الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 25 / أبريل 22:01

فلا نامت أعين الجبناء (الجزء 2)/ بقلم: محمد برغال

كل العرب
نُشر: 14/11/14 11:29,  حُتلن: 15:05

محمد برغال في مقاله: 

مقاطعة الانتخابات وفرض بديل لها سيساهم أكثر في تعرية وجه إسرائيل كدولة عنصرية

من الطبيعي أن نخاف وتخاف جماهيرنا على فلذات أكبادها وأحبائها، فالتطورات تتسارع وهذا عصر التسارع وليس لدى الصهيونية حل سوى الإقصاء 

السلاح الأنجع في مواجهة تقاعس السلطات عن أداء واجباتها المدنية والتي تجبي الضرائب لأجلها، هو المضي في شراكة داخلية وبناء مؤسسات ترعى مصالح الشعب 

حين يطلق الألم الذي اعتمل في داخلنا، بعد جريمة قتل خير الدين حمدان، السؤال- إلى متى؟ تقفز للذهن عبارة القائد العظيم خالد ابن الوليد وهو على فراش موته " لقد شهدت مائة زحف أو زهاءها، وما في جسدي موضع شبر إلا وفيه ضربة او طعنة او رمية، ثم هأنذا أموت على فراشي كما يموت البَعيرُ، فلا نامت أعين الجبناء.." 

فكما أن التاريخ يذكر حادثة الجندي التتري والجبن الذي استحوذ على ضحاياه، فانه سينصفنا بذكر بطولة جميل صفوري وإقدامه وشجاعته، خاصة وانه بالإضافة إلى كون تجسيده بالفعل تطبيق قيم العزة والكرامة ومقاومة الظلم، فقد انغرست فيه أيضًا محبته لوطنه وعدم هجره. فقد كانت الفرصة للهرب متاحة لمن ينتظر حكمًا، كان من الممكن أن يكون أكثر جورًا، ولكنه رفض ذلك لأنه مناضل ثوري حقيقي، فصح فيه قول شاعرنا العظيم مظفر النواب حين قال بقصيدته "في الحانة القديمة" "...سبحانك كل الأشياء رضيت سوى الذل وان يحبس قلبي في قفص في بيت السلطان". آثر جميل الحبس الإسرائيلي على أن يُحبس قلبه في قفص في بيت السلطان وان كان قطريًّا أو تركيًّا.

جميل أصبح إذا، بجدارة، اسم على مسمى كأجمل ما أنتجه الفكر الثوري لحركته التي أثبتت أن الكف يمكنه أن "يلاطم المخرز" حين انثنى "المخرز" وبطل مفعول رأسه الحاد، بفعل قوة أصابع كف جميل. ولكن يبقى السؤال هل يمكن لقيادة الحركات والأحزاب الوطنية والمناضلين الأحرار في الداخل، أن يحققوا مطلب الحماية لجماهيرنا العربية في الداخل؟ 

هذا المطلب المحق الذي لم يتناول للآن بالمستوى المطلوب من الجدية، ولجماهيرنا الحق بأن تتوقع من قيادتها مستوى أعلى من المسؤولية. بحيث أنها بالإضافة وبموازاة العمل النضالي ضد الظلم والقهر، تولي الاهتمام الضروري، للعمل على أن لا يتم قتل شبابها بهذه السهولة والوحشية عبر نهج تحاول إسرائيل جاهدة أن تثبته.

من الطبيعي أن نخاف وتخاف جماهيرنا على فلذات أكبادها وأحبائها، فالتطورات تتسارع وهذا عصر التسارع، وليس لدى الصهيونية حل سوى الإقصاء. وهذا ليس تهويلاً، علينا أن ننشر هذا الخوف ليشكل لحمة ترابط بين أبناء شعبنا، ليتكون ال "نحن" الصحي المنشود، فلا عيب أن نخاف. إذا واجهنا أسباب الخوف، تكون هذه هي الشجاعة.

وليس من قبيل التشبث بالموقف التاريخي لحركة "أبناء البلد" نؤكد على عبثية وضرر المشاركة بالكنيست، بل أيضًا من منطلق منطق الربح والخسارة، وبناء على تجربة امتدت لعدة سنوات وصلنا بها اليوم إلى أعضاء كنيست يتبارون بمن يكون كلامه أكثر فذلكة وتنميقًا، ليستفز اليمين الصهيوني أو المؤسسة الإسرائيلية. وبالتأكيد هم موجودون للتعامل مع النتائج والواقع وليكونوا جزءًا مكملاً لهذا الواقع هم لم يوجدوا أصلاً ليغيروه. إن مقاطعة الانتخابات وفرض بديل لها سيساهم أكثر في تعرية وجه إسرائيل كدولة عنصرية.

