الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 25 / أبريل 11:02

جريمة دوما ويقظة الذات/بقلم: جوني منصور

كل العرب
نُشر: 03/08/15 08:05,  حُتلن: 10:22

جوني منصور في مقاله: 

المشكلة التي يرفض المجتمع الاسرائيلي النظر إليها هي تعفن المنظومة التربوية التي تُسيّر حياة وفكر ومستقبل الشباب في اسرائيل. هذه المنظومة تربي أبناء اسرائيل على فكر الغطرسة وتفضيل الذات من خلال التمسك بالعبارة التوراتية "الشعب المختار" و "الشعب الذي فضلة خالق العالم عن غيره" وغيرها من التعابير

الحالة الفلسطينية تدعو إلى النحيب والعويل حيث لا يزال هناك من هو متمسك بفكرة التفاوض والاستمرار في ما يسمى بالعملية السلمية ومنع الشعب الفلسطيني من العودة إلى ذاته لاتخاذ قرار يتعلق بمصيره ومستقبله يجب ان يكون واضحا للفلسطينيين ان حكومة نتنياهو هذه كسابقاتها ترفض التفاوض مع الفلسطينيين

على الفلسطينيين بما هو متوفر لديهم من قدرات وامكانات وهي قليلة ان يضعوا خطة مقاومة جديدة للاحتلال مستخدمين كل الوسائل التي تسمح لهم بمواجهة هذا الاحتلال وادواته وفي مقدمته المستوطنين واضعين بذلك نمطا جديدا من التصدي للاحتلال بعد ان فشل ما سمي بـ " المقاومة الشعبية"

يحتاج الاسرائيلي إلى محاسبة الذات عميقا حول ما تقوم به جحافل المستوطنين وعليهم اي على الاسرائيليين النهوض حالا والعمل على انهاء الاحتلال وتفكيك الاستيطان

ليس الاستنكار والشجب هما الحل الرئيس لمشهدية العنف الإجرامي الذي قامت به مجموعة مارقة من المستوطنين المجرمين بحق الرضيع علي دوابشة في قرية دوما نهاية الاسبوع الفائت. لا من جهة رئيس حكومة اسرائيل نتنياهو ولا من جهة السلطة الفلسطينية في رام الله. إلى جانب ذلك وقعت حركات مناهضة واحتجاجية للحكومة الاسرائليية الحالية وأيضا الاعلام الاسرائيلي المجند في خطأ فاضح عندما ربطوا ظاهرة العنف بحادثين منفردين لا علاقة بينهما وقعا في الاسبوع الماضي، ونقصد هنا حادث الطعن الذي ارتكبه يهودي متدين متزمت ضد تظاهرة الاعتزاز، والحادث الاجرامي الذي ذهب ضحيته الرضيع المذكور بحرق منزل العائلة.

المشكلة التي يرفض المجتمع الاسرائيلي النظر إليها هي تعفن المنظومة التربوية التي تُسيّر حياة وفكر ومستقبل الشباب في اسرائيل. هذه المنظومة تربي أبناء اسرائيل على فكر الغطرسة وتفضيل الذات من خلال التمسك بالعبارة التوراتية "الشعب المختار" و "الشعب الذي فضلة خالق العالم عن غيره" وغيرها من التعابير والجمل المقتطعة من التوراة والتلمود وكتابات آباء الصهيونية. هنا يكمن الخطر في تربية الشباب ومنذ الصغر على رفض الآخر وبالتالي إلى تنمية الكراهية.

كنت في السابق قد طلبت مرارا وتكرارا انه بات من الضروري المطالبة بفحص مناهج وكتب التدريس في المدارس العبرية على مختلف مستوياتها. وايضا مراقبة ومتابعة ما يعلمه المعلمون في المدراس الاسرائيلية وفي معاهد التعليم الديني بخاصة، وينقولنه من رسائل تحريضية ضد العرب عامة والمسلمين والفلسطينيين خاصة. إن كتب التدريس، وبخاصة كتب التاريخ سواء التاريخ الخاص بشعب اسرائيل أو تاريخ الحركة الصهيونية وتاريخ الصراع الاسرائيلي/ العربي، وتفسير التوراة والأدب العبري مليئة بنصوص تسيء إلى العرب، وتنتشر فيها صور مؤطرة معبئة بالآراء المسبقة عن العرب والفلسطينيين وتصويرهم بكونهم وحوش كاسرة، ومجرمين ولصوص وارهابيين... في حين انها تمجد المستوطنين عبر الزمن وتمنحهم هالة من القدسية والبراءة، وتثني على كونهم حملة رسالة انسانية تهدف إلى خلاص الأرض والانسان في الارض الموعودة.

