الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 26 / أبريل 13:02

الناصرة ختمُ الكراهية بالشمع الأحمر / بقلم: لمى مرجية

كل العرب
نُشر: 06/07/15 09:10,  حُتلن: 12:34

لمى مرجية:

كان الاحتفال عظيمًا بكلّ ما تحمله الكلمة من معنًى، فالعدد الهائل المتعطّش لنغمات السكينة والهدوء، تراقصت أرواحُه على أناشيدَ تلمس صميم القلب، وبدون أيّ تردّد حلّقت الإنسانيةُ بحرّية في سماء الناصرة، بلا فوارق دينيّة أو حزبية أو عرقية.

العيد قد زارنا بعد انقطاعٍ رهيب، وامتلأت الشوارع بالناس المُتعطّشة لماء الفرح، المُصطفّة بكثافة في حيّزٍ ضيّق دون الاهتمام لتعب الوقوف أو عناء الانتظار، فقط لتعيش نشوة الفرح المتسرّبة إلى قلوبهم عبر آذانهم.

لقد حان وقت الاستيقاظ من كابوس الكراهية، والخروج من مستنقع الطائفية، وممارسة إنسانيتنا بأرقى الأساليب، مجتازين حواجز كثيرة وعوائق مُفرطة تشوّه كِياننا، وتجعلنا نخسر فرصًا لا تعوّضُ بثمن.

ليلة أمس كانت ختام مشروع "ليالي رمضان" الذي تبنّته مدينة الناصرة العريقة التي أفخر بانتمائي لها، وهذا المشروع يُقام في شهر رمضان وهو عبارة عن أُمسيات جميلة ومسلية على مدار عدّة أيام لهدف ترفيهي وتعليمي في آنٍ واحد، وكما يقول المثلُ العربيُّ "كان الختامُ مسكًا"، والجميل في الموضوع أنّه ليس هناك من مثَلٍ عربيّ قد وُضعَ سُدًى أو أخطأ، أمّا الأجمل فهو أن يلبسَ المثلُ الحدثَ فتشعرَ بأنه قد أُلّفَ خصيصًا له، فلا بدّ من وقفة عزّ عبر مقالةٍ متواضعة تعبيرًا عن امتناني وفخري ببلدي وأبنائها...

حلّ الفنان القدير سامي يوسف ضيفًا على الليلة الأخيرة من مهرجان "ليالي رمضان"، وقد شارك عشرات الآلاف من أبناء الناصرة وأبناء القرى والمدن المجاورة بهذا الحدث المميّز، ليؤلّفوا سويةً صورةً فنّيةً يستحيل على أيّ فنانٍ رسمها، فالمحبّة والتآخي والودّ من أصعب الأمور تجسيدًا في ورقة أو في لوحة، فهي مجرّدة لا يفهمها إلّا من يعيشها.

كان الاحتفال عظيمًا بكلّ ما تحمله الكلمة من معنًى، فالعدد الهائل المتعطّش لنغمات السكينة والهدوء، تراقصت أرواحُه على أناشيدَ تلمس صميم القلب، وبدون أيّ تردّد حلّقت الإنسانيةُ بحرّية في سماء الناصرة، بلا فوارق دينيّة أو حزبية أو عرقية، وكأن الضيف كان بمثابة حمامة السلام التي غادرت سماءنا منذ زمن بعيد، بعد أن حلّ موسم شتاء طويل اشتقنا فيه إلى المحبّة بلا شروط، فأصعب الأمراض هي "الإنسانية المشروطة" التي خلقها الإنسان بفساده.

