الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الثلاثاء 23 / أبريل 21:02

"سنعود بعد قليل" .. هل يحقق وعده ويعود؟!/ بقلم: زياد شليوط

كل العرب
نُشر: 04/12/14 11:51

زياد شليوط في مقاله:

صحيح أن القصة مأخوذة عن فيلم ايطالي بعنوان "الجميع بخير" لكن المؤلف ضمنها موضوع القتال داخل سوريا وتأثيره على العائلة السورية

تابعت خلال الشهر الأخير حلقات مسلسل "سنعود بعد قليل" الـ 25 على عكس ما اعتدناه من المسلسلات العربية التي تصر ألا تكون أقل من 30 حلقة. "سنعود بعد قليل" هو مسلسل سوري درامي اجتماعي انتاج عام 2013، تأليف رافي وهبي عن قصة الفيلم الإيطالي "الجميع بخير"، إخراج الليث حجو وبطولة الفنان القدير دريد لحام. يرصد المسلسل المشاكل الاجتماعية، والأخلاقية التي يعاني منها الأشقاء الستة، أبناء نجيب (دريد لحام)، كما يرصد المسلسل الأزمة السورية الراهنة، من زاوية إنسانية و تأثيرها على مسارات حياة الأبناء. وكان مصدر اهتمامي بالمسلسل الذي عرض في رمضان من العام الماضي، ما سمعته عن المسلسل، ولأن دريد لحام يقوم ببطولته بالأساس.

المحور الاجتماعي – العائلي
تدور أحداث المسلسل في إطار اجتماعي، ونعرف منذ البداية أن نجيب (دريد لحام)، بقي في بيته في الشام، بينما غادر أبناؤه الستة الى لبنان مع بداية الأحداث الداخلية في سوريا. وبعدما علم بأمر مرضه، يقرر مغادرة منزله في دمشق والسفر الى لبنان ليزور أبناءه كل على حدة، ليودعهم ويطمئن عليهم قبل وفاته. وتكون الصدمة الكبيرة بالنسبة لنجيب ليس مرضه، بقدر ما تكون أن أولاده بعيدون عن الحياة التي اعتقد أنهم يعيشونها أو تفانى في تربيتهم عليها، ويتظاهر بأنه لم يفهم ما يدور في حياتهم لكنه وعندما يغادر بيت كل واحد منهم، يلسعه بعبارة موجزة تجعله حائرا في معناها ومرتبكا أمام والده، وكل يعده بما لا يضمر.

أبناء نجيب هم: سامي (عابد فهد)، هو الوحيد الذي يعيش في لبنان منذ فترة طويلة لأنه يحمل الجنسية اللبنانية، ويقترن بابنة زعيم سياسي لحزب قومي ويتكون لديه طموح سياسي كبير. فؤاد (قصي خولي)، رجل أعمال تتراجع حالته المالية اثر الأحداث، كريم (باسل خياط) يطمح لاكمال دراسة الماجستير وتسنح له فرصة العمل في احدى الفضائيات. ناجي (رافي وهبي) رسام يضطر لرسم لوحات مناقضة لمفاهيمه كي يعتاش. ديما (نادين الراسي) متزوجة من رجل أعمال يغيب عن البيت، وتبقى مع ابنتها الوحيدة. وفاء (تولين البكري) عزباء وتعيش مع صديقة لها في شقة يدفع ايجارها صديق يستغل أنوثتها.

كل واحد من الأبناء والبنات لديه مشاكله الداخليّة العائليّة التي تضعضع استقراره العائلي، والاتصالات بينهم مقطوعة إلا فيما ندر، وكذلك العلاقات الأخوية الأسرية منقطعة على عكس ما يجب أن يكون وتناقض التربية التي نشأوا عليها في أحضان "بيت العائلة" الذي كان يضمهم، وفي أجواء من المحبة التي غمرها بها أبويهم، وخاصة والدهم بعد وفاة والدتهم. وكم بالحري في حالة كحالتهم، في ظل الحرب الدائرة على أرض سوريا، وانتقالهم للعيش في لبنان، كان من المفروض أن تكون عاملا يجمع بينهم ويقرب بينهم، حتى لو كانت هناك خلافات، بدل أن تزيد البعد والجفاء غير المبررين بينهم، وخاصة فيما يتعلق بشقيقتهم الصغرى والعزباء. فهل يعقل في عائلة عربية شرقية، ومهما بلغت درجة الخلافات بين الأخوة، ألا يسأل أحد عنها أو يهتم بأمرها، ويسأل أين تعيش ومع من وكيف توفر أجرة الشقة؟

