الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 17 / مايو 12:02

فلا نامت أعين الجبناء(الجزء1)/ بقلم: محمد برغال

كل العرب
نُشر: 14/11/14 11:16,  حُتلن: 08:05

محمد برغال في مقاله:

في بداية عمليات التفجير الإرهابية في العراق كنا نتألم كثيرا لكل رجل وامرأة وطفل قتلوا غدرا دون وجه حق اليوم وبعد أن أصبح القتل في العراق جزءا من نمط الحياة فقد قل حتى لدى ابن العراق الإهتمام والتأثر

آلية التعويد هي من أهم أدوات القمع الإسرائيلي فمن المفيد أن يتعود الجميع على "مكانة" الجندي الإسرائيلي القاسي والقوي والقادر على إهانة أي عربي

من المهم والضروري تعويد الفلسطيني انه في حالة قتل إسرائيلي لا يتم قتل قاتله فحسب إن أمكن ولكن أيضا يقتل آخرون كثر ويهدم بيته ومن المهم التعود على أن اليهودي الإسرائيلي يحظى بالأولوية وأفضلية التعامل بكل شيء

يحدثنا التاريخ عن حادثة لها دلالات كبيرة وقعت أثناء الاحتلال ألتاتا ري للعراق حين صف أحد جنود التتار طابورا من أهل بغداد ليعدمهم بقطع رؤوسهم بسيفه الواحد تلو الآخر وبعد أن قطع رؤوس العديد منهم إرتاح قليلا متكأ على سيفه وشاهد أن رباط حذائه قد انحل، فما كان منه إلا أن سلم سيفه لأحد الصافين في الطابور وانحنى لربط حذائه وبعد ذلك عاد وأخذ السيف ليواصل قطع الرؤوس!

ولا تختلف بالجوهر تلك الواقعة عن حادثة إعتداء جندي إسرائيلي واحد على مجموعة من العمال الفلسطينيين كانوا يقفون بمكانهم مسالمون ينتظرون فرصة عمل وأوسعهم ضربا وإيذاء دون أي ذنب ارتكبوه، والتي تم توثيقها ونشرها بالصوت والصورة وبالذات تعديه على أحد هؤلاء العمال وكسر أسنانه ببرودته وداسه برجليه بينما باقي رفاقه متجمدين في أماكنهم ينظرون وينتظرون، حتى حين انحنى ذلك الجندي وعلق بندقيته على كتفه ليلتقط المعتدى عليه ويجرجره على الأرض ويفتح باب سيارته ليلقيه بها بكل مهانة!

بعد جريمة قتل محمد أبو خضير الشاب الوديع المسالم والتي كان لوقعها اثرًا ودورًا مميزًا في مسار النضال الفلسطيني وبعد الكثير من جرائم القتل وصلت، بعد إستشهاد الشبان ال- 13 في أحداث عام 2000، لدينا فلسطينيو الداخل عام 48 إلى أكثر من 48 شهيد، تأتي جريمة قتل الشاب خير الدين حمدان بوقعها وأثرها المميز أيضا فهي تبين للمرة الألف حقيقة عدوانية هذا الكيان.

كنا قد ذكرنا أكثر من مرة في مقالاتنا السابقة أهمية أن يكون الأساس ونقطة الإنطلاق في فهم أي تحرك من إسرائيل تجاهنا بكونه آت من عدو، بعد إستشهاد خير الدين حمدان يمكننا أن نقول بكل ثقة أن من لا يقر بان الكيان الإسرائيلي بكامله وعلى رأسه المؤسسات الرسمية وما يسمى الأمنية بالذات إنما تتعامل معنا جميعا كأعداء، فانه يكون أحد اثنين إما ساذجا لأبعد الحدود أو هو جزء من المنهجية الإسرائيلية العدوانية تجاهنا والتي تجلت بشكل مفضوح بهذه الحادثة.

ومن أخطر ما كشفته هذه الجريمة وظهر للعيان بوضوح اكبر، هو أن الجنود قد تلقوا الأوامر أو التوجيهات بتفضيل القتل بمثل حالة الشهيد خير الدين حمدان على الاعتقال أو حتى الإصابة الغير قاتله وذلك يشمل الحالة التي لا يشكل فيها أي خطر على الجنود فقد كان وحيدا وبظهره إليهم ولم يحمل سلاحا. وثانيا انه قد تم تدريبهم على خطوات تم أدائها ليبدو وكان الجنود قد أطلقوا النار بالهواء ولم "يقصدوا" القتل وثالثا تثبيت التعامل المهين للفلسطيني الذي يرفض الخضوع والخنوع ل"سيدة" الإسرائيلي وبالذات التمثيل بجثته إمعانا بالمهانة والقهر، إن أصيب أو مات شهيدا.