لقد استوقفني الحدثُ لأكتبَ وأعبّر عن سعادتي، فالعيد قد زارنا بعد انقطاعٍ رهيب، وامتلأت الشوارع بالناس المُتعطّشة لماء الفرح، المُصطفّة بكثافة في حيّزٍ ضيّق دون الاهتمام لتعب الوقوف أو عناء الانتظار، فقط لتعيش نشوة الفرح المتسرّبة إلى قلوبهم عبر آذانهم، موسيقى الإيمان المليئة بعبق الأمل وحاجة الروح للسلام والطمأنينة المفقودَيْن منذ زمن طويل، وعبر أناشيد دينية بلغات عربية وأجنبية، طربت الروح وحلّقت، وهذا دليلٌ قاطعٌ على أنه لا لغة للإيمان، والمحبة كلمة مخترقة للحواجز الدينية أو الحزبية، وعلى الرغم من كثرة الناس وضيق المكان، تبيّن أنّ المحبّة هي أضيقُ الأماكن اتساعًا!!! ولا بدّ هنا من إدخال بعض الجمل المُنتقاة من أنشودة "يوم العيد" للفنان سامي يوسف:


"لنبتهج لنبتهج
لأنه يوم العيد

الأطفال يرتدون ملابس جديدة
الألوان الزاهية تملأ الشوارع
والابتسامة تعلو وجوههم
جيوبهم مليئة بالحلوى
لنبتهج لنبتهج
لأنه يوم العيد

الناس يتصدقون
ويساعدون ذوي الحاجة
في العطاء لهم يتنافسون
فلا طمع اليوم
لنبتهج لنبتهج
لأنه يوم العيد

الأعداء يتعانقون
كل الكراهية تختفي
الناس جميعا يحتفلون
لنبتهج لنبتهج
لأنه يوم العيد".

وما لفت انتباهي بشدّة وأودّ دمجه في هذا السياق، هو بعض الطقوس الغريبة عند بعض الدول الأجنبية في ممارسة "الكراهية"! فمثلًا هناك مهرجان الشجار بالطعام الذي يُقام كلّ عام في اسبانيا والذي يُدعى "توماتينا" وينصّ على التراشق العنيف بالطماطم لساعات دون توقّف. وهناك احتفال آخر يُقام في روسيا ويُدعى "الملاكمة الحرّة" وفيه يتصارع الشباب لساعات بدون أي سبب أو أيّة قواعد... لم أجد تفسيرًا لهذه التقاليد الغريبة سوى إرادة الشعوب تحويل "الكره" إلى "احتفال" لعلّهم يجمّلونه فيمحونه من قاموسهم، فهذه خدعة ذكية للاحتيال على الواقع غير الإنساني الذي نعيشه، فيتحوّل الخوف من الشيء إلى متعةِ الاحتفال به، وربما تحمل هذه التقاليد تفاسيرَ أخرى لن أغوص بها الآن...

وفي النهاية كما البداية، نصيحة إنسانية لوجه الحب، لقد حان وقت الاستيقاظ من كابوس الكراهية، والخروج من مستنقع الطائفية، وممارسة إنسانيتنا بأرقى الأساليب، مجتازين حواجز كثيرة وعوائق مُفرطة تشوّه كِياننا، وتجعلنا نخسر فرصًا لا تعوّضُ بثمن، لقد شبعنا ألمًا وحربًا، لنستغل شهر رمضان شهر الخير والبركات، نحن البشر من كل الأديان، لنغسل قلوبنا من الكراهية، لعلّنا نصوم عن فسادنا اليوم وغدًا وحتى الأبدية، لنصلي لأجل المظلومين والمساكين والموجوعين في كلّ أرجاء المعمورة، فالظلم والوجع لا دين لهما!

ناصرتي! كلّ عام وانتِ أجمل باحتوائك رقي واحترام الاختلاف بين أبنائك، فكيف لأمّ أن تحب طفلًا من أطفالها دون الآخر، هذه هي الإنسانية التي حطّمت قواعد الرياضيات، وجعلت من القسمة مشروعَ زيادة، فقسمةُ المحبّة على عدد بشرٍ أكبر يضاعفُها ويعطي نتيجةً أكبر... وأخيرًا أمنيتي هي أن يكون احتفال البارحة شفاءً معديًا لنا جميعًا وكلّ عام وأنتم بألف خير...

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net 


مقالات متعلقة