الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الأربعاء 24 / أبريل 23:02

خطاب نتنياهو من الوقاحة إلى فرض أجندة بالقوة/ ب.جوني منصور

كل العرب
نُشر: 04/03/15 08:47,  حُتلن: 13:20

جوني منصور في مقاله:

 السياسة الامريكية الحالية وقد تكون اللاحقة بدأت تدرك أن المشروع الصهيوني أصبح على مقربة من نهايته الحتمية

 خطاب نتنياهو لم يأت بجديد بالمرة بل أثبت مدى عقم فهمه للمتغيرات الحاصلة في شبكة العلاقات الدولية في الآونة الأخيرة

سلوك نتنياهو يندرج تحت باب الوقاحة السياسية والأخلاقية التي اعتاد عليها هذا السياسي الذي يعتقد أن الاستمرار بالوقاحة سيؤثر على القرار الامريكي ويحدث فيه تغييرا جذريا

 بالنسبة للدول العربية فإن موقف الرئاسة الامريكية يجب ان يكون عاملا مساعدا لأخذ الأمر باليد اليمين والانطلاق نحو تدعيم العلاقات مع الولايات المتحدة الامريكية من منطلق النظرة الجديدة في المصالح

بالرغم من التحذيرات المتكررة من طرف سياسيين امريكيين واسرائيليين وغيرهم بخصوص إلغاء سفر نتنياهو لإلقاء خطاب أمام مجلس الكونغرس الامريكي. إلا أن نتنياهو لم يأبه بكل الأصوات التي وجهت إليه، بما فيها صوت الرئيس اوباما ومسؤولين في البيت الأبيض.
إن سلوك نتنياهو يندرج تحت باب الوقاحة السياسية والأخلاقية التي اعتاد عليها هذا السياسي الذي يعتقد أن الاستمرار بالوقاحة سيؤثر على القرار الامريكي ويحدث فيه تغييرا جذريا.
إن الوقاحة الاسرائيلية ليست مسألة جديدة العهد، لكنها بلغت مستويات غير مسبوقة في التحدي الذي أظهره نتنياهو للرئاسة الامريكية، وخاصة للرئيس الامريكي اوباما.

أنا لست من المدافعين عن السياسات الامريكية في العالم ولا في الشرق الآوسط، فهي سياسات توسعية استعلائية استعمارية واضحة. ولست من المدافعين بالمرة عن اي رئيس امريكي كان، ما دام هذا الرئيس وغيره يناصر دولة احتلال كإسرائيل. لكن بين هذا الموقف الواضح وبين الوقاحة الاسرائيلية تقف مسألة واحدة في وجه صُنّاع السياسات الامريكية: هل لا زالت اسرائيل تؤدي الرسالة التي من اجلها تم تأسيسها في قلب هذه المنطقة منذ عقود طويلة؟ أو بطريقة اخرى هل لا زالت اسرائيل تروج للبضاعة الامريكية الاستعمارية والمهيمنة في المنطقة والمستخدمة لأدوات القمع السياسي والثقافي والعسكري والاخلاقي؟

باعتقادنا أن السياسة الامريكية الحالية، وقد تكون اللاحقة، بدأت تدرك أن المشروع الصهيوني أصبح على مقربة من نهايته الحتمية. وأن السياسة الامريكية تدرك تمام الادراك أن الاستمرار بنفس النهج تجاه ايران لم يجد نفعا في السابق والآن. لهذا رأت الادارة الامريكية أنه من الضروري الدخول في حوار مع ايران. ايران ليست دولة سهلة الخنوع وغير مستعدة لتقديم طقوس الطاعة والخضوع للامريكان، كما يفعل زعماء عدد كبير من الدول العربية في المنطقة على وجه الخصوص. اثبتت السياسة الايرانية سيرها في طريق واضح وصريح دون التنازل عن اي خطوة من خطوات تطوير قدراتها التكنولوجية والعلمية والنووية. وبيّنت ايران انها دولة عظمى اقليميا وعالميا. وبينت أيضا ان اسرائيل لا يمكنها الاستمرار في لعب دور الشرطي في منطقة الشرق الأوسط.
هذه الجوانب، وغيرها كثير، ومنها ادراك الولايات المتحدة ان فشلها في افغانستان وفي العراق وفي اخضاع النظام السوري لهيمنتها، كلها مؤشرات ودلالات قاطعة على ضرورة تغيير سياساتها وإلا فإنها ستفقد وجودها ومصالحها في المنطقة لصالح دول عظمى اخرى تتربص بالمنطقة، ومنها روسيا والصين.