في بداية عمليات التفجير الإرهابية في العراق كنا نتألم كثيرا لكل رجل وامرأة وطفل قتلوا غدرا دون وجه حق واليوم وبعد أن أصبح القتل في العراق جزءا من نمط الحياة فقد قل حتى لدى ابن العراق الإهتمام والتأثر لدرجة أن البعض لم يعد مهتم بعدد الضحايا الذين أصبحوا بالألوف. فهل تبلد المشاعر هذا وعدم الاكتراث لقتل شبابنا هو ضمن ما تريدنا إسرائيل أن نتعود عليه؟

فالمصلحة الإسرائيلية كمصلحة أي قوة محتلة غاشمة، تتطلب إستمرار الاحتلال ونهب خيرات البلاد وتهجير أهلها قدر الإمكان وإهانة وإذلال وإفقار من تبقى منهم وبالذات أولائك الذين يرفضون الاستسلام والخضوع لسلطان المحتل وظلمه معهم يكون التعامل بمنتهى القسوة فيقتلون بسهوله وتهدم بيوتهم ويهجر أهلوهم. وهي بنهجها المذكور تتمتع بقوة هائلة وتتعامل بتخطيط ومنهجيه ومعرفة تمكنها من أداء دورها القمعي بنجاعة.

فهي كما سبق أن ذكرنا تجمع اكبر قدر من المعلومات عنا وتدرس عاداتنا وديننا وأخلاقنا ونقاط القوة والضعف لدينا وقد طورت أدواتها للتعامل معنا ولتحقيق أهدافها ومن ضمن ما عملت على تثبيته وهم أن من يخضع لها ويستسلم لإرادتها فانه يستفيد ماديا ولا يتعرض لأي أذاً منها وقد نجحت بطبيعة الحال بتحقيق قناعة لدى الكثيرين بهذا الوهم. وبكل أسف فان الحالات الكثيرة من الضحايا من بين أبناء شعبنا الذين فضلوا العيش بذاك الوهم لم تقنع غيرهم ممن ما زالوا يعيشون ذلك الوهم, بتغيير موقفهم.

إن آلية التعويد هي من أهم أدوات القمع الإسرائيلي فمن المفيد أن يتعود الجميع على "مكانة" الجندي الإسرائيلي القاسي والقوي والقادر على إهانة أي عربي. وكذلك من المهم والضروري تعويد الفلسطيني انه في حالة قتل إسرائيلي لا يتم قتل قاتله فحسب إن أمكن ولكن أيضا يقتل آخرون كثر ويهدم بيته ومن المهم التعود على أن اليهودي الإسرائيلي يحظى بالأولوية وأفضلية التعامل بكل شيء.

وتبرز أهمية هذه الآلية بعملية تعويد الفلسطيني على أوضاع جديدة أكثر إساءة وإهانة له ولشعبه فان بدأ الاحتلال ببداياته بالحصار ومنع التجول أصبح اليوم الجدار العازل والتنسيق الأمني أكثر فاعليه والتعود عليهما وعلى غيرهما من الأوضاع السيئة مهم جدا. ومن الأهمية بمكان أن لا يعتبر شعبنا شهدائه أبطالا، فالهجوم على محمود عباس لتجرئه على امتداح المناضل الشهيد معتز حجازي لم يكن مجرد غضب وعتب نابع عن مشاعر حركت نتنياهو ووزرائه بل هي جزء أساسي ومهم في الإستراتيجية الإسرائيلية.

والسؤال هو هل بإمكاننا نحن فلسطينيو الداخل عام 48 أن نغير هذا التعامل العدواني والمهين ونجبر الإسرائيلي على التعامل معنا بشكل على الأقل ليس فيه هذا الاستهتار بحياة شبابنا وأهلنا؟ هل نمتلك القدرة على جعل الجريمة التي ارتكبت بحق ابننا خير الدين حمدان هي آخر الجرائم التي تقوم بها إسرائيل بارتياح تام ضد أبناء شعبنا؟

لقد نجح حزب الله أولا في تحقيق ذلك وكذلك نجحت المقاومة الفلسطينية في غزة في خلق معادلة ردع جديدة.
فحزب الله نجح بعد أن أدرك أن عدوه يعمل بشكل منهجي وعلمي ويعتمد على معرفة أدق التفاصيل عن من يواجههم. وبالتالي كان ما حققه حزب الله هو انه جعل الإسرائيلي في ظلام يكاد يكون شبه تام بما يتعلق بالمعلومات التي كانت متوفرة له بوفرة بالماضي وبكل سهولة. وكذلك أصبح حزب الله هو من يعرف الكثير عن إسرائيل وجيشها وشعبها وكل ما فيها مما خفي وعلم وطور قدراته القتالية ومستوى مقاتليه لا بل ومستوى مجتمعه بالكامل مما جعل جماهير المقاومة والتفافها حول المقاومة هي من أهم عناصر قوتها. فجمهور المقاومة في لبنان مثله مثل أبناء شعبنا، في غزة بالذات، ذا قدرة عالية على العطاء والتضحية ولكن حين يؤكد حزب الله قولا وفعلا انه لا ينسى أسراه ولا جرحاه ولا شهدائه أو عائلات شهدائه وإن قياداته هم من بين أول من يضحي بروحه وأرواح أبنائهم فان التصاق الجماهير وإسنادها لمقاومتها يكون من القوة والمنعة بحيث انه لا أحد ولا قوة يمكنها أن تفرق بينهما.

قد يقفز البعض بعد قراءة ما كتب وقبل أن يستكمل قراءة المقال ليقول أن لحزب الله ظروفه المختلفة ولكن واقعنا كفلسطينيي الداخل عام 48 يختلف كليا! لهؤلاء نقول صبرا ولا تستعجلوا الوصول للنتائج قبل قراءة ما نطرحه كاملا فالمطروح ليس نقل حرفي لتجربة حزب الله! وإن كان ذلك بحكم ظروفنا وموقعنا غير وارد، إلا أن الوارد جدا هو الإستفادة وتطبيق المبادئ العامة التي على أساسها كان تحرك ونجاح حزب الله والدعوة إلى تطبيق ذلك هو ما سيكون محور الجزء الثاني من هذا المقال.

أما ألآن وقبل أن ننهي هذا الجزء الأول من المقال يجدر بنا أن نوضح سبب ذكرنا للروايتين الواردتين في بداية المقال. إن علماء النفس يفيدوننا عن ثلاثة أشكال رد فعل في حالة الخوف من أمر أو حدث مخيف الشكل الأول هو شكل الجمود والاستسلام التام للخطر والذي تجلى بأبشع تجلياته في الحادثتين المذكورتين أعلاه والشكل الثاني لرد الفعل على الخطر هو بالهروب من مصدره أما الشكل الثالث وهو الأفضل فيأخذ شكل المواجهة لمصدر الخطر. وهو ما حدث في حادثة إجرامية إسرائيلية أخرى تم التعامل معها بشكل مغاير لما حدث في اللتين تم ذكرهما في بداية المقال.

والحادثة مشهورة ومعروفة جدا لكل أبناء شعبنا خاصة في الداخل عام 48 ولكن القليل يدرك أهمية ما حدث وقيمته التربوية والنضالية العالية لنا كفلسطينيين، والمقصود هو الجريمة التي نفذها احد الجنود الإسرائيليون عام 2005 واسمه ناتان زاده في حافلة تقل ركاب عرب بأغلبيتهم من شفاعمر حيث أطلق الرصاص ليقتل ويصيب بعض الركاب قبل أن ينقض عليه رجال عزل من السلاح فيقتلونه شر قتلة بسواعدهم السمراء القوية وقد كان على رأسهم المناضل البطل جميل صفوري الفلسطيني إبن شفاعمر وابن حركة أبناء البلد.

لو وقع هذا الحادث في بلد آخر لكان جميل وباقي الشباب الستة الآخرون قد نالوا ارفع أوسمة التكريم إلا أن إسرائيل أبت إلا أن يدان جميل وإخوانه ويحكموا بالسجن ك"مجرمين" وقد وقعت أعلى الإحكام على جميل وهي بهذا من حيث لا تعلم جعلت التاريخ يضع نيشان الأبطال على صدره. لأن موقفه الشجاع وإقدامه هو وباقي رفاقه العزل من أي سلاح قد أنقذ باقي ركاب الحافلة. وهذا الفعل حيال خطر الموت لا يمكن أن يقدم عليه إلا من كان يتمتع بشجاعة نادرة وحس عال بالمسؤولية تجاه أبناء شعبه الذين وضعوه في قيادتهم. والإحساس بالمسؤولية وضرورة تحمل المسؤولية والتصرف بمسؤولية من قبل قيادة حركتنا الوطنية بالداخل تجاه شعبنا سيكون هو محور بحثنا في الجزء الثاني من هذا المقال.

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net

مقالات متعلقة