الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 25 / أبريل 10:02

دولة العرّابين/ بقلم: البروفيسور أحمد ناطور

كل العرب
نُشر: 30/07/15 17:37,  حُتلن: 11:56

 ب.أحمد ناطور في مقاله:

لا ادري متى سترقى الخارجية الفلسطينية لتعي أن الحال انما هو حالٌ استثنائي يَحتم بناء دبلوماسية استثنائية ترتفع الى عِظَم المصيبة

اقتحمت زمرة الشر تلك هذا الاسبوع المسجد الاقصى المبارك يساندهم بذلك وزير كان زعيما لأولئك الشياطين من المستوطنين ثم صار عرّابا لهم في الحكومة 

 الغريب في الامر هو أن القادة السياسيين بدلا من أن يطالبوا بملاحقة من يقوم بأفعال اجرامية بحق الناس بخلاف القانون كما يُتوقع من رجال دولة سويّة

حين كنت فتىً يافعا قرأت رواية ماريو بوزو "the God Father" التي تروي حكاية المافيا الايطالية في اميريكا. دون كورليون - رجل طاغية بدأ حياته كلص صغير، ثم اقام امبراطورية الجريمة مترامية الاطراف، من المحيط الى المحيط، اخترق نفوذها اجهزة الدولة، والمجتمع من أعضاء الكونغرس وضباط الشرطة الى الشركات الخاصة والهوليوود، اما الرشوة والاجرام فكانا اداتهم الناجعة في ارساء دعائم السلطة والسيطرة، مع ذلك فان شخصية دون كورليون تتحلى بالقيم الرفيعة والاباء والكرامة والشرف.
كنت استعرض سياسة حكومة اسرائيل الاجرامية في الاراضي الفلسطينية المحتلة، فعادت بي الذاكرة الى زعماء المافيا الذين قتلوا وحرقوا ونهبوا، وداسوا القانون والأعراف بأقدامهم.

لقد جعلوا لانفسهم احكاما وقوانين شرّعوها بانفسهم. وهاهم، هؤلاء في حالنا الردئ هذا ينهبون الارض ويقتلون اهلها ويحرقون بيوتهم دون رادع او وازع، وإن قلتَ ان من يفعل ذلك انما هي شريحة ضيقة فحسب، فان هذا القول يبقى مردودا على صاحبه، لان هذه المخلوقات الشيطانية من المستوطنين تجوب الارض المحتلة وتزرع فيها الموت والدمار بشكل منهجي رسمي منذ سنين - تقتل وتنهب وتحرق المساجد والكنائس والسيارات بحماية اذرع الدولة ومؤسساتها. لا يكتفي الجيش بحمايتهم، بل انه يأخذ حصته هو الآخر في القتل والتنكيل. في اسبوع واحد أُعدم الفتى محمد ابو لطيفة من مخيم قلنديا وهو يحاول الهرب من نيران الجيش - اي انه لم يكن يشكل خطرا عليهم كما يدعون دائما - ثم تركوه ينزف حتى مات. كما أُعدم الكهل فلاح ابو مريا - وهو يحاول مساعدة ولده الجريح من رصاصهم، وقبله الشاب محمد العلاونة -21 عاما، وقد رأى العالم بالفيديو كيف لاحق قائد كتيبة ما يسمى بينيامين، الشاب الذي هرب من وجهه فقتله وادعى انه كان يشكل خطرا على حياته وانه قتله ليدافع عن نفسه، الا ان الكاميرا قد فضحته بالجرم المشهود.

إن الغريب في الامر هو أن القادة السياسيين، بدلا من أن يطالبوا بملاحقة من يقوم بأفعال اجرامية بحق الناس بخلاف القانون، كما يُتوقع من رجال دولة سويّة، ينبرون للدفاع عنهم ومساندتهم في الشر الذي يفعلون. لقد قال زعيم حزب ووزير سابق - ان القائد المذكور قد قام بواجبه حين فعل ما فعل وانه يشد على يديه القاتلتين. وحريٌ بالإشارة الى ان لبيد هذا يعرف الحقائق الجرمية ويختار اخفاءها، فقد هاجم بشراسة منظمة " للصمت حدود " التي تسعى لجمع الادلة على افعال الجنود من افواه الجنود انفسهم. ومعلوم ان اخفاء الادلة، هو جرم بحد ذاته، ولعلهم سيحاسبون يوما على ذلك..

لقد اقتحمت زمرة الشر تلك هذا الاسبوع المسجد الاقصى المبارك، يساندهم بذلك وزير كان زعيما لأولئك الشياطين من المستوطنين، ثم صار عرّابا لهم في الحكومة. لقد داست اقدامهم الهمجية الارض الطهور في الاقصى الشريف - اولى القبلتين وثالث الحرمين. لقد بلغت بذلك همجيتهم كل مبلغ، ولا قانون يردعهم، فوزراؤهم يتصرفون كادنى الرعاع الخارجين عن القانون كلصوص الخيل في الغرب الشرس، وان لام احدٌ امةَ المسلمين والعرب على سكوتهم المدوي فليس له ان يفعل، فكيف يطالبون بالانتصار للأقصى وهم مشغولون بتقتيل انفسهم ؟!

