الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 25 / أبريل 17:02

رشوح ابتسامة/ قصة قصيرة بقلم: هدى ناصر

كل العرب
نُشر: 31/12/14 09:20,  حُتلن: 07:41

ترنحت خلاياها المصفوعة متهاوية من احتقان الالم ... ارسلت اشارتها الى الدماغ لتخرج آنات متكومة على الاوتار الصوتية ... تذرف دموعا صامتة تنسدل شاقة طريقها في الخد الاسيل ... تتقيئ زفرات حارة تتلقفها الجدران واجمة ... تتحسس لطخات حمراء على جلدها الحليبي ... تجمع شعرها المنزوع وتكومه ... قامت تتكأ على اطرافها المتقلصة بعد جرعات اللكم والضرب ...
ترقبه بعينيها المغروقتان بالدموع وهو يصفف شعره الى اعلى ويرتب هندامه ويستعد للخروج فيما يقذفها بأقذع الكلمات التي علقت بذهنها أدرانا عنيدة لا تختفي ... شيعته الى الباب عاجزة عن حمل قهرها و رغبتها برؤيته ينسحق ويتفتت ...
تنشطر حيرة واشمئزاز من عنجهيته ... لماذا يظن ان كان اكبر واقوى وذا عضلات منفوخة ان بوسعه ان يفعل بها ما يشاء ؟؟ ان امها لم تلدها ليستعبدها اخوها من نفس الام !!
يختبر عليها قدراته واحماء لليلته الصاخبة ...
تحاول قمع طوفان غضبها المتسرب من بين اصابعها التي تضغط بقوة في الهواء وتلجم خيالها الذي يصورها ويحرك يديها تخنقه ...
تشعر بروحها متآكلة من الحقد والكره المدفون الذي يشوه طبيعتها الوديعة ...
انه ينتقم من هذه الحياة في شخصها وكأن الدنيا انحصرت في انثى هي اخته ، يصب عليها جام سخطه على قدر وضعه في عائلة فقيرة عاجزة عن توفير ابسط احتياجات شاب مثله .
غمرها احساس بالشفقة لام تكد ليل نهار لتوفر لقمة لها وله و لابيها الراقد بلا ساقيين بعد ان التهمتهما الغرغرينا .
رغم اساءة ابيها لامها الا انها لم تتخلى عنه ، كم هي طيبة ،يا للنساء كم يغفرن ، طرق اذنيها عويل امها ونشيجها فيما ابوها ممعن في ضربها تختبئ هي واخوها في الزاوية تلتصق به بينما تسد اذنيها بيديها ، كان ذلك منذ امد بعيد وانتهى بسقوط ابوها اسيرا للسكري وتعفن قدميه وساقيه اللتان لا شك اصابتهما العدوى من تعفن روحه ...
تذكر جيدا كيف قلب اخوها حياتهم جحيما بعد ان رفضت امها ان تشتري له سيارة خاصة به فاضطرت ان تشنق نفسها بالديون . تتعجب ، من اين يأتي اخوها بالمال فبعض القروش التي يأخذها عنوة لا تكفي لكل الاضافات التي وضعها على سيارته ولا لاحذيته الفاخرة ولا حتى لاحد عطوره ولا لهاتفه المتطور تساءلت من اين يأتي بالنقود ليصرف على سهراته ومجونه على ما يشرب ويتعاطى وقفت عند يتعاطى ، تقشعرها الكلمة انها موقنة انه يتعاطى ، عينيه المحمرتان الزائغتان وحالة الاكتئاب التي تصيبه كلما استيقظ ظهرا تؤكد ذلك...
فاجأها كثيرا طلبه منها بالأحرى امره ان ترتدي "المنديل" ان واحدة من اخواتها المتزوجات لم تتحجب فلما يخطر هذا على باله ، هل تغير ؟ معقول ؟!!
