الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 18 / أبريل 10:02

مدخل لفهم مشروع دولة الخلافة الاسلامية/ بقلم: منصور عباس

كل العرب
نُشر: 09/08/15 17:49,  حُتلن: 14:49

منصور عباس في مقاله:

فكرة ومنصب الخلافة لم تنقطع عن واقع الجماعات والطوائف المنتسبة للاسلام وبعض حكام الدول العربية والاسلامية فمثلا الطائفة الاسماعيلية "الفرقة النزارية" ما زالت تبايع لخليفة منها

يخطئ من يعتقد ان "الخلافة الاسلامية" بالمفهوم العام جدا وبانواعها المختلفة واشكالها المتعددة هي حالة تاريخية تجاوزها الزمن بل على العكس هي حالة في وجدان الغالبية الساحقة من المسلمين 

تَعتبر الحركاتُ الاسلامية ذات الطابع السياسي إقامةَ "دولة الخلافة الاسلامية" عنوانَ مشروعها السياسي، ومما لا شك فيه أن إقامة أي دولة بالمفهوم العام هي ذروة سنام أي مشروع سياسي لأي حزب أو جماعة وطنية كانت أم دينية في مرحلة ما قبل تأسيس الدولة، أما إذا أقيمت الدولة فإن الجماعات السياسية تسعى غالبًا للوصول للسلطة وحكم البلاد وفق رؤيتها وأجندتها السياسية، الاقتصادية والاجتماعية وذلك بطريقين إما الانتخاب الديمقراطي أو الانقلاب والغلبة. 


الدعوة العملية وليس النظرية فقط، لاقامة دولة الخلافة بدأت بشكل أساسي من خلال جماعة الاخوان المسلمين التي أسسها ونظّر لها الاستاذ الشهيد حسن البنا رحمه الله عام 1928م، والتي جاءت بعد الإلغاء الرسمي لمنصب الخليفة عام 1924م على يد كمال اتاتورك، وقبله السقوط الفعلي للدولة العثمانية "الدولة العلية" في الحرب العالمية الاولى ووقوع معظم العالم العربي والاسلامي تحت الاستعمار الغربي سواء الاجزاء التي كانت تابعة للدولة العثمانية أو التي كان مستقلة عنه. مضت سنوات الاستعمار وأقيمت دول عربية واسلامية مستقلة بحدود مبتدعة من قبل سلطات الاستعمار الغربي خصوصا البريطاني الفرنسي (اتفاقية سايكس بيكو).

لم يغير الوضع الجديد للمنطقة العربية والاسلامية موقف حركة الاخوان المسلمين، وبقيت تدعو لاقامة الخلافة الاسلامية العابرة للحدود السياسية وللهويات القومية والاثنية والدينية لشعوب المنطقة العربية والاسلامية، وتبعها في ذلك حزب التحرير الاسلامي (تأسس عام 1953م) والجماعة الاسلامية في شبه القارة الهندية بزعامة أبي الاعلى المودودي رحمه الله، أما الجماعات السلفية فانقسمت لاتجاهين: السلفية العلمية التي شرعنت وجود الدول المستقلة عملا بمبدأ الحاكم المتغلب ووجوب طاعته وعدم الخروج عليه، والاتجاه الاخر هو جماعات السلفية الجهادية كالقاعدة وأخواتها والتي اعلن فصيلها المنشق عنها (تنظيم داعش) عن "دولة الخلافة الاسلامية على منهاج النبوة" ويبدو أن معظم فصائل السلفية الجهادية ستلتحق بهذا التنظيم.

يحسن بي أن أنبه الى أن فكرة ومنصب الخلافة لم تنقطع عن واقع الجماعات والطوائف المنتسبة للاسلام وبعض حكام الدول العربية والاسلامية، فمثلا الطائفة الاسماعيلية "الفرقة النزارية" ما زالت تبايع لخليفة منها (ترتيبه التاسع والاربعين) حتى بعد سقوط الخلافة الفاطمية عام 1171م، الطائفة الاحمدية بايعت للخليفة الخامس، الطائفة الشيعية الاثني عشرية في ايران وبعد أن تجاوزت حالة انتظار المهدي إمام الزمان تعرف المرشد الاعلى للثورة الايرانية هو إمام المسلمين الموصوف بالولي الفقيه ونائب المهدي. ملك المغرب يلقب بأمير المؤمنين وهو ينتمي لسلالة البيت النبوي التي تحكم المغرب منذ قرابة خمسمائة عام، ويُدعى له على منابر عدد من دول غرب افريقيا وأخيرا خلافة أبي بكر البغدادي الحسيني القرشي كما ينسب نفسه.

يخطئ من يعتقد ان "الخلافة الاسلامية" بالمفهوم العام جدا وبانواعها المختلفة واشكالها المتعددة هي حالة تاريخية تجاوزها الزمن، بل على العكس هي حالة في وجدان الغالبية الساحقة من المسلمين سواء الاسلامي منهم وغير الاسلامي، خصوصا عندما يستحضر احدهم الحالة البائسة للعرب والمسلمين في عصرنا هذا مقارنة بخلافة الراشدين وفترات طويلة من حكم الامويين والعباسيين والعثمانيين وغيرهم.. ثم إنها فكرة عابرة للمذاهب والطوائف والحركات الاسلامية المختلفة، بل ان بعضهم كالشيعة مثلا يعتبرها أصل من أصول الايمان، أما السنة عموما فيعتبرونها من فرائض الدين وواجباته الاكيدة، وان اعتبروها من مسائل الفروع (الفقه والاحكام) الا انهم حشدوا لها الأدلة من القرآن والسنة والسيرة والاجماع.
القضية إذا ليست في مسألة شرعية وجوب الدولة ولا في إمكانية وجودها ولا في تسميتها بدولة "الخلافة الاسلامية" ، وانما في المنهج والمضمون الحقيقي والقيم والمبادئ التي تمثلها هذه الدولة، فالتسمية لا تصنع منها دولة اسلامية حقا، وعدم التسمية لا تحرمها فضائل ومزايا "الخلافة الاسلامية" ان انتهجت منهج العدل الجامع لاركان الحكم الرشيد، وغني أيضاً عن القول أننا لسنا بحاجة الى شعارات براقة في هذا العصر حول مشروع الخلافة الاسلامية، فالنماذج العملية التي قدمناها لا تبشر بخير، بل تسيء الى الاسلام وأهله والاسلاميين منهم بالذات، وان تبرأنا منها واعتبرنا من يقفون خلفها تنظيمات مارقة عن الدين وتشوه الدين وتسيء تطبيقه.

من يريد أن يطرح مشروع دولة " الخلافة الاسلامية" فليفصل وليبين المنهج ولا يدعي فقط انها دولة على منهاج النبوة ، فهكذا هي داعش " خلافة اسلامية على منهاج النبوة " والنبي صلى الله عليه وسلم منهم براء. نريد أن نعرف مثلا معالم دستور الدولة من يحق له ان يكون رئيسا لها ( خليفة ) من ينتخبه ( يبايعه)؟ الرجال والنساء أم الرجال فقط ؟ المسلمون فقط ام يشاركهم غيرهم في انتخاب رئيسهم خليفتهم، هل ينتخبه عامة الناس أم أهل الحل والعقد فقط ؟ هل سيموت الخليفة وهو خليفة، ام سيصبح لدينا الخليفة السابق والاسبق؟! هل سينفرد في السلطات الثلاث أم سيكون معه برلمان (مجلس شورى) يسن القوانين ويراقب منتخب أم معين؟ من ينتخبهم؟ هل يجوز أن يكون في عضويته غير المسلمين؟ ماذا عن التعددية ؟ ماذا عن الاحزاب ؟ هل سيسمح للحزب الشيوعي ان يشارك في الحياة السياسية أم في السجون والمقابر ( كما هم الاخوان اليوم في مصر )؟ّ! ماذا عن الحريات العامة والفردية وحقوق الانسان أين تبدأ وأين تنتهي؟ ماذا عن الاقليات الدينية ؟ هل هم أهل ذمة أم شركاء الوطن؟ ما لهم وما عليهم، هل سيدفعون جزية وهم صاغرون أم ضرائب وهم مكرمون؟! الاسئلة كثيرة جدا ولا يمكن ان نطالب الناس بقبول مشروعنا والعمل عليه أو الرضى به من غيرها. القاعدة تقول: "الحكم على الشيء فرع عن تصوره".

كثيرة هي الحركات والاحزاب ذات المرجعية الاسلامية التي تتصف بالوسطية والاعتدال تركت الشعارات والتسميات وبدأت تتحدث عن المضامين والمناهج ، فبدل الحديث عن خلافة اسلامية باطلاقها، ينظرون اليوم للحكم الرشيد، ويتصدون في ابحاث السياسة الشرعية للقضايا المعاصرة في مجال الحكم، كالموقف من الدولة الوطنية وعلاقتها بنموذج الخلافة العابر للحدود، الديمقراطية بشقيها القيمي والفني وعلاقتها بالشورى المعطّلة، الحريات العامة والفردية وحقوق الانسان، المواطنة واعتبارها، الاقليات ومكانتهم وحقوقهم ، المرأة والمشاركة في الحياة السياسية والحيز العام وغيرها كثير.. ربما نتعرض في المستقبل القريب لجملة من هذه القضايا نعرض فيها رؤى اسلامية معاصرة ومتقدمة تجعل من المشروع السياسي الاسلامي معقولا، منطقيا، واقعيا، انسانيا، ربانيا.. واخيرا اسلاميا حقا.

واخيرا.. هل لمبحث الخلافة الاسلامية علاقة فيما نمر به في داخلنا الفلسطيني، وهل يفيدنا في شيء ؟ ادّعائي انه نعم ، ونحتاج الى تفصيل وتوضيح وانزال لبعض القضايا الى ارض واقعنا بحكمة ومسؤولية وروية، ومرجعيتنا في ذلك الدولة النبوية في المدينة، وخلافة ابي بكر وعمر وعثمان وعلي الراشدة حقا.

مقالات متعلقة