وهاك مقارنة بين حالين: لقد اتفق ان قامت الشرطة هذا الاسبوع بتنفيذ هدم بيت عربي في سلوان قيل انه اقيم من غير ترخيص على ارض اصحابها الشرعيين، مع العلم ان لا امل في ان تُرخص بيوت العرب في القدس اصلاً. لقد اوضح الفيديو ان شابا من اصحاب البيت ملقىً على الارض مغشيا عليه دون حراك، لا ندري إن مات او انه بقي ملقى على الأرض كما سقْط المتاع، ثم انتقل الشرطي الوقح ليضرب عم الشاب وهو كهل قد فاقت سنيُه السبعين، بصورة قذرة سافلة. تُرى في اي دفيئة شرٍ تربى وترعرع هؤلاء ؟! في المقابل وفي الوقت ذاته احتشدت سوائب المستوطنين لمنع هدم بيت استيطاني شمال رام الله، واشتبكت مع الشرطة بشراسة الا ان احدا منهم لم يصب بخدش جسدي او معنوي، مع انهم هاجموا الشرطة والجيش بالحجارة واغلقوا الشوارع. هذا، وبخلاف بيت سلوان العربي، فان بيت المستوطنين مُقام على ارض فلسطينية خاصة جرى نهبها عَنوةً ولا ترخيص فيه، بل كانت المحكمة المركزية قد قضت بهدمه. مع ذلك فقد هرع الى المكان وزير التربية والتعليم، نعم ! التربية والتعليم، ومعه زمرة من اعضاء البرلمان من امثاله ليمنعوا هدم البيت الذي قرر القانون والقضاء هدمه. اعتلى الوزير سطح بيت وخطب في سوائب المستوطنين قائلا :لقد حدث الليلة هنا شيء متسرع متطرف بل ويناقض روح الحكومة التي ننتمي اليها .... " انتم اخوتي، انتم من تواصلون الدرب ..." .تُرى ما هي روح حكومته الذي يقصد ؟ انها خارجة عن القانون ! ماذا تكون حكومته اذاً ؟ جمعٌ من صغار العرّابين المارقين. نعم انها كذلك .

ان هذه الشريحة من الشعب، وشرطتها وجيشها وحكومتها، يتفقون باغلبيتهم على هذا الطريق المشين، أما سائر الشرائح التي تكتفي بالصمت تارةً وبالكلام الخجول تارةً، فتظل شريكة فيما يجري باسمها من اجرام وخروج عن القانون. وهنا لعله من الانصاف ان اعتذر لماريو بوزو عن المقارنة لغياب قِيَم الشرف ومبادئ الحق في حالنا هذا، علاوة على ان كورليون ;كان مواطنا خارجا عن قانون الدولة ،اما هؤلاء فهم الدولة بحالها، فصارت الدولة نفسها بأفعالهم خارجة عن القانون. ازاء ذلك ،فان حضور السفراء العرب المنعوفين في عواصم العالم كالبِذار المتعفّن، يبقى اضيعَ من امس او من سراجٍ في شمس، ومثلهم سفراء العالم الذين يعتبرون وجودهم في تل ابيب ضرباُ من السياحة المرفهة. اما ما يجري امام اعينهم فانه لا يتعدى في نظرهم كونه نتيجة طبيعية للوضع الراهن، وان اي لوْم لمسببيه، انما يعرقل "عملية السلام " !، وما عملية السلام هذه الا عذرا سَمِجا، مهترئا يحاولون به اخفاء ما يفعلون من غصبٍ للأرض واستعبادٍ للعباد.

ولا ادري متى سترقى الخارجية الفلسطينية لتعي أن الحال انما هو حالٌ استثنائي يَحتم بناء دبلوماسية استثنائية ترتفع الى عِظَم المصيبة، كما ان هذه الاشرطة المصورة لعمليات القتل والتنكيل ينبغي ان تصل الى تلفزيونات العالم والى مواقعه الالكترونية والشبكات الاعلامية، بشكل ممنهجٍ مدروس. اما الحقوقيون من ابنائنا في الداخل ومعهم اصحاب الضمائر، فان عليهم ان يجمعوا الادلة ضد الخارجين عن الانسانية والقانونمن اذرع السلطة المدنية والعسكرية من اجل ملاحقتهم قضائيا محليا ودوليا، لعلهم يعون ان للحياة حرمةً وان للخلقِ كرامة.

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net 

مقالات متعلقة