وعودة إلى نتنياهو، فإنه يرفض رفضا قاطعا المفاوضات بين الادارة الامريكية وايران، ويرفض رفضا قاطعا التوصل إلى اتفاق وتفاهمات بين الطرفين. وبلغت وقاحته ليس فقط بإصراره على زيارة الولايات المتحدة بدعوة من الكونغرس، بل لإلقاء خطاب فيه، موجها صفعة بل بصقة إلى الرئيس اوباما، وإلى موقع الرئاسة الامريكية. واستبق اوباما خطاب نتنياهو بالإدلاء بتصريح أو بالأحرى الاجابة عن مجموعة اسئلة وجهتها إليه وكالة الانباء الاسوشيتدبرس ، مؤكدا من جديد ان خطاب نتنياهو ليس في مكانه زمنيا ومكانيا، لأنه يأتي قبل انتخابات الكنيست الاسرائيلي بأسبوعين، ونتنياهو مرشح في هذه الانتخابات. يقول له اوباما "انت ضيف غير مرغوب فيه هنا". ولكن، "الوقاحة" هي البوصلة التي حملها ويحملها نتنياهو اينما ذهب وتوجه، وهي السلاح الذي يشهره في وجه الامريكيين ليقول لهم، "نحن سنوجه السياسة الامريكية الخاصة بالبرنامج النووي الايراني".
يبقى السؤال المركزي هنا: هل ستقبل الديبلوماسية الامريكية مثل هذه الوقاحة وتطوي صفحتها وتبدأ بصفحة علاقات جديدة؟ أم أن وقاحة نتنياهو تضيء اشارة حمراء في أوساط الامريكان حول هدف وفحوى ومستقبل العلاقات الثنائية بين اسرائيل وامريكا؟ واسئلة أخرى يمكننا طرحها دون نهاية في هذا السياق. لكن بدون ادنى شك أن هذه الأزمة ستترك آثارها على مجمل العلاقات بين البلدين. ولكن ألا لنا الوقوع في كمين الفرح بأن العلاقات بين الدولتين ستنتهي هذه الليلة، وتفتح الولايات المتحدة صفحة ناصعة البياض مع العرب وباقي دول الشرق الاوسط. ستبقى اسرائيل تلعب دور الدولة الوظيفية بالنسبة لحماية المصالح الامريكية في المنطقة، وستبقى تلعب دور الشرطي الوحش في المنطقة، بالاستناد إلى مجموعة من العقائد الدينية والسياسية التي توجه بوصلة الحكم في اسرائيل.
لكن، بالنسبة للدول العربية فإن موقف الرئاسة الامريكية يجب ان يكون عاملا مساعدا لأخذ الأمر باليد اليمين والانطلاق نحو تدعيم العلاقات مع الولايات المتحدة الامريكية من منطلق النظرة الجديدة في المصالح. فهل تعي الانظمة العربية هذا الأمر وتستفيد من الأزمة في العلاقات بين اسرائيل والادارة الامريكية الحالية؟ لا اريد التشكيك في الأمر، إنما تبقى المسألة رهن تحرك الأنظمة في الاتجاه الصحيح.

في الختام، فإن خطاب نتنياهو لم يأت بجديد بالمرة، بل أثبت مدى عقم فهمه للمتغيرات الحاصلة في شبكة العلاقات الدولية في الآونة الأخيرة. ويرفض ان يستبدل عينيه بأخريين ليرى ايضا مصالح الولايات المتحدة ومصالحه المنبثقة منها. ما يصر على ان يراه هو مصلحته الضيقة مستفيدا من الفرصة التي اعطيت له لإلقاء خطاب سياسي انتخابي يعتقد انه سيجني ثماره في السابع عشر من آذار الحالي في صناديق الاقتراع في اسرائيل.

 المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net

مقالات متعلقة