الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الثلاثاء 23 / أبريل 11:02

من أجل يسار فعال في الشرق/ بقلم: توفيق نجار

كل العرب
نُشر: 14/12/14 12:55,  حُتلن: 13:25

توفيق نجار/ طالب في معهد الهندسة التطبيقية - التخنيون في مقاله:

ملاءمة الماركسية للسياق الشرق أوسطي تتطلّب تجديدًا ولن تكفي بدون إضافات، لأن الصورة الدقيقة للمجتمعات العربية قبل مئة عام (عندما أُقيمت الاحزاب الحديثة) في الشرق لا تشبه صورة مجتمعات اليوم لا من حيث البنية المجتمعية ولا من حيث التأثيرات والعوامل الخارجية

يجب برأيي تحييد الثنائيات عن الممارسات السياسية الحزبية والسياسية العامة والاجتماعية والمقصود ثنائيات مثل (ديمقراطية - استبدادية) (اشتراكية - رأس مالية) (دينية - علمانية). لأن هذه الثنائيات ان بَقِيَت كما هي فلن تصل بصورتها الصحيحة الى المُتلقي الّا اذا كان أيديولوجيًا صميميًا أمّا اذا أضيفت لها أبعاد سهلة فهذا يتيح حيّزًا أوسع أمام المتلقي بأن يستقبلها ويقتنع بها

هناك انسجامٌ واضح بين المساعي الامبريالية الامريكية ومصلحة اليمين الاسرائيلي ومصالح الانظمة العربية الرجعية في بقاء حالة الشرق كما هي. وهذا الثالوث يستفيد من ممارسات حركات الاسلام السياسي المتطرفة في الترويج لنفسه وتثبيت هَيمنته. فاليمين الاسرائيلي يبعد شعبه عن فكرة المطالبة بسلام دائم، ويخوِّف المواطنين اليهود من العرب والمسلمين، ثم يزيد التقاطب عند الشعبين وهذا يفيده أيدلوجيا وانتخابيًا. أمّا الانظمة العربية فتأخذ من مذابح الحركات التكفيرية غطاءً "اخلاقيا" لمحاربة من يعارضها وتقضي بواسطة هذه الحركات على اي يسار شعبي أو أي حركة ديمقراطية صميمية ممكن أن ينبتا. وامريكا هي ام هذه الفكرة فقد احتلت افغانستان ومن بعدها العراق (والحبل على الجرار؟) وكل هذا فقط بحجة محاربة الارهاب، وتخطط دائمًا كي تبقى في المنطقة من أجل الحفاظ على مصالحها. ناهيك عن ان مجرد انتشار الفكر السلفي والأصولي بين الناس يعني تنويمًا مغناطيسيًا للشعب العربي يكبحه عن التقدم والتطوّر.


كل هؤلاء يسيطرون على المنطقة واليسار غائب عن الصورة. فهل يحتاج الشرق الاوسط الى فكر يساري ممأسس في حَركات وأحزاب قوّية؟ هذا سؤال عام ممكن ان نطرحه في أي وقت، ولو طُرِح قبل عشرين سنة أو اليوم أو بعد عشرة أعوام سيكون جوابه "نعم"، لأن اليسار وفقط اليسار هو الذي يصوّب الى العدالة الاجتماعيّة وهي القضيّة الأساسيّة في حياة أغلبيّة الناس وهي جوهر الديمقراطية الحقيقية، ويعبر بهذه الواسطة الى الجمع بين الفئات المختلفة دينية كانت أو قوميّة... فيلمس صميم قضايا الشرق، لكن ما تمر به المنطقة من حروبات ونزاعات وقتل ودمار وفقر في هذه الفترة يجعل التوقف عند هذا السؤال برأيي ملحًِّا الآن بالذات اكثر من اي وقت مضى، وذلك لعدة أسباب، أهمها؛ اليسار هو الضمان الوحيد لتحقيق حوار جدّي بين الفئات والدول المتنازعة، وقادر بنفس الوقت على تحقيق شيء من العدالة الاجتماعية بعد هَوْل الحروب وما ستخلِّفه من فقر ودمار.
فكيف بإمكان اليسار الضعيف أن ينبُتَ من جديد في الشرق؟ قبل الإجابة المباشرة لا بدّ من تشخيص الماضي القريب توطئة لمحاولة الإجابة على السؤال. فهذا الثالوث: "أمريكا، إسرائيل، الانظمة العربية الرجعية" كان له دور في دفع الاسلام السياسي والحركات المتطرفة، وفي إضعاف اليسار الشعبي، لأن نشاط الاسلام السياسي يتوافق ومصالحه، (حتى لو اختلف هذا الثالوث فيما بينه خلال العامين الاخيرين حول الزمان والحد الذي يجب ان تتوقف هذه الحركات عنده). بالإضافة الى الثورة الايرانية التي شجعت المد الاسلامي. وقد يكون مصطلح "اسلام سياسي" مصطلحًا واسعًا فيه عشرات الانماط تراوح بين معتدل ومقاوم بطل حتّى تصل الى مجرم وآكل للحوم البشر، لكن كل من هذه الحركات في سياق المكان الذي ينشط به يُعدُّ كما قلت اداة حادة تفيد مصالح "الثالوث الدنس" في الحفاظ على الاوضاع القائمة وطعن قدرة اليسار بأن يشجع الفئات على الحوار لتطوِّر آليات ديمقراطية بنّاءة تنهي الحروب والانقسامات.


