الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 20 / أبريل 02:01

مَنْ خافَ أدلج/ مقال لمؤسسة حراء

كل العرب
نُشر: 13/12/14 14:46,  حُتلن: 16:16

أبرز ما جاء في مقال مؤسسة حراء:

لقد عمّت المعاصي البيوت وامتلأت العقول بالشبهات والشهوات التي باتت تحكم سلوكياتنا وتصرفاتنا

ما أجمل الحياة حين يكون ملؤها الحب و التسامح وما أجملها حينما يحمل الإنسان بين طيات قلبه العفئ والتجاوز عن أخطاء الغير فحينها تسود الألفة 

هو سراج القلب به يبصر ما فيه من خير أو شر. إذا سكن القلوب أحرق الشهوات منها، وطرد الدنيا عنها، ما فارق قلباً إلا خرب، والناس على الطريق ما لم يَزُل عنهم، فإذا زال ضلّوا الطريق. إنه الخوف .. وليس أيّ خوف !! انه الخوف من الله، الذي إذا خفته لم تهرب منه بل تهرب إليه، لتنعُم بالتضرع والبكاء والمسامحة. كلمة قالها هابيل بن آدم عليه السلام لما توعّده أخوه قابيل بالقتل " .. إني أخاف الله رب العالمين" إنها قمة التسامح والعفو والغفران بين الأخ وأخيه. كلمة قالها ذاك الرجل الذي وصفه النبيّ من السبعة الذين يظلهم الله في ظله له يوم لا ظل إلا ظله "ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: أنى أخاف الله "، قمة التسامح مع النفس ومعرفة الذات.

كلمة قالها إبليس عليه لعنة الله: "إِذْ قَالَ لِلإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ". ما أكثر مَن لا يخافون الله فيرتكبون المعاصي والكبائر، فإذا انتبهوا في لحظات قليلة ولسعتهم الذنوب انهالت سياط الخوف فتابوا وعادوا إلى الله يطلبون العفو والمغفرة، فروا إلى الله ليتمكنوا من مسامحة أنفسهم التي ذاقت ذل المعصية! فمعصية آدم سبقت اصطفاءه واجتباءه كما يبين كلام ابن القيم، وذلك حينما استفاد آدم من عبوديته لله فاعترف بذنبه فعفا عنه، وكيف لا يعفو وهو القائل:( وخُلق الإنسان ضعيفا)؟ وكان الكفل من بني إسرائيل لا يتورع من ذنب عمله فأتته امرأة فأعطاها ستين دينارا على أن يطأها ، فلما راودها على نفسها ارتعدت وبكت فقال: ما يبكيك؟ قالت: لأن هذا عمل ما عملته وما حملني إليه إلا الحاجة فقال: تفعلين أنت هذا من مخافة الله فأنا أحرى اذهبي فلك ما أعطيتك، والله ما أعصيه بعدها أبداً، فمات من ليلته فأصبح مكتوبًا على بابه: إن الله قد غفر للكفل، فعجب الناس من ذلك. إنه الخوف من الله الذي جعل ذاك الرجل الذي طلب من أبنائه أن إذا مات أن يحرقوه ويذروا رماده في يوم عاصف، فلما سأله ربه عما فعل، قال: مخافتك! ظلم نفسه في الدنيا وأذاقها صنوف الشهوات والملذات والمتَع، ظلم نفسه لما أبعدها عن طاعة الله، فكيف يسامح نفسه ؟!
الخوف من الله هو سمة المؤمنين وعنوان المتقين: ﴿إِنَّمَا ذَلِكُمْ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِي إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ (آل عمران175).

لقد عمّت المعاصي البيوت وامتلأت العقول بالشبهات والشهوات التي باتت تحكم سلوكياتنا وتصرفاتنا ... لماذا ؟ لعدم إنكار المعاصي جهلاً بخطرها أو خوفًا من الناس، تجاهلنا مبدأ الخوف من الله، ومَن لا يخاف الله ماذا ننتظر منه ؟!! إن الذين أسرفوا على أنفسهم ويئسوا من روح الله إذا أرادوا التوبة والأوبة إلى ربهم فالرجاء في رحمة الله تعالى والأمل في عفوه هو العلاج الناجع بإذن الله تعالى ﴿قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ (الزمر53) الخوف من الله كالشجرة إن زرعتها لتقوّم نفسك ولتبقى على جادة الحق أثمرت بإذن الله، وهذه بعضٌ من ثمراته:
1. ترويض النفس على الجود: ﴿إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا* إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا ﴾ (الإنسان).
2. الخوف من الله تعالى يصنع الرجال: ﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ * رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ ﴾ (النور).
3. في ظل عرش ربك يوم القيامة "ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله".
4. خشية الله من أسباب المغفرة: " عبدي، ما حملك على ما صنعت؟ قال: خشيتك يا رب. قال الله تعالى له: قد غفرت لك".
5. الطريق إلى الجنة: فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من خاف أدلج ومن أدلج بلغ المنزل، ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة" (رواه الترمذي).

أنه الخوف الذي يجعل النفس تتصالح مع الله لينجو صاحبها من غضبه، سأل عقبة بن عامر يومًا رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما النجاة يا رسول الله؟ "قال: أمسك عليك لسانك، وليسعك بيتك وابك على خطيئتك". ما أجمل الحياة حين يكون ملؤها الحب و التسامح، ما أجملها حينما يحمل الإنسان بين طيات قلبه العفئ، التجاوز عن أخطاء الغير، حينها تسود الألفة، والود الذي نحن في أشد الحاجة إليه. الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ" لنعفو ونصفح ونغفر زلات بعضنا لأننا نخاف الله. ولأهمية هذا الموضوع فإن عمل المربين في المراكز القرآنية في مؤسسة حراء قائم على بث روح التربية وبث هذه القيم العظيمة في نفوس طلابها، وذلك من خلال البرامج والمناهج لمختلف الأجيال، صغارًا وكبارًا، ذكورًا وإناثًا.

مقالات متعلقة