الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 25 / أبريل 22:01

طلقة/ قصة قصيرة بقلم: فاروق مواسي

كل العرب
نُشر: 21/10/14 08:40,  حُتلن: 06:52


لم أكن أتصور أن المسدس الذي بيدي مجهز وبه عيار. أصوب المسدس وأنا في شبه حالة هستيرية. المسدس (اللعبة) كان من ألعاب طفولتي، وبقي حبي له كدلالة على الرجولة والبطولة أو على المكانة.
هأنذا أحمل الحقيقي. أصوب المسدس باتجاه أخي مرة، وباتجاه عوض– صاحب المسدس– مرة أخرى. عوض قدم لي السلاح بعد أن رجوته غاية الرجاء أن أطلق عيارًا، أن أجرب، وأحقق حلمًا قديمًا، فاستجاب لي عوض، و أخرج أمامي وعلى مرأى مني رصاصات المسدس، ولم يكن يدور بذهني أن عيارًا واحدًا بقي ينتظر. خيل لي أنه أخرج كل ما في " الباغة"، ظننت أن عوضًا يعاملني كطفل، والطفل من همه أن يعبث بقطع الحديد.
لتتم التمثيلية.
عوض يستصرخ، يرجو أن أرفع يدي عن الزناد، يظن أنني أعابث، ومع ذلك يصرخ "اوع الديك".
ألاحقهما، أطاردهما، أشهر المسدس صوب هذا وصوب ذاك، وكلما همّ إصبعي أن يضغط كان صاحب المسدس يتهالك... يتهاوى.
أعجبتني اللعبة.
أخذت أضحك بحدة. أخي مذعور. استلقى على الأرض بينما كان المسدس يلامس رأسه و عينيه الجاحظتين.
الآلة كم قتلوا بها! كم قتلوا بها!! حياة الإنسان، علمه، ثقافته فنه كل شيء رهين "تك" ثواني ينتهي كأن شيئًا لم يكن. القاتل يسرح ويمرح. يعذبه ضميره أو لا يعذبه لنفسه المبررات وينسى. ماتت بعوضة.
أخي مستلق على الأرض.
- " دخيلك "!
عوض طار الدم من وجهه ...
- ارفع يدك عن ...
"فرد فلين " يهلع له قلب الجبار، وخاصة في الليل، فكيف هذا السلاح الجدي؟
يجب أن يمثلا لعبة الخوف ليعلما من أنا.
- قل أنت "التوبة"!
- "التوبة".
- وأنت قل "العنزة يا خال"!
- "العنزة يا خال".
الردود كانت سريعة. ما هذا الخضوع العجيب من أخي العنيد ومن عوض الذي يكاد يبكي.
هل هذه الآلة بهذه القوة؟
(أستُدعيت قبل عشر سنين إلى مركز الشرطة بتهمة إطلاق النار في أحد الأعراس.
- "أنا؟ صدقني لا أعرف كيف يستعمل".
قلت للمحقق:
"أنا؟ لا شك أنك أخطأت العنوان".
- "اخرس! تتجاهل؟ كلكم هكذا تظهرون أنكم مساكين".)

بعد فترة عذاب وانتظار عدت أستحكم:
"تصور أن تكون يا أخي مضرجًا بالدم. سنسعفك. السيارات قريبة، ولكن ستموت.... تموووت. سنفتح لك بيت عزاء. سنشرب القهوة السادة كثيرًا... ما أطيبها بعد أن تخمر في اليوم التالي!!
وأنت يا عوض، الله يعوض على أهلك!! لماذا تحمل المسدس أصلاً يا مشبوه. كثيرًا ما فكرت في شراء مسدس بالسر ووضعه تحت الوسادة خوفًا من متسلل قد يقتحم بيتي ويرغمني على إعطائه الدولارات القليلة التي أوفرها.
ستكون الضربة في قلبك، إصابة الهدف ضرورية. لم أكن أحسن إصابة الهدف في لعبة الحصى. كنت أشعر بنقص، سأغطي الآن هذا النقص. انظروا كيف ألعب بالمسدس – هه – كيف أمسكه؟ هه! أقلبه؟ كيف تتوسلون؟
اتخذ عوض سبيل الهدوء. ربما لأن الإثارة يمكن أن تجر إلى الخطر. صنع بسمة على شفتيه، وقال:
- " أنت تحسن التخويف.... ولكن ..."
- ماذا ولكن؟ هذا مسدس، لزيادة معلوماتك اعرف أن اسمه مسدس: لأنه كان فيه ست حبات. اخترعه صموئيل كولت سنة 1836. فبقي الاسم "مسدس". هل تثقفت؟ حتى ولو كان فارغًا "فرد 14" بقي الاسم "مسدس" حتى ولو كان فارغًا كما هو الآن ... ست حبات ...
- "لا ليس فارغا".
أخذت ألوح في يدي. وأنا أحمل المسدس. أقفز كأنني ثمل.
- " لكن لا، سأنتحر أنا. سأرتاح من هذه الحياة التي هي تعب وهم ومرض ورؤية أناس لا ترتاح لهم. الضربة ستكون في رأسي. سأُنسى بعد أيام. الناس بعدي يروحون ويغدون. سأنتحر...
آه. أنا أساعد غيري، إذًا أنا موجود. لن أموت يا مسدس؟ لماذا نموت أصلاً سأصوب الطلقة نحو غيوم السماء.
" استقبلي هذه الطلقة، لأنه لا يعنيك شيء مما يجري على الأرض، وليس من اختصاصك".
أو
" استقبلي هذه الطلقة احتجاجًا لأننا نتهمك، فإما أن تكوني أو لا تكوني"!
وضعت يدي على الزناد.
ودوى الصوت...
وتناول عوض مسدسه عن الأرض.

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net

مقالات متعلقة