هنالك أسباب سياسية واجتماعية ذاتية أضعفت اليسار ومهدت الطريق أمام الإسلام السياسي، منها برأيي:
أ. الذهن العربي مشحون بدلالات سلبية ووهمية ومشبوهة عن اليسار كارتباط الشيوعية والاشتراكية - بالإلحاد والكفر (ومعظم العرب مسلمون مؤمنون).
ب. إرتباط اليسار بالتجربة السوفييتيّة وحلفائها التي شُوِّهت صورتها بالشرق تحت تأثير الدعاية الغربية خصوصًا خلال العَقدين الاخيرين بعد الانهيار.
ج. ارتبط اليسار بمواقف غير شعبوية مثل الموافقة على قرار التقسيم (1947) أو معارضة الوحدة المصرية السورية (1958)، بغضّ النظر عن صحة الموقف أو عدمه.
د. اعتماد الحركات اليسارية على الدعم السياسي والمادي الخارجي وهذا قد شح في أوائل التسعينيات، وعدم قيامها بتطوير المفاهيم والمنطلقات السياسية والايدولوجية بطريقة تلائم مقياس الشرق العربي.
هـ. كل الأسباب التي ذكرت تُشكل نقاط قوة بالنسبة للإسلام السياسي لأنه جوابٌ مضاد للإلحاد وغير مرتبط بتجارب عالمية (لها ما لها وعليها ما عليها) بل ان تاريخه يرتبط مع الشرق العربي وأمجاد الدولة الاسلامية، كما ان الاسلام السياسي مرتبط برموز دينية اسلامية عربية مثل الرسول العربي والخلفاء الراشدين، امّا الفكر اليساري مرتبط بأجانب مثل ماركس وانجلز ولينين.
و. غياب الديمقراطية وثقافة التصويت في القُطر العربي خلال أربعة عقود مضت أدّى الى عدم امتلاك الجمهور ثقافة سياسية تمكنه من الاختيار وفق البرنامج الذي يجيبه على مطالبه.
ز. كل هذه الأسباب ترتبط بشكل مباشر مع الثقافة ومع نمط المجتمع (مدني أم ريفي) (فردي أم قبلي أو عائلي) وهذا ما اثبتته الانتخابات الأولى التي جرت في مصر بعد الثورة فقد حصد المرشح الناصري اليساري حمدين صبّاحي أكثرية في المدن الكبرى؛ القاهرة والاسكندرية، وفي أوساط العرب داخل اسرائيل مثلًا تصوّت المدن العربية الكبرى (الناصرة وحيفا وشفاعمرو) بأغلبية ساحقة لحزبٍ في أقصى اليسار، وهذا ايضًا في الوسط اليهودي فتكمن قوّة اليسار واليسار الصهيوني في مركز البلاد وقوّة اليمين في المناطق البعيدة والحدودية حيث يوجد توتر.


