الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 25 / أبريل 15:02

السنة الدراسية والإضراب بين المطرقة والسندان/ بقلم:لمى مرجية

كل العرب
نُشر: 31/08/15 10:07,  حُتلن: 11:53

لمى مرجيّة في مقالها:

ها هم طلابنا يتأرجحون بين وضعَيْن لا يُحسدون عليهما افتتاح السنة الدراسية في المدارس كالمعتاد، أو تأجيل هذا إلى أجلٍ غير مُسمّى

أتمنى أن نتفهّم خطوة الإضراب، ونتحمّل مسؤوليتها جميعًا دون استثناء، وقد جاءت مقالتي لتوضيح فكرة الإضراب وأسبابه، والتأكيد على أن خوض هذه التجربة لا بدّ أن يحمل معه بعض الخسائر لطلابنا

يصادفُ يوم غد الأول من أيلول، افتتاح السنة الدراسية، ولكن تختنق لهفة العودة لربط عنقها بحبل "الإضراب"، وتقف طوابير الطلاب منتظرة "الفرج" بإصدار القرار، وما بين تساؤل الناس عن أسباب الإضراب، وحاجتي لـِ "فشّة خلق" اخترتُ كتابة مقالتي...

لطالما اقترن الأوّل من أيلول بمناسبة مميزة، ألا وهي العودة إلى المدارس، بعد عطلةٍ طويلة تمتدّ لشهرين أو أكثر، فتبدأ التحضيرات منذ شهر آب، من حيث اقتناء مستلزمات الدراسة من كتب ودفاتر وأقلام وكافّة القرطاسية اللازمة، ويبالغ الطلاب أحيانًا كثيرة، في اقتناء أمور مميّزة لا حاجة لها فيكون الشراء مُترفًا لبعضهم، خاصّة طلّاب الصفّ الأوّل الذين يعيشون هذه التجربة للمرة الأولى، حيث يقومون بشراء أدوات مزيّنة ومزركشة، كأغلفة ملوّنة للكتب، عليها صور للرسومات المتحركة المفضّلة لديهم وغيرها من الأمور، مما يؤدي إلى خلق مشاكلَ عديدة بين الصغار، لهذا قامت بعض المدارس بإصدار تعليمات تنصّ على أن يتم شراء الأمور اللازمة فقط دون التمادي في جلب ما هو باهظ الثمن، احترامًا لمشاعر الأطفال ذوي الإمكانات المادية المحدودة، الذين لا يملكون ثمن هذه الأمور، فيشعرون بخيبة ونقص حين يرونَها بيد زملائهم في الصف. هذه التعليمات الواضحة جعلت الأهل حينها يكتفون باقتناء المستلزمات المتواضعة لأطفالهم، دون البذخ أو الإفراط في الإنفاق، للمحافظة على مستوى معتدل بين جميع الطلاب في الصفوف. وقد تمّ أيجاد حلّ جذري للعديد من المشاكل الأخرى عن طريق اللباس الموحّد المُعتمَد في المدارس...

اليوم لم تعُد المشاكل محصورة بهذا النطاق الصغير، وإنّما تحوّلت إلى مشاكل أكبر تلمس كلّ طالب عربي... فها هو الأوّل من أيلول يقترب، وها هم طلابنا يتأرجحون بين وضعَيْن لا يُحسدون عليهما؛ افتتاح السنة الدراسية في المدارس كالمعتاد، أو تأجيل هذا إلى أجلٍ غير مُسمّى، فقد باتت العودة إلى المدرسة في أيامنا فاترة، خالية من تلك اللهفة المعهودة، بعد أن اقترن كلّ شيء بذلك القرار المجهول "إضراب"... وها هم الطلاب ينتظرون إصدار القرار، كانتظار متهم لإصدار الحكم عليه من قِبَل القاضي في المحكمة...
لقد فُقِدَت تلك التجربة الفريدة المقترنة بالأوّل من أيلول، والتي عاشتها أجيال عديدة سابقة بطريقة طبيعية وسويّة، أمّا جيل اليوم فقد خسر عيشَ هذه التجربة لكونه يعيش فترة صعبة مليئة بالتعقيدات على كافّة الأصعدة، حيث تزداد المشاكل والمتطلبات، مع التزايد السكّاني الكبير... فعلى الرغم من التطور الحاصل على المستوى التكنولوجي، ولكن هناك هبوط حاد في تلبية أقلّ الحاجات الفعلية للطلاب في المدارس العربية، فنرى أعداد هائلة من الطلاب في الصفوف، حيث تُوضع في الغُرَف أعداد تفوق قدرتها على الاستيعاب، مما يخلق ظروف صعبة للطلاب والمعلمين، إضافةً إلى عدم توفّر المكيّفات أو العدّة الكاملة لممارسة التعليم ذي المعنى عن طريق العروضات المحوسبة وغيرها من الأمور...

