدة للأراضي السورية بعد تلقيهم تدريبات في ليبيا. ال-" سي ان ان" عرضت تقريرا مصورا في أواخر العام 2013 عن عمليات "تهريب" لسورية للمقاتلين من موريتانيا وليبيا ومصر والسعودية وبريطانيا من مطار محافظة "هاتاي" الواقعة على الحدود مع سورية. والتلفزيون الألماني الرسمي كشف عن فتح مكتب لـ"داعش" في شارع الفاتح باسطنبول يديره أتراك وتجري من خلاله عمليات دعم تلك التنظيمات بالعراق وسورية بالمال والمقاتلين. وقد كشفت نفس القناة في تقرير مصوّر عن معسكر تدريب ل"داعش" على الأراضي التركية في "غازي عنتاب"، إضافة إلى ما كشف عنه الصحفي اللبناني حسن حماده عن وجود 3 معسكرات أخرى لتدريب الإرهابيين (معسكر "اورفا" ومعسكر "العثمانية" ومعسكر "كرمان").

ما الفائدة ،التي ترجوها تركيا من هذه الإستراتيجية ؟
هي معنية بإضعاف سورية ونهب خيراتها ولا تريد بجوارها عراقا موحدا لديه مقومات حقيقية للنمو الاقتصادي، بل إن تقسيم العراق هو المطلوب وإقامة دولة طائفية "سنية" تكون حديثة العهد وبحاجه ماسه لتركيا وبالتالي تكون الاستفادة منها وعبرها لا تقدر بثمن، بحيث تشطر هذه ألدوله "الهلال الشيعي" وينقطع التواصل بين طهران وبغداد من جهة وبين دمشق والمقاومة في لبنان من جهة ثانيه وتوجه ضربه قويه للنفوذ الإيراني. بالإضافة لما يبدو انه قد آن أوان تحقيقه على يد "الفاتح" اردوغان حين تسمح الظروف بذلك ألا وهو"استعادة" الموصل بعد أن ألحقها الانكليز بالعراق باتفاقية عام 1926! .

إلى أن أتى المخطط الأمريكي الجديد، كان مسار الأمور الأفضل لتركيا، فبالإضافة إلى ما تم نهبه من سوريا استفادت تركيا من النفط العراقي والسوري المنهوب من قبل "داعش" الذي يتم تصريفه عبر أربعة رجال اعمال في كردستان ومثلهم في تركيا وان كان هذا النفط يدر على "داعش" ما يعادل 3 مليون دولار يوميا، لنا أن نتخيل ما تحققه تركيا من أرباح.

ولكن بغض النظر عن أننا نعتبر السياسة التركية لا تصب حتى في صالح الشعب التركي نفسه ،لان المصلحة التركية الحقيقية برأينا هي بالترابط والتعاضد مع شعوب المنطقة مما يوجد وحدة إقليميه تعود بخير المنطقة على أهلها وليس على الأمريكي والإسرائيلي الذين لن يوفروا التركي في نهاية المطاف،إلا إن تصرف الشعب التركي يمكن فهمه نوعا ما حين لا يخفي تعاطفه العلني المؤيد للحكومة مع "داعش"، فتنقل مواقع التواصل الاجتماعي صورا لمكتبات إسلاميه في اسطنبول تبيع "تيشرتات" وأغراض عليها شعار "داعش" خاصة وان "داعش" هدمت كل مقامات وقبور الأنبياء والأولياء الصالحين فيما عدا ضريح جد العثمانيين "سليمان باشا" الموجود داخل سوريا وبحماية "داعش"!

والشعب التركي معروف بوطنيته الشديدة وطالما هو يلمس أن سياسة حكومته لا تعود بالكوارث عليه، وبالعالم العربي ليس هنالك من يصرخ ويجد لصراخه أذانا صاغية، ليقول لهم أن دولتكم العلية تقف في مقدمة صف أعدائنا تقتل بشعوبنا وتنهب مقدراتها وخيراتها وتساند الغرب في الحؤول دون تحقيق وحدتها ولضمان تجزئة المجزأ منها، بل إن الشعب التركي يرى أن الأنظمة العربية بأغلبيتها الساحقة تقيم علاقات ألتجاره ويكشف له الإعلام التركي أن احد الجمعيات التي تستغل لدعم الإرهاب والتي يستغلها بلال نجل اردوغان المذكور (هيئة الإغاثة والمساعدات الإنسانية ) الممولة من قبل ياسين القاضي إنما هي إحدى فروع جمعية "ائتلاف الخير" التي يشرف عليها "كبير" شيوخ المسلمين (ألقرضاوي). و"القيادات" العربية لا تتوقف عن زيارة ألدوله العلية لتقديم فروض الطاعة والاهم منها طبعا على المستوى الفلسطيني من خالد مشعل إلى الشيخ رائد صلاح.

"القيادات" العربية والفلسطينية منها بالذات هل لكون هذه القيادات ترى بتركيا دولة إسلاميه ناجحة مثلا؟ وما الذي جنيناه نحن من نجاحها؟ فبالإضافة لكونها بتحالف مع معسكر أعدائنا فهي حتى إسلاميا يشمئز الزائر لها من كثرة انتشار بيوت الدعارة فيها وخاصة في اسطنبول. ومسلسلاتها التي انتشرت بشكل وبائي بين جماهير شعبنا لعبت دورا هداما في ترسيخ قيم بعيده كل البعد عن الإسلام وعن أي قيم أخلاقيه إنسانيه. فنحن كمثقفين ندرك انه فلسفيا وأخلاقيا من الخطأ اعتبار أي سلوك غير أخلاقي بالمطلق، فحتى القتل يمكن تبريره أخلاقيا أحيانا، لكن حين تصبح الرسالة الدائمة لتلك المسلسلات هي ترسيخ الممارسات الغير أخلاقيه كالخيانة مثلا باعتبارها امرأ عاديا بل تجعل المشاهد يتعاطف مع الخائن، فان ذلك فقط يؤدي دورا تدميريا لمجتمعاتنا بدأت عواقبه بالظهور بالكثير من الممارسات التي كادت أن تكون معدومة الوجود لدى مجتمعاتنا في السابق، مثل محاولة الزوجة قتل زوجها بالسم بمساعدة عشيقها في قلنسوة وما اتضح مؤخرا من أن من كان وراء قتل احد سكان الطيبة إنما هي زوجته!

كم تفقد شعوبنا إلى قيادي بقامة المناضل وعالم الدين الجزائري عبد الحميد بن باديس الذي يعتبر صانع الثورتين بالجزائر، ليكون موقفه من أمريكا وحلفائها نفس موفق ذلك الشيخ حين أطلق قولته المشهورة " والله لو طلبت مني فرنسا أن أقول لا اله إلا الله لما قلتها"
ولكننا حيال تلك القيادات الإسلامية نجد إن نقد الأستاذ الكبير حمدي قنديل في محله، حين قال في برنامجه قلم رصاص .. "...يا أمه كانت أمه محمد بقينا( يقصد أصبحنا) أمة مهند".


* نسبة إلى الدولة السلجوقية (1037 - 1194) نسبة إلى سلجوق جد طغرل بك، مؤسس الدولة، هم أتراك شمل حكمهم أفغانستان وإيران وأجزاء من تركيا وسورية والعراق والجزيرة العربية.

**السلطان محمد الفاتح، وهو السلطان محمد الثاني، سابع سلاطين الدولة العثمانية، ولُقب بالفاتح بعد فتحه بلاد البلقان ومدينة القسطنطينية

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net

مقالات متعلقة