الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 29 / مارس 14:01

البذرة التي تنبت منها شجرة الحرية/ بقلم: فادي أبو بكر

كل العرب
نُشر: 24/05/15 12:04,  حُتلن: 07:32

فادي أبو بكر في مقاله:

إسرائيل لم تصل ما وصلته اليوم إلا بعد صناعتها لفكر تربوي يقوم على تشجيع الهجرة إليها وصهر ودمج أولئك المهاجرين في المجتمع الإسرائيلي 

يرى أفلاطون أنّ التربية يجب أن تخدم الأغراض السياسية لإقامة العدل كما أنه اعتنى بالتربية الوطنية فقال "لم يولد الإنسان لنفسه. ولد الإنسان لوطنه" وذلك أن موضوع التربية الوطنية وغرس الولاء قضية مصيرية. إنّ توجيه الفكر التربوي وأدلجته هو احد الأسلحة الرئيسية التي استعانت بها الصهيونية في صراعها مع العرب وبناء أجيالها الناشئة وتشكيل شخصياتهم وتحقيق هدفهم الأول ( إقامة الدولة اليهودية).

استطاعت الحركة الصهيونية عن طريق الفكر التربوي التي زرعته من أن تحول اليهودي التائه إلى إسرائيلي جديد، حيث اعتبر بن جوريون "أن الحركة الصهيونية في إسرائيل لن يكون لها مستقبل بدون تربية وثقافة عبرية لكل يهودي كواجب ذاتي "، كما أن هرتسل تكلم في يومياته عن التربية كأسلوب لتحقيق هدفه، وأشار إلى ضرورة وضع بعض المواد في مقدمة منهاجه "مثل الأناشيد الوطنية والمسرحيات البطولية".

إسرائيل لم تصل ما وصلته اليوم إلا بعد صناعتها لفكر تربوي يقوم على تشجيع الهجرة إليها وصهر ودمج أولئك المهاجرين في المجتمع الإسرائيلي، وتوجيههم وتوعيتهم بحيث تكون لهم أيديولوجية واحدة ألا وهي الأيديولوجية الصهيونية. اعتمدت إسرائيل في صناعتها للفكر التربوي على عدة مصادر أهمها: النصوص الدينية اليهودية المقدسة، التاريخ اليهودي القديم، الايدولوجيا الصهيونية والفكر الاستعماري الغربي.

بالنسبة الى التاريخ اليهودي القديم، فقد اخترعت إسرائيل أسطورة مفادها أن الشعب اليهودي أقدم شعب في التاريخ، وقال بن جوريون في هذا الصدد "أنّ إسرائيل هي الدولة الوحيدة المستمرة منذ بداية التاريخ" في محاولة لإظهار شعب إسرائيل بصورة شعب الله المختار وغيرها من الخرافات التي يدعونها. إلا أنّ شلومو ساند في كتابه المثير "اختراع الشعب اليهودي" يؤكد فيه أن الشعب اليهودي لم يكن أبداً "شعباً عرقياً" ذا أصل مشترك، وإنما هو خليط كبير ومتنوع لمجموعات بشرية تبنت خلال مراحل مختلفة من التاريخ الديانة اليهودية، ووصف الأساطير التي تحاول إسرائيل ترويجها بأنها "خرافة قومية" فاقعة.

إلى جانب هذا التاريخ المخترع، استندت إسرائيل للفكر الاستعمار الغربي في تبرير استعمارها لفلسطين أرضاً وشعباً، حيث تبنت إستراتيجية الاستعمار الغربي القديم، التي كانت تصور الشعوب بأنها مجموعات من الهمج والمتخلفين ويتم تبرير استعمار تلك الشعوب لأنها بحاجة إلى معالجة حضارية.

أكد على هذه الفكرة هرتسل حينما بعث في رسالة كتبها إلى دوق بادن الكبير بخصوص دعم القيصر الألماني للفكرة الصهيونية عام 1898 قائلاً: "إن اليهود عندما يعودون إلى وطنهم التاريخي فإنهم سيفعلون ذلك بصفتهم ممثلين للحضارة الغربية. وإنهم سيجلبون معهم النظافة والعادات الغربية الراسخة، إلى هذا الركن الموبوء والبالي من الشرق". يقول المفكر الصهيوني آرثر هيتزبرج: "يجب أن يعاد تشكيل الشعب اليهودي حتى يتسنى تحريره، التربية هي أيضًا من مستلزمات الدفاع الوطني". هذه المقولة ببساطة تمثل الفلسفة التي يقوم عليها الفكر التربوي في إسرائيل.

في ضوء ما تم عرضه، فإن العرب ليسوا بحاجة إلى إعادة تشكيل أنفسهم، فالعرب يمتلكون تاريخاً وحضارة اجتاحت العالم من شرقه إلى غربه عقوداً من الزمن. إلا أن الفلسفة التربوية العربية لا توائم حاجتنا الحقيقية، والفكر التربوي يجب أن يكون متحرراً وغير متأثر بأي فكر استشراقي.

تناولنا اتجاهات الفكر التربوي الإسرائيلي، لأن التعرف على هذا الجانب يعد جانب أساسي من جوانب مواجهة عدونا، والحديث عن تحرير البلاد لا يجدي نفعاً إلا عند تحرير العقول، وتحرير العقول لا يكون إلا ببناء فكر تربوي حر، وحينها فقط سنقوم بزرع البذرة التي ستنبت منها شجرة الحرية.

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net

مقالات متعلقة