الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 26 / أبريل 15:01

في رحيل عبد الله رضوان/ بقلم: شاكر فريد حسن

كل العرب
نُشر: 31/03/15 11:57,  حُتلن: 07:39

شاكر فريد حسن:

عبد الله رضوان من مواليد العام 1949 جاء إلى الدنيا في قرية بيت محسير (قضاء القدس) ونزح عنها إلى الأردن ولم يحقق حلمه بالعودة إليها مثل الكثيرين من أبناء شعبه المهجرين

جاءت أشعار عبد الله رضوان غزيرة بثروتها الفكرية والمعنوية ومتأججة في زخمها الوجداني الإنساني والوطني وعكست صورة حقيقية صادقة لشخصيته القلقة المتمردة وتطلعاته الثورية

ظل عبد الله رضوان طوال حياته وفياً ومخلصاً لعمان العاصمة والمدينة الأردنية الساحرة التي أحبها وتفجرت رؤاه الإبداعية فيها وأفرد لها ديواناً خاصاً هو مقام عمان

فقدت الساحة الثقافية الأردنية قبل أسابيع قليلة، واحداً من مبدعيها وفرسانها الكبار، وأحد رواد العمل الثقافي والأدبي والنقابي في الأردن، هو الشاعر والناقد من أصل فلسطيني، صاحب المنجزات النقدية والأعمال الشعرية الإبداعية، عبد الله رضوان، الذي غيبه الموت بعد معاناة وصراع مع مرض لم يمهله طويلاً، تاركاً وراءه إرثاً ثقافياً وأدبياً واسعاً.

الفقيد عبد الله رضوان من مواليد العام 1949، جاء إلى الدنيا في قرية بيت محسير (قضاء القدس)، ونزح عنها إلى الأردن، ولم يحقق حلمه بالعودة إليها مثل الكثيرين من أبناء شعبه المهجرين والمشردين في أنحاء المعمورة. عمل في وزارة الثقافة ومديرية الثقافة في أمانة عمان الكبرى ردحاً من الزمن، وكان له الدور الفاعل الملموس والمميز في الحياة الأدبية والمشهد الثقافي الأردني. وكان سنداً وعوناً للمثقفين والمبدعين الشباب، ولم يتوان لحظة، وبذل وقته وماله وجهده من أجل دعم الثقافة وخدمة عشاق القلم والكلمة والأدب.

وبشهادة كل من عرفه كان عبد الله رضوان إنساناً بالغ الرهافة، متسامحاً، مثيراً للإعجاب، عرف بدفئه الإنساني، وخفة ظله، ودماثته، وحبه للناس، وعشقه للحياة بكل تقلباتها وأفراحها وأحزانها وخيباتها. وهو شاعر شفاف منحاز للنص الإبداعي، ومشغول بأسئلته الوجودية وأوجاعها المقلقة. غنى على قيثارة الشعر أعذب الألحان الإنسانية التي عبر فيها عن خلجات النفس ونبضات الوجدان. وهو كذلك ناقد رصين وحصيف تميزت أعماله وكتاباته النقدية بالجدية والأصالة.

وللراحل عبد الله رضوان مجموعة وفيرة من الأعمال الشعرية والكتب النقدية والدراسات الأدبية، من أشهرها وأهمها: "خطوط على لافتة الوطن، وأما أنا فلا اخلع الوطن، الخروج من سلاسل مؤاب، أرى فرحاً في المدينة يسعى، ديوان المراثي، شهقة الطين، كتاب الرماد، عروس الشمال، مقام حبيبي، مقام المليحة، مقام عمان، ذئب الخطيئة، غراب أزرق، قصائد أردنية، أسئلة الرواية الأردنية، البنى الشعرية ودراسات تطبيقية في الشعر العربي، أدباء أردنيون، عرار شاعر الأردن وعاشقه، دراسات في سوسيولوجيا الرواية العربية" وغيرها.

جاءت أشعار عبد الله رضوان غزيرة بثروتها الفكرية والمعنوية ومتأججة في زخمها الوجداني الإنساني والوطني، وعكست صورة حقيقية صادقة لشخصيته القلقة المتمردة وتطلعاته الثورية. وما يميز قصائده التزامها بالهم الجماعي الإنساني وانتصارها لجموع وعوالم المسحوقين والمهمشين والمقهورين، إجتماعياً ونفسياً وفكرياً ووجدانياً، والتغني بالوطن وأحلام الأمة وعذابات الشعب، ومناجاة عمان، وإعلاء قيم الجمال والحق من خلال تأملاته ومشاعره وأحاسيسه النبيلة الفياضة. وتشيع فيها ومضات متميزة في حب الوطن، وعشق المكان، وحب الحرية، وحب الحياة. وتتسم بالعواطف القوية والأخيلة الرحبة، والألفاظ السلسة العذبة، ورقة الكلمة، وانسياب الموسيقى الشعرية، والتراكيب القوية، ومفعمة بالصور والإشارات والدلالات البليغة والمعاني البديعة الصادقة، وتتراوح بين البساطة والتعقيد.

وفي ديوانه "المراثي" يأخذنا رضوان نحو أفق عربي واسع يحتفي بالثورات والإنتفاضات العربية وربيعها، ملامساً الوجع الشعبي وصيرورتها ونهوضها، ويواصل تجواله وتطوافه الوجودي المشبع بالقلق والألم، مستحضراً الموت في كثير من قصائده.

وقد ظل عبد الله رضوان طوال حياته وفياً ومخلصاً لعمان، العاصمة والمدينة الأردنية الساحرة التي أحبها، وتفجرت رؤاه الإبداعية فيها، وأفرد لها ديواناً خاصاً هو "مقام عمان". وعن ذلك يقول الدكتور عماد الضمور في كتابه "عمان في شعر عبد اللـه رضوان": "شكل المكان في شعره ملاذاً لأحزانه وحالة وجد خاصة، عبر من خلالها عن عذابات النفس، وفق مرجعية منتجة للنص، جعلت المكان ينزاح من استخدامه المألوف بوصفه جغرافيا مرئية ووصفاً للمشاهد السردية إلى كونه بنية دالة، وموضوعاً شعرياً يحمل أبعاد التجربة الشعرية بكل أبعادها. ويضيف: "إن البعد الجمالي لمدينة عمان في شعره حقق تأصيلاً واضحاً لفكرة الجسد في الشعر، فانعكاس هذه التقنية البصرية كان واضحاً في رسمه لصورة عمان كما أحسها، مما عكس بعداً فكرياً خصباً يقوم على التأسيس لرؤيا حداثية، تجعل من النص الشعري لحظة انعتاق، ولحظة سكينة، وخلود في الوجدان، فضلاً عما يشكله من تجاوز الإرادة نحو الرؤيا وتجاوز للرغبة نحو التآكل، وهذا يبرز دور الفنان في إعادة صياغة الواقع برؤى جمالية خالدة".

أخيراً يبقى القول، عبد الله رضوان رمز ثقافي وقامة شعرية ونقدية سامقة وساطعة في ولافتة في المشهد الثقافي الأردني، أبدع في الشعر والنقد، فجعت به قبيلة الشعر العربي الحديث المعاصر، وسيظل في الذاكرة والتاريخ الثقافي العربي بتراثه الأدبي الذي تركه. فوداعاً يا طائر الفينيق، والشاعر الجميل الذي انتصر لقضايا الناس والفقراء والمعذبين في الأرض، وغنى لهم.

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net

مقالات متعلقة