إذًا كيف يتجاوز اليسار أسباب الضعف، كي ينهض؟ برأيي هناك اقتراحات تفيد بهذا:
أوّلًا، (التشريق): يجب إعادة ترتيب الماركسية بطريقة تلائم واقع الشرق الأوسط بأغلبيته العربية، وهذا يُوجِب فصلها عن تجارب الماضي وما زُرعَ عنها من أفكار في أذهان الشرق أوسطيين.
ثانيًا، (الإضافة): إن ملاءمة الماركسية للسياق الشرق أوسطي تتطلّب تجديدًا ولن تكفي بدون إضافات، لأن الصورة الدقيقة للمجتمعات العربية قبل مئة عام (عندما أُقيمت الاحزاب الحديثة) في الشرق لا تشبه صورة مجتمعات اليوم لا من حيث البنية المجتمعية ولا من حيث التأثيرات والعوامل الخارجية.
ثالثًا (التحرر من الثنائيات): يجب برأيي تحييد الثنائيات عن الممارسات السياسية الحزبية والسياسية العامة، والاجتماعية، والمقصود ثنائيات مثل (ديمقراطية - استبدادية)، (اشتراكية - رأس مالية)، (دينية - علمانية). لأن هذه الثنائيات ان بَقِيَت كما هي فلن تصل بصورتها الصحيحة الى المُتلقي الّا اذا كان أيديولوجيًا صميميًا، أمّا اذا أضيفت لها أبعاد سهلة فهذا يتيح حيّزًا أوسع أمام المتلقي بأن يستقبلها ويقتنع بها.
رابعًا (التمَيُّز): بعد الانهيار فقد اليسار علاقته مع معسكر عالمي قوي. وخلال العقدين الأخيرين ضاع منه التمَّيُز وزادت هيمنة الثقافة الغربية على حساب ما كان يتمَيّز به اليسار من حيث الدعم الذي حظي به من المعسكر الاشتراكي، بدْءًا من التثقيف والمنح والدعم المادي وصولًا الى الامل الذي كان يسوّق الى الناس. لهذا على الاحزاب اليسارية اعادة ترتيب نفسها امميًا بحيث ترتبط ماديًا واجتماعيًا واعلاميًا، كي تقف في وجه هيمنة الغرب. وهذا متاح الآن بالذات خصوصًا أن هناك أحزابا يسارية قوية وحديثة في امريكا الجنوبية مثلًا، وهناك انسجام بَين مصلحة اليسار وبعض الدول الكبرى الاخرى مثل البرازيل والهند والصين.
خامسًا (الإعلام): لا يمكننا الحديث عن التميّز وعن هيمنة الغرب دون التطرق الى الاعلام. فانجح البرامج التلفزيونية في الشرق هي برامج مستوردة من الغرب، والافلام الاكثر مشاهدة غربية، وكذلك مواقع الانترنت المُسيطرة، حتّى العاب الاطفال. بالمقابل عدد الصحف اليسارية العربية يعد على اصابع يد واحدة ويكاد لا يوجد عند اي حزب يساري محطة تلفزيون ولا ابطال ولا قصص تصل الى الجمهور. باختصار على اليسار ان يحسّن إعلامه وان يبني خطةً متكاملة - تبرز رموزه وابطاله وافكاره.. خطة اقليمية او عالمية كي يصل الى الافراد والى البيوت... وأن يواكب سرعة العصر.
ومهم ان نذكر أنه في اغلب مجتمعات الشرق هناك مجموعتان كبيرتان الأولى قريبة من الدين الاسلامي واسباب ابتعادها عن اليسار ذكرناها ومعروفة، والثانية هي المدنية الأبعد عن الدين وهي التي تتعرض لكل هذه - الميديا الغربية - فيتربى الفرد فيها منذ الصغر على الثقافة الغربية حتى تهيمن افكار الاستهلاك ورأس المال على هذه الفئات.
أقدّم هذه المساهمة - من أجل يسار فعال في الشرق - إلى حزبنا الشيوعي عشية مؤتمره الاستثنائي السابع والعشرين، وهو القادر بحكم موقعه الحساس ومكانه المميز في الخارطة السياسية، على تقديم إجابة جريئة يبدأ منها نهوض اليسار.

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net

مقالات متعلقة