والسلاح الأنجع، في مواجهة تقاعس السلطات عن أداء واجباتها المدنية والتي تجبي الضرائب لأجلها، هو المضي في شراكة داخلية وبناء مؤسسات ترعى مصالح الشعب، وقيادة تسير به في حال اللزوم إلى مواجهة مؤلمة للسلطة، والأسلحة المتوفرة عديدة ليس آخرها العصيان المدني. كما أنه مما لا شك فيه أن القيادات الوطنية الحالية ببرامجها وبمستوى أدائها النضالي هي غير قادرة على فعل ما يلزم من عمل جدي في طريق تحقيق ذلك المطلب.

وهذا المطلب العادل ليس مطلبًا نابعًا من ضعف في القدرة على التحمل لدى جماهير شعبنا المعطاء، بقدر ما هو سعي للوصول إلى قياده وطنية مخلصة ومسؤولة وكفء. قيادة يكون همها الوحيد هو خدمة قضية شعبها الوطنية مرتبطة بهذه القضية، دون أي دافع أو محرك شخصي، بحيث يصبح مطلب جماهيرها لها أن تبقى في موقعها، وهي إن عاد الأمر لها لفضلت إيكاله لغيرها فيرتفع مقدارها بعيون شعبها وتزداد محبته لها. 
كمقدمة لتحقيق هذا الدور القيادي نقول انه ما عاد كافيًا فقط أن يتمتع القيادي والمناضل الفلسطيني في الحركات والأحزاب الوطنية في الداخل، بالمقدرة على الفهم والتحليل السياسي وكذا تبني فكر معين وامتلاك خبرات نضالية ومهارات تنظيميه وتحريضية. 
اليوم لم يعد هذا وحده يكفي، ولن يكون بإمكان قيادة بهذا المستوى، أن تتعامل مع حدث كمقتل الشاب خير الدين حمدان، إلا بردة فعل محسوبة من قبل الإسرائيلي وقد اعد الرد عليها سلفًا.

ما المطلوب إذًا؟ 
المطلوب تطوير الأداء بحيث يكون بإمكان هذه الحركات أن تفعل أكثر من مجرد رد الفعل، لتنتقل إلى دائرة الفعل المنهجي، بحيث تدرك المؤسسة الإسرائيلية انه في حال أنها أعادت الكرة، وكان هنالك استعمال للعنف والقتل، فإن الخسارة بالنسبة لها ستكون أكبر بكثير من المكاسب التي هي خططت وعملت على تحقيقها بشكل منهجي.

وهل هذا الأمر ممكن في واقعنا بالداخل؟
انه بدون أدنى شك ممكن جدًّا، وهذا بالإضافة إلى إننا جزء لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني الذي يشعر بنا كما نشعر به، وحركاته الثورية تشعر هي أيضًا بنا، وقد كانت عمليات طعن المستوطنين بالسكين والتي قادها الجهاد الإسلامي، تصب بهذا المصب مستفيدة من أسلوب حزب الله، الذي ردع الإسرائيلي باعتراف قياداته العسكرية والسياسية. ولكن يبقى السؤال كيف لقيادات العمل النضالي العلني في الداخل أن تؤدي دورًا يحقق أو يسهم بشكل كبير في تحقيق ذلك الردع؟

على هدي النقاط التي تم التطرق إليها بالجزء الأول من هذا المقال، فإننا نقول انه وعلى الرغم من الطبيعة العلنية للنضال في الداخل عام 48، إلا انه من قال إن هذا بالضرورة يعني أن تعرف المخابرات الإسرائيلية عن الحركات السياسية بالداخل وعن قياداتها أحيانًا كثيرة أكثر مما يعرفونه هم أنفسهم؟

ومن قال إن معرفة المعلومات المتوفرة عن الدولة التي تقوم بقمعنا وظلمنا، وتجميعها ودراستها من أجل تطوير الأداء المؤثر الوطني، هي أمر غير ذات أهمية نضالية؟ أو غير ممكن! فتجميع الكثير من المعلومات الضرورية لبناء خطط نضالية منهجية ودراستها، فيه ما يحول العمل النضالي من دائرة رد الفعل إلى الفعل المنهجي المؤثر. 
وما المانع في البحث والتباحث مع باقي القوى المناضلة في البلاد وخارجها عن التطوير الممكن لأساليب النضال بالأخذ بعين الاعتبار واقعنا.