فرحت لما وصلت ارتدته تحت ارهاب يديه دون تردد رغم امتعاضها ، لكنها اكتشفت بعد ايام ان هذا لم يكن سوى شكل اخر لسيطرته وساديته ورغبته في اثبات هيمنته لا اكثر .
فاضيقت بناطيلها تبرز قدها الرشيق وانحسرت الشال عن عنقها البض .
اكثر ما تخافه اقتحام الشرطة بيتهم من جديد الا يكفي ما يجر عليهم اخوها من مصائب ... لا تدري كيف اندفعت سيول خوفها تجز الكلمات عن فاهها ، تجمدت حين رأتهم ، اراها واحد منهم ورقة ودلف البقية مدججين بأسلحتهم الى البيت، لم تستطع الاجابة او السؤال اسعفها هروع امها ، بدأوا في تفتيشهم لم تكن تتصور ان هذه العملية تتم بهذه الهمجية لم يبقى شئ مكانه بالاصح لاحظت تعمدهم في الا يبقى أي شئ مرتب وهم ينفلون الخزائن ويرمون كل شيئ كادت ترتمي على اقدامهم ترجوهم تتوسلهم الا يفعلوا ان ما يفعلونه بدقائق ستستغرق اياما في ترتيبه الا ان كرامتها الجمتها، هذا كان لاشئ مقابل اول مرة يعتقل فيها ، هذه المرة لم تكن اسلحتهم مختبئة في بيوتها انما مشهرة في وجهها، كادت تبول على نفسها من الفزع، وضعوا في يديه الكلابش و جروه الى المخفر، سهرت مع امها طوال الليل الى ان غلبها النوم و استيقظت في الصباح لتجده في البيت يشخر ! تكرر المشهد ومع الوقت اعتادت عليه.
المدرسة المكان الثاني الذي تكرهه ، هناك تمارس عذابا من نوع آخر تضطر ان تختلط بزميلاتها وتلبس ثوب المجاملات المقرف والمداراة سرعان ما تقرر تمزيقه و تنكمش .
ما يحزنها فعلا ويؤلمها اكثر نفور زميلاتها منها و عدم تقبلهن انطوائيتها و نعتها بالبليدة ، متلبدة الحس والاحساس ... لا تنفعل لانفعالهن و لا تفرح لأفراحهن التي بنظرها اقرب لأفراح طفولية ، عذرتهن ماذا عساهن يعرفن عنها ، هل يعرفن ان احساسها يقبع تحت تخثرات الالم و ان القسوة هي حياتها وان الانثى حين تمتهن اهانتها تفقد رقتها المعهودة ...
اغلقت الباب ورائه ومسحت دموعها وبعد لحظات سمعت اصوات طلقات نارية بعيدة ، هزت رأسها بأسى و تمتمت:
- لا يمكن ان يمر يوم دون هذه السمفونية الكريهة
انقضت على ذلك العالم الكبير الصغير تفرغ طاقات مهانتها، تريح نفسها الجريحة ،الباهتة من رثاثة التعامل وقسوة الحياة ..
فتحت حسابها على الفيس بوك ووجدته "اون لاين" ... لقد اتفقت مع "شب رومانسي"(1)
على موافاته الان .
تذيبها كلماته المنمقة والمختارة بعناية تضحكها نكاته الطريفة وحديثه المسلي ، تحلق في فضاء اخر بعيد عن السب والضرب والخدمة والمدرسة تشعر بانها اميرة ويعود لها احساسها بانسانيتها وتتفل الحقد والدموع تتخيله فارسا من نجوم المسلسلات المدمنتها ، تتخيل نفسها تتوسده و تدغدغ انامله خصلات شعرها...
لم تستطع التحكم ووجدت نفسها مغرمة به ، تقرأه عبر الكلمات فقط ...تعرف مرحه وضحكه من حرفين ، تخبر غضبه من حرفين ايضا اخيرا وجدت شيئا يستحق العيش لاجله تنتظر بلهفة انتهاء اليوم تنتهي بسرعة من فروضها المدرسية والمنزلية وتتمنى استعجال اخيها لينتهي من نوبته ويخرج ليكون بمتسعها ان تحادثه .