إن مثل هذا الفكر المتغطرس والقمعي في اساسه هو سيد الموقف في أوساط الطلبة في اسرائيل، وخصوصا في أوساط المستوطنين.
هذا من جهة أولى، في حين انه من الجهة الثانية فإن سياسة حكومة نتنياهو بكامل أعضائها المنتمين الى اليمين المتطرف، يسعون إلى تطبيق فكر اقتلاعي للشعب الفلسطيني بمصادرة اراضيه، وترحيله وطرده وهدم بيوته ومنع تنقله بحرية في أراضيه وغيرها من الاجراءات الاجرامية وغير القانونية التي يقوم بها جيش الاحتلال والمستوطنين... كلها تعمل على تطبيق سياسة إحلالية، اي إحلال المستوطنين مكان سكان البلاد الاصليين. إن حكومة نتنياهو الحالية وسابقاتها لم تسع إلى السلام أو إلى التفاوض الجدي مع الفلسطينيين الذين – اي الفلسطينيين – ما زالوا يعيشون في حالة من الوهم انه يمكن التفاوض مع حكومة اسرائيلية . إن هذه الحكومة وبشخص رئيسها تعمل على إدارة الصراع فقط، بل تأبيده. وهذا يعني تأبيد الصراع من خلال إدارته يوميا وساعة بساعة.

ولا يمكن فهم اساس عمل الحكومة الاسرائيلية الحالية وسابقاتها على حد سواء، وتجاوب الاسرائيليين إلا من منطلق وجود إجماع اسرائيلي في ان الاستيطان هو ليس المشكلة بين الطرفين، اي بين اسرائيل والفلسطينيين. إن مسلسل الاعتداءات التي قام ويقوم بها المستوطنون بغطاء سياسي من الحكومة الاسرائليية وبغطاء عسكري من الجيش حامي المستوطنين بكونه جيش الاحتلال الاسرائيلي، كل هذا لم يحرك الشارع الاسرائيلي ليقوم وينتفض على حكومته ضد سياساتها في المستوطنات. وإن مشاريع مقاطعة منتجات المستوطنات في الخارج وانتشارها بشكل كبير عالميا لم تجعل هذا الشعب يقلب الأمور ضد حكامه. وإن تفوهات نتنياهو وتصريحاته الوقحة تجاه الرئيس اوباما في أعقاب انجاز الاتفاق النووي مع ايران.. لم تجعل الشعب في اسرائيل يقول كلمة مؤيدة لهذا الاتفاق الذي من الممكن ان يوفر شكلا من الاستقرار في منطقة الشرق الاوسط مستقبلا. هذا لا يعني انني من مناصري اوباما، بل لمعالجة الحالة الاسرائيلية القائمة استعنت بهذا النموذج.
ما يمكن فهمه وإدراكه ان الاجماع الاسرائيلي شبه التام على سياسات الحكومة لهو خير دليل على ان هذا المجتمع بكامله واقع في كمين "نظرية القطيع"، اي التبعية العمياء للحكام الذي يزرعون يوميا بذور الخوف لدرجة الرُّهاب(الفوبيا) في قلوب المواطنين دون أن يوفروا لهم الحلول التي من الممكن ان تمنحهم شيئا من الأمل للمستقبل.

بالمقابل، فإن الحالة الفلسطينية تدعو إلى النحيب والعويل، حيث لا يزال هناك من هو متمسك بفكرة التفاوض والاستمرار في ما يسمى بالعملية السلمية... ومنع الشعب الفلسطيني من العودة إلى ذاته لاتخاذ قرار يتعلق بمصيره ومستقبله... يجب ان يكون واضحا للفلسطينيين ان حكومة نتنياهو هذه كسابقاتها ترفض التفاوض مع الفلسطينيين، لا تريد التوصل إلى اي اتفاق. ما تريده هو الإجهاز الكلي على ما تبقى من اتفاقيات اوسلو، وقد تم لها ذلك بالكامل تقريبا، والسيطرة بالقوة على اكبر مساحة من الاراضي الفلسطينية في الضفة الغربية، والاستمرار في محاصرة غزة.. كل ذلك تحت عيون الشرعية الدولية التي فشلت في توفير الحماية للفلسطينيين الرازحين تحت الاحتلال البغيض منذ قرابة نصف قرن، وفشلت ايضا عن قصد في حل الصراع الذي هي اي الشرعية الدولية جزء من مركباته الأساسية...
لهذا بات من الضروري على الفلسطينيين إدراك أن مشروع التفاوض قد تم وأده نهائيا... ولم تعد هناك اي حاجة للعودة إلى طرحه ، إلا في سياقات جديدة وبشروط مختلفة كليا.

على الفلسطينيين بما هو متوفر لديهم من قدرات وامكانات وهي قليلة، ان يضعوا خطة مقاومة جديدة للاحتلال مستخدمين كل الوسائل التي تسمح لهم بمواجهة هذا الاحتلال وادواته وفي مقدمته المستوطنين واضعين بذلك نمطا جديدا من التصدي للاحتلال بعد ان فشل ما سمي بـ " المقاومة الشعبية".
يحتاج الاسرائيلي إلى محاسبة الذات عميقا حول ما تقوم به جحافل المستوطنين، وعليهم اي على الاسرائيليين النهوض حالا والعمل على انهاء الاحتلال وتفكيك الاستيطان. وعلى الاسرائيليين إدراك أمر هام وهو أن العالم بأكمله مصاب بالتقزز من سياسات حكومته الحالية وغطرسة رئيسها ووزرائه. والأهم من كل هذا على الاسرائيلي ان يفتح عينيه على يوم جديد يحمل فيه معايير جديدة مختلفة عن القائمة. ويحتاج الفلسطيني أيضا إلى إعادة إحياء روح المقاومة المشروعة للحفاظ على وجوده أولا ومن ثم بناء مستقبله بدولته التي يحلم بها.

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net 

مقالات متعلقة