ولا يقل أهمية من كل ما ذكر السعي الحثيث والدائم والجدي لتحقيق اكبر قدر ممكن من الوحدة على أساس ما ذكر، من فهم للطبيعة العدوانية لإسرائيل تجاه شعبنا. ومن نفس المنطلق يجدر التعامل إيجابيًّا وبكل التقدير والاحترام مع الشهداء وأهلهم، بحيث يرى الأهل والقريب والبعيد أن الشهيد قد رفع من مكانة أهله ووفر لهم ما لم يتوفر لغيرهم من إمكانات ومساعدات ورعاية، فهو قد استشهد وابني وابنك وأخي وأخوك وأختي وأختك بقوا على قيد الحياة.

وكما أننا بحاجة للوحدة كأحد أهم عناصر قوتنا، فإننا بحاجة للاستفادة من الثروة البشرية الغنية التي يزخر بها شعبنا. فهل كان لأحد أن يتخيل بعد الحرب المجرمة على غزة أن تحظى فتاة فلسطينية من غزة، هي أريج محمود المدهون، والتي لم تبلغ الرابعة عشرة من عمرها بالمرتبة الأولى في مسابقة حساب الذكاء التي أقيمت في ماليزيا وشاركت بها 10 دول، ولتأكيد غنى هذا الشعب العظيم أتت دانيا حسني الجعبري من الخليل بالمرتبة الثانية، ولؤي مروان الحمارنة بالمرتبة الرابعة، وعبدالله علي النجار من خانيونس بالمرتبة الخامسة، والمرتبة السادسة كانت كذلك من نصيب زهير اليازوري من رفح!

ولمن لا يعرف فان اصغر عالم رياضيات في العالم هو براء إبراهيم شراري ابن الثمانية أعوام الفلسطيني، والذي حظي عن جدارة بهذا اللقب بعد أن ثبت للعلماء في بريطانيا، انه تمكن من إثبات نظرية جديدة في الرياضيات لم يسبقه إليها احد! كما أن يحيى كايد أبو جويعد، من قرية المجد جنوب دورا الخليل 12 عامًا هو اصغر طالب جامعي في جامعة الخليل، لبراعته في الرياضيات. وغيرهم كثيرون نحن بحاجة إلى قيادة وطنية تضمن عدم تبديد وضياع مثل تلك الثروة من ناحية، ومن ناحية تدرك أهمية الاستفادة منها.

والنجاح في تحقيق أهدافنا وبرامجنا سيكون من نصيبنا، إن استطعنا أن نطور عقلاً جماعيًّا يسيطر فيه فكر "النحن" وليس فكر "الأنا"، ويدرك من خلاله عظم الفائدة التي ستكون من نصيب كل فرد منا. يجب أن نودع عقلية الاستجداء والقبول بالقليل خوفًا من أن لا نحصل على أي شيء. ذلك أن من يتجنب المخاطرة يكون في خطر اكبر من ذلك المستعد لها بوعي المعقول. وان نحقق ما ذكر أعلاه لهو معقول ومعقول جدًّا، إذا أعملنا عقلنا بمنهجية تعتمد على ذاكرة حية، ولا ندفن رأسنا في التراب كالنعامة عند المواجهة.

مثل هذه المنهجية حيوية لبقائنا لأننا نواجه عنصرية وعداء ممنهج. علينا أن نسأل أنفسنا بصدق وبعد دراسة، هل تزيد الفائدة على الضرر اللاحق بنا جراء اندماجنا في الحياة السياسية والاقتصادية، لدوله ترفع شعارًا معناه الضمني انه لا يجوز لنا في يوم من الأيام أن نصبح أكثرية في هذا البلد. لم يكتب هذا المقال بشقيه ليرسم المخطط التفصيلي لعملية الرقي بالمستوى النضالي، لكنه يوفر أهم الأسس التي يمكن البناء عليها، من قبل لجان تشكل خصيصًا لتحضير مخطط كامل استنادًا إلى ما ذكر، لوضع منهجية نضالية وخطط عمل نضالي تكون أكثر إيلامًا وردعًا لعدو"جاء يبغي مصرعي". ومن سار على هذا الدرب وصل.

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net

مقالات متعلقة