مرة فقدت السيطرة على ارادتها بعد ان تناولت علقة ساخنة لتؤخرها عن كي ملابسه ، وقامت اصابعها تحدثته عن اخيها و تخط مأساتها ، ابدى حمية شديدة وكتب لتقرأ اهتمامه :
- فقط لو اعلم اين انت ، لكنت لقنته درسا لن ينساه ، الا يعلم الجوهرة التي يشوهها بدنس يديه ؟
ضحكت رغما عنها وكتبت :
- الم يحن الوقت لتأتي و تلتقطها وتخبئها هناك بعيدا بعيدا في صدرك ؟؟
- رجوتك ان نتعرف اكثر و انت من رفض ...
يومها ردت :
- انا امزح فقط ... انا مكتفية هكذا .
مكتفية ! هل هذا حالها فعلا حين تتباهى احدى زميلاتها بخطوبتها من حبيبها و ترفع يدها عاليا ليبان الخاتم الذي يقيد بنصرها .
كم تود ان يقيد بنصرها هي الاخرى بخاتم الذهب منه هو " حبيبها " الشخص المفترض الذي تحبه دون ان تراه وينقذها من براثن اخوها ليوقعها في شبكة احضانه و تلوذ به من العالم باكمله.
ما الذي يمنعها اذن ؟ ، انها تخاف سمعت الكثير عن استغلال لعاطفة الفتيات وابتزازهن لا تريد ان تكون ضحية جديدة ، تود ولكن خوفها يقمعها دائما واخوها لو علم سيذبحها بلا شك، لذا قررت انها مهما كانت بحاجة، الأمر لا يستحق المخاطرة ...
فوجئت بجملة تغطي الشاشة ... جملة تضخمت لتقع بثقلها على رأسها ، جملة بعثرتها، نثرتها بقسوة، حطمتها على صخر الواقع بعد ان حملتها امواج الوهم :
" هذا الحساب غير موجود "
لقد محى حسابه ولم يعد موجودا هكذا تلاشى من حياتها ،كسراب رحل
لا تصدق لا يمكن لقصتها معه ان تنتهي هكذا، كيف ستصبر على حياتها القادمة دون امل ؟ دونه هو ؟ احست بدوار فظيع يضمها في دوامته .
لم يمضي على خروج اخوها سوى ربع ساعة حتى انتشلها طرقا عنيفا على الباب ، فزعت واستغربت من سيطرق الباب في مثل هذه الساعة ، اسرعت تغلق كل شيئ وتمحو أي دليل يمكن ان يمسكه عليها تحاملت على نفسها لتفتح الباب :
- اهلا عمي
قالت وهي تضع ابتسامة سرعان ما تبخرت في ظل وجومه وتقطيبه
- " اخوك انقتل "
بهتت تدافعت سيول اللافهم حدجته بنظرة بلهاء فارغة دون ان يهزها شئ ، تزاحمت مئات الاسئلة ولكنه اكمل بسرعة :
- " انطخ على الشارع الرئيسي"
لم تستيقيظ على نفسها الا وقد كان عمها ذهب منذ زمن بعيد بعد ان القى خبره ،اسرعت الى امها تردد ما سمعته كالببغاء .
ادركت في اللحظة التي رأت امها تولول وتلطم خدها ان مصيبة حدثت...
عندما ذهبن لالقاء النظرة الاخيرة عليه وهو مسجى على الارض ملفوف في البياض تكشف لها كل شئ سقطت الحقائق امام ناظريها وادركت حقيقته الكاملة، انه يستحق القتل ...
لم تستطع حجب الابتسامة التي طفت على شفتيها، ابتسامة واسعة راشحة بالمعاني ...

طيرة المثلث

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكاركم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net

مقالات متعلقة