الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 18 / أبريل 03:02

العودة الى الدامون؟! بلورة الحلم وتجدد الأمل/ بقلم: المحامي نضال عثمان

كل العرب
نُشر: 03/06/15 14:49,  حُتلن: 14:51

نحن ابناء قرية الدامون التي هجر اهلها في العام 1948 وهدمت ملامحها في العام 1952، سوى ثلاثة معالم تشير الى تجذر الحياة فيها واستمرارها وهي عين الماء "ماء الحياة" ومقبرتان تشهد بامواتها وقبورها وشواهدها على أبدية الحياة في الدامون وخاصة في ذاكرة ابنائها وبناتها. انا ابن سمير العثمان الداموني، الذي غادر الدامون ولم تمض على ولادته سنة. وجدي محمد العثمان وجدتي لطفية العثمان ابو سمير وام سمير الدامونية. كنت طفلا في بداية الثمانينات حين تجولت مع جدي على عربة غالبا ما كان يجرها حماره واحيانا حصانه، بين قرية طمرة مرورا بقرية الدامون الى قرية كابول المجاورة وذلك لبيع المساند المشدودة من الحلفاء وكراسي القش المجدولة.

لماذا يجهد جدي حماره ويطيل الطريق؟!

هذه الصورة التي اختزنها في مخيلتي لمبنى عين الماء، والتي كنا نمر بها انا وجدي دون ان يشرح لي جدي عن كون هذا البلد لي وان عين الماء هذه لي، وكان يكتفي بالمرور فيها مر الكرام. سألت نفسي مرارا لماذا يختار جدي اطالة الطريق ويجهد حماره بجر العربة بين طمرة وكابول، بينما كان باستطاعتنا الوصول الى قرية كابول من طريق مختصرة اخرى لا تمر بأرض الدامون ولا حتى بمحاذاتها ولا نجهد الحمار بطول الطريق والتوائها؟؟ ولكني لم استوعب حينها وقد تركز تفكيري بدرب العذاب التي سلكها الحمار.

في ايار 2015، قبل ايام قليلة شاركت مع ابي وبناتي التوأمين دنيا وربى مع عشرات اخرين في يوم تطوعي لترميم المقبرة المسيحية على ارض الدامون، وكنا وبعد التنظيف والتعشيب واظهار القبور قد وكلنا دنيا وربى والطفل محمد فتحي بقاعي والطفل ورد منير خوري حفيد المرحوم اصطفان الخوري، بابراز القبور من خلال دهان الحجارة بالدهان الابيض، وقد قاموا بالمهمة وانجزوها على اكمل وجه. وقبلها في نيسان كنا قد نظمنا على ارض الدامون جنب عين الماء، امسية فنية اطلقنا عليها " ليلة العودة الى الدامون"، وقد شاركتا ايضا في هذه الامسية دنيا وربى، حيث قضوا الليلة يلعبون ويمرحون في المساحات الواسعة حول العين مع اطفال الدامون.
في اليوم التالي سألتهما:" يابا كيف كانت الليلة في الدامون؟".

اجابتني ربى:" يابا، حسيت كاننا بنينا بيوت هون واحنا عم نلعب بالحارة مع الاولاد".

هذه الصورة التي وصفتها لي ربى لحارة "العين"، حارة مليئة بالبيوت وفيها المساحات التي تتيح لبناتي واولاد الحارة اللعب بامان حتى ساعات الليل، هذه الصورة التي نقشت في ذهن ومخيلة ربى قد ذكرتني بمشهد الحمار والعربة ومساند الحلفاء وكراسي القش وصورة جدي الذي امتنع عن الشرح عن الدامون والتهجير وعن البيت وعن العين، لكنه وبحنكة الجد المجرب قد رسم صورة الدامون ورسخها في ذهني وعقلي من خلال الدرب التي سلكها الحمار جارا العربة بين طمرة وكابول مارا في الدامون وارضها وشارعها ومقبرتها وعينها وشجرها.

ماذا بعد؟

نبلور الحلم بالعودة الى الدامون. نرسم الصور الحية في اذهان اهلنا واطفالنا، ولا نبالغ حينما نحلم بالعودة. ونحن اذا نرمم القبور ويقوم اطفالنا بطلاء حجارتها باللون الناصع البياض، فأننا نرسل رسالة العودة القريبة الى الدامون ونؤسس للخطوة القادمة. فقد بدأت المسيرة حين اختار جدي اجهاد الحمار بالعبور من خلال ارضنا وعين مائنا وشجرنا وتستمر لنبلور من خلالها حلم العودة واعادة بناء قبور الدامون وعينها وبيوتها وشوارعها وكنيستها ومسجدها ومدرستها، والاهم الاهم حلم وامل اهلها بالعودة.

مقالات متعلقة