صحيح أن القصة مأخوذة عن فيلم ايطالي بعنوان "الجميع بخير"، لكن المؤلف ضمنها موضوع القتال داخل سوريا وتأثيره على العائلة السورية، ولا أظن جازما أن هذا الموضوع غير موجود في الفيلم الايطالي، وكان يحق للمؤلف أن يطور في هذا كما طور في نواح أخرى. فالعائلة السورية نجدها هنا مفككة، متنازعة، متباعدة الى حد القطيعة، ولا يصل بينها إلا "شعرة" الوالد، وحتى وهم يتواجدون حوله في المستشفى، تصل خلافاتهم حد التشابك بالأيدي ناهيك عن الصراخ واللوم المتبادل. وعندما يطلب حضورهم ليودعهم قبل وفاته، نرى أن كل ابن /ابنة منشغل/ة بأمر شخصي يمنعه/ا عن زيارة والده/ها، وتبقى امكانية حضورهم مفتوحة ولا ندري ان حضروا، لكن حتى لو حضروا فان والدهم توفي قبل أن يصلوا.

في هذه الحالة أرى أن وصف علاقة الأخوة ببعض في المسلسل ينتابها المبالغة، ولا أدري اذا كان هذا بتأثير قصة الفيلم. لكن ومهما لحق بالعائلة السورية من تفكك، وخاصة لدى العائلات المدنية (سكان المدن) وتباعدها، لكن ما زلت أظن أن المسلسل قدم لنا صورة متطرفة أو مبالغ بها عن ذلك النموذج من العائلات.

المحور السياسي- الوطني
يمكن ان نرى في شخصية الوالد (نجيب)، للاسم مدلول أيضا، أنه يمثل الوطن الأم سوريا. فهذا الوالد يعتقد صادقا أنه لم يخطيء يوما تجاه أولاده وقام بتربيتهم أحسن تربية، لكنهم لم يكونوا على توافق فيما بينهم، ولم يكونوا على قدر ما توقعه الوالد أثناء زيارتهم له، وهو ببراعته يخفي خيبة أمله منهم ويحاول جاهدا اصلاح ما يمكنه اصلاحه.
ولم يقف الوالد يوما ليسأل نفسه أين أخطأ، لأنه لا يظن انه أخطأ إلى أن تقابله السيدة، التي تظهر له أو تتراءى له في عدة أماكن وعلى الأرجح أنها متوفية، في الكنيسة وتطلب منه الاعتراف، لكنه ينكر أنه فعل شيئا خطأ في حياته مع أولاده أو مع أحد من الناس، فتسأله: ألم تفعل خطأ بحق نفسك؟ وهنا أجابها وفي عينيه نظرة تأمل للبعيد وربما للعمق أيضا: خلبطيني! أجل هنا حعلته ينظر لنفسه. وهذا يدل على ما ذهب اليه البعض أن سوريا الدولة ربما أخطأت الى نفسها، ولهذا رأينا هذا الانفلات الطائفي بعدما كنا قد ظننا كل الظن أن سوريا معافاة من الداء الطائفي، واذا بها لا تختلف عن غيرها، ووجدت فيها مجموعات من الناس التي اضطرت أن تخفي حقيقة توجهاتها، واذ عقال الطائفية يخرج من قلوبهم ويترجم في اعتداءات جسدية على جيران واصدقاء الأمس.

وهنا يطرح السؤال ألم تخطيء الدولة، كما أخطأ الوالد نجيب، في تربية أبنائها على القيم الصالحة، الوطنية، القومية وتذويت تلك القيم في نفوس مواطنيها عن قناعة، وليس عن اكراه أو ارغام؟

ان مسلسل "سنعود بعد قليل" وضع أسئلة تحتاج الى اجابات، وترك مواقف مفتوحة تحتاج الى تحديد وتوضيح. كما لمس الأزمة السورية في بداياتها ولهذا يجب على المخرج المبدع الليث حجو، بالأساس أن يستكمل ما بدأه، لأن الأزمة مرت في أطوار جديدة، منذ أن انتهى تصوير المسلسل. لكن مع وفاة الوالد، هل يمكن العودة وتنفيذ الوعد بأن "سنعود بعد قليل"؟

(شفاعمرو/ الجليل)

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكاركم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net 

مقالات متعلقة