الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 26 / أبريل 05:02

وطن في النفس/ بقلم: مفلح أبو جابر

كل العرب
نُشر: 23/04/15 11:43,  حُتلن: 14:19

مفلح أبو جابر في مقاله:

لا أقول لنفسي إنّ هذه الأرض أغلى من روحي وإنّني على استعداد أن أقدّم لها دمي وحياتي وفي المقابل أكون أوّل من يدنّسها بأفعالي السيّئة وأوّل من يملأ أطرافها شرًّا وخرابًا ودمارًا

من أحبّ هذا الوطن ومن قدّس هذه الأرض فعليه أن يبحث حوله عن أبسط الأمور الّتي قصّر فيها وأن يبدأ من هناك من حيث الورقة المُلقاة في الطريق


سينهزم العنف وتزول ظاهرة القتل بعد ذلك فقط يحقّ لنا أن نبكي هذا الوطن بعد أن نبعثه حيّا في نفوسنا نابضًا في قلوبنا مقدّسا في ضمائرنا

لا شكّ أنّ هذا اليوم بالذات يطالبنا بأن نكون أكثر واقعيين مع أنفسنا، ويحتّم علينا بأن نكون في قمّة الصراحة مع ذواتنا، ومع احترامي الشديد لتلك المشاعر الجيّاشة الّتي تفيض من قلوبنا في هذا اليوم بالذات... مشاعر الحزن والأسى.. ومع تبجيلي لتلك الأقلام الّتي تسيل ألمًا ودموعًا على ما حلّ بهذه الأرض وأهلها من ضياع وشتات وتهجير.. لكنّ ذلك أيضا، وفي الوقت نفسه، هو ما يوجب علينا تلك الوقفة الصادقة مع النفس والضمير.

لا شكّ إذن أن المُصاب جلل وأن الأمر سيظلّ أكبر وأعظم من كل تلك المشاعر، كما أن تلك الأقلام لن ترتقي إلى طهارة تلك الدموع، وإن مدادها وإن كان قاتم السواد فإنّه سيبقى عاجزًا عن وصف ذلك الألم الّذي يحزّ في النفوس ويُبكي القلوب.

فلا بدّ أوّلا أن يسأل كل واحد منّا نفسه، ماذا قدّمت أنا لهذا الوطن؟ وما هو مدى انتمائي وارتباطي بهذه الأرض؟ وقبل أن يأخذنا الكبرياء فوق هذا السؤال، معتبرين أنفسنا منزّهين حتّى عن مجرّد التفكير فيه، أحبّ أن أذكّر نفسي، وأذكرّكم، بأنّ هذا الوطن لا يخدم إلّا من يخدمه، ولا يحبّ إلّا من يحبّه، وإنّ هذه الأرض لا تتشبّث إلّا بمن يتشبّث بها، ولا تقدّس إلّا من يقدّسها، ولنعلم أيضا بأن الكلام وإن فاضت به الصفحات فإنّه لا يُغني عن لحظة من العمل. فلا أقول لنفسي إنّ هذه الأرض أغلى من روحي وإنّني على استعداد أن أقدّم لها دمي وحياتي، وفي المقابل أكون أوّل من يدنّسها بأفعالي السيّئة، وأوّل من يملأ أطرافها شرًّا وخرابًا ودمارًا.

وأريد فقط أن أنبّه نفسي، وإياكم، فأنا لا أتحدّث عن أمور كبيرة، كالقتل والعنف وغيرها، فهي أمور ستكون كفيلة بإزالتها الأمور الصغيرة، والّتي تبدو لنا بسيطة في ظاهرها، لكنّها كبيرة في جوهرها، وكلّنا يعلم أنّ المرض يتسلّل إلى الجسد هادئا، وسرعان ما يشتدّ على المريض، فإذا لم يُعالج فإنّه يستشري ويصبح جزءً من جسد المريض وحياته.

فمن أحبّ هذا الوطن، ومن قدّس هذه الأرض، فعليه أن يبحث حوله عن أبسط الأمور الّتي قصّر فيها وأن يبدأ من هناك، من حيث الورقة المُلقاة في الطريق، من حيث السير بوقار في الشارع، من حيث الوقوف بأدب في الأماكن العامّة، من حيث السياقة الصحيحة، من حيث الكلام باحترام، من حيث محبّة الآخرين، من حيث تبجيل الكبير وتقديمه على نفسك، من حيث التوقّف عن الشتم والسباب، من حيث يطالبك هذا الوطن وهذه الأرض بأن تبدأ، وبعد ذلك، فقط بعد ذلك، ستنتهي الأمور الكبيرة إلى غير رجعة، سينهزم العنف وتزول ظاهرة القتل، وأيضا بعد ذلك، فقط بعد ذلك، يحقّ لنا أن نبكي هذا الوطن، بعد أن نبعثه حيّا في نفوسنا، نابضًا في قلوبنا، مقدّسا في ضمائرنا.

كفرقاسم

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net

مقالات متعلقة