الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الثلاثاء 23 / أبريل 19:02

قصّة في قاع الوادي/ بقلم: مريم مشتاوي

كل العرب
نُشر: 23/07/15 12:42,  حُتلن: 15:02

بيروت 1970
جلست ليلى في المقهى المجاور إلى بيتها تفكر بعرض الأستاذة نبيلة رئيسة الممرضات في مستشفى "قلب يسوع" .. تقلّب الموضوع في رأسها وترفع حاجبيها وتشدهما من فرط عصبيتها فيأخذ وجهها شكلاً مستطيلاً يشبه طاولة البلياردو وعيناها المدورتان ككرتين تضربان جفنيها في كل مرة يهزها القلق إلى أن تقعا من جديد في ثقب اللعبة الخاسرة.

الأستاذة نبيلة أو " madame Méchante " كما تُعرف في أرجاء المستشفى لقسوتها غير المعهودة .. امرأة باهتة الملامح إلى حد أنه يصعب على ناظرها أن يجد شيئاً يشبهها به. و إن تكلمت تزلزل المستشفى بمن فيها... فتصبح الممرضات في حالة تأهب وكأنهن يستعدن لحرب خاسرة..

اعتقدت ليلى أن الاجتماع سيدور حول أدائها في العمل وخاصة أنها تأخرت في وصولها إلى العمل مرة أو مرتين بسبب ظروف أمها الصحية.

استقبلتها الأستاذة نبيلة بصوت هادئ جداً ..

- تفضلي يا ليلي.. أجلسي هنا قربي .. أريد أن أعرض عليك أمراً قد يغيّر حياتك رأساً على عقب.

بدأت ليلى ترتعش من الخوف وقالت بصوت خافت جداً:

- أستاذة نبيلة أرجوك أن تعطيني فرصة أخرى .. أعرف أني تأخرت عن موعد العمل ولكن أمي كانت مريضة جداً وكنت أسهر بجوارها طوال الليل فصعب علي أن أصحو باكراً.

أعدك بالالتزام بالمواعيد من الآن فصاعداً.

- ليلى اسمعيني الموضوع لا يتعلق بالعمل. لي أخ طبيب اسمه عبدالله وهو ميسور الحال يحب امرأة تدعى أسماء عبد الحميد متزوجة ولها أولاد من سكان مدينة طرابلس حاولت أمي جاهدة أن تمنعه عنها ولكنها فشلت.

أريد أن أعرفك به وأتمنى أن تصبحي زوجة أخي المستقبلية.

- أستاذة نبيلة أنت قلت لتوك أنه مغرم بامرأة طرابلسية ..

قاطعتها الأستاذة نبيلة قائلة:

- اسمعي يا ليلى، المرأة الذكية لا يصعب عليها شيء.

أنت في الثلاثينات وإن لم تتزوجي سيفوتك القطار وزواجك من أخي سيمنحك حياة أرستقراطية تطمح بها أي امرأة من بيئتك..

لا تجيبيني الآن خذي وقتك في التفكير.



نيويورك 2013

كان عبدالله يجلس على الكنبة كمن يجلس على كرسي الاعتراف و بجواره ابنته زينب التي سافرت من مدينة لندن لزيارته والتعرّف عليه بالرغم من أنه ترك أمها وهي حامل بها وهرب إلى نيويورك.

حين التقته في المطار كان برفقة صديقته كيم الأمريكية.. لم تستطع زينب النظر في عينيه وكانت تحاول إخفاء ارتباكها بمسايرة كيم واصطناع جو من المرح..

ولكن حالما اختلت بوالدها وجدت نفسها تطرح عليه سؤالين كانا بمثابة جلاديها لسنين طويلة.

-أبي كيف تركت أمي وحدها في مدينة بيروت في ظروف قاسية وسافرت إلى أمريكا .. ألم تعلم أنها كانت حَامِل في شهرها الثالث؟

لمَ لم تسأل عني؟

- حبيبتي أريدك أن تعلمي أن عذابي كان يفوق عذابك.. وبعدي عنك كان بمثابة موت بطيء..

ولكني لم أستطع أن أحب أمك بالرغم من أنها امرأة مثالية أكن لها احتراما كبيراً.. أعترف لك أني أخطأت... فقد تزوجتها فقط لإرضاء أمي وأختي..

سافرت لأهرب من فشلي ومن حبي لأسماء.. كان ثمن نذالتي هو بعدي عنك..

وأسماء الغالية مازالت تعيش في داخلي حتى الساعة..

- قالت لي أمي أنها أنجبت ولداً وسمته عبدالله تيمناً بك، هل هو أخي؟

- لا ، عبدالله هو ابن أسماء من زوجها حسن..

- هل تعلم يا أبي، بعد سفرك بأسبوعين ذهبت أمي إلى إهدن في رحلة مع صديقات لها تعرفت عليهن في الحلقة الدينية. وحين توقف الباص للاستراحة قرب مطعم دخلت أمي لتشتري سندويشات ومرطبات .. وفيما تهم بالخروج رأت أسماء تدخل وهي تتأبط ذراع رجل طويل وقد أشبعها قبلات متفرقة.

صمت عبدالله وتغيرت ملامحه وشعرت زينب كأنه كبر عشرين سنة في لحظة واحدة.. زادت تجاعيد وجهه وهو يحاول أن يخفي خيبته..

ارتبكت زينب وخرجت إلى الشرفة المطلة على الوادي لتخفف من حدة الموقف .. نظرت إلى الأسفل نظرة توحي أنها تمنت لو دفنت ألمها في أعماقه... تشبثت بحافة الشرفة وكأنها تحاول إنقاذ ما تبقى من سعادة والدها وإن كان الثمن هذه المرة كذبة أخرى..

وراحت تغني لفيروز:

لو بقدر لافتش عليك ولا لاقيك ..
الكذب الغيم المارق والمنفى سميك ..

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net

مقالات متعلقة