هذه النواقص أدّت إلى المطالبة بتخصيص ميزانية معيّنة للمدارس العربية بهدف سدّ تلك الفجوة، وخلق جو تعليمي مناسب لكافّة الطلاب، لإتاحة فرص تعليمية تعود بالفائدة على الجميع، فيأخذ كل طالب حقّه، ولكن لم تُحقق الحكومة تلك الطلبات، ممّا أدّى إلى التهديد بالإضراب، وها قد اقترب موعد افتتاح المدارس، وتحوّل التهديد إلى عمل فعلي على أرض الواقع.

ما هو الإضراب؟
الإضراب عبارة عن التوقّف عن العمل بصورة مقصودة وجماعية بهدف الضغط على المسؤولين أو الحكومات، وعند الغوص في الحقبة التاريخية لهذا الموضوع، يتضّح أن الإضراب الأوّل كان في عهد الفراعنة، أي حوالي ألف سنة قبل الميلاد، ضد رمسيس الثالث، حين اعترض العمّال على العمل الشاق الذي يُوضع على أكتافهم، وساعات العمل الطويلة، إضافة إلى عدم حصولهم على وقتٍ كافٍ للراحة.
وهناك أنواع عديدة للإضراب، النوع الأول يُدعى "إضراب عام"، أي شامل لكل الموظفين والعمال الذين يتفقون على التوقّف عن العمل بصورة تامّة حتى تُلبّى طلباتهم، والنوع الثاني يدعى "إضراب جزئي" أو "إضراب تباطؤ" ومعناه التحديد من الإنتاجية في العمل، والتباطؤ في إنجاز المهمات، ورفض العمل لوقت إضافي، ويعتبر هذا النوع خطر جدًا كونه يحمل في طيّاته احتمال كبير لحدوث مشاحنات بين العامل والزبون، خاصّة في أماكن العمل العامة، كالمصارف أو الدوائر الحكومية. وهناك نوع آخر يُدعى "إضراب التعاطف"، ومعناه إضراب شريحة صغيرة من الموظفين أو العمال تعاطفًا مع نظرائهم العاملين في مكان مجاور، ودعمًا لهم، ويوجد أيضًا "الإضراب عن الطعام"، أي الامتناع عن الأكل كشكل من أشكال الاحتجاج، وغالبًا ما يُمارَس هذا الإضراب من قبل السجناء احتجاجًا على ممارسات تعسفية عليهم من قبل السلطات، ومنذ عدّة أيام اشتهرت إحدى الحالات التابعة لهذا النوع من الإضراب، وهي حالة الأسير الفلسطيني محمد علّان، الذي اعتُقل في السجون الإسرائيلية، ولكنه أضرب عن الطعام لمدة تزيد عن الشهر إحتجاجًا على مسألة الاعتقال الإداري، مما أدّى إلى تدهور حالته الصحية، وشاعت قضيته لدى الرأي العام، وبالتالي لعب هذا دورًا مهمًا في الضغط على السلطة الإسرائيلية لأخذ مطلبه بعين الاعتبار، وفعلًا نجح الأمر...
أمّا الإضراب المتعلّق بمقالتي فهو إضراب المدارس احتجاجًا على عدّة أمور مثل الاكتظاظ داخل الصفوف، أو ظروف البُنى التحتية السيئة، وعدم تمرير الميزانيات الكافية للمدارس حتى يتسنى لها تطوير وتحسين ظروفها...
ما بين خيبة فقدان تلك اللهفة المقترنة بالأول من أيلول، وخيبة عدم الحصول على الميزانيات اللازمة لتحسن الظروف للطلاب، يقف الطلاب في طابور الانتظار، والأهل مشتتون، والحياة الدراسية متوقّفة على ذلك القرار...
التعليم هو الرسالة الأهم والأسمى في الحياة، لهذا على الدولة استثمار الميزانية الأكبر في هذا المجال، بدلًا من إنفاق الأموال على الحروبات والأسلحة، وأنا بصفتي إنسانة أولًا، ومعلّمة أنتمي إلى هذا الحقل التعليمي ثانيًا، أرى أنّه يجب الإصرار على الحصول على كلّ المطالب وعدم التنازل عنها مقابل وعودات مؤجّلة، وعلى الرغم من أنّ الإضراب موجع نوعًا ما، ويُفقد الطلاب لهفتهم للدخول، وكأنهم يبدأون السنة بالقدم اليُسرى بكلّ ما يحمله هذا التعبير من طاقة سلبية وشحنات شؤم، لكن لا بدّ من التضحية للحصول على النتيجة المرجوّة والتي ستعود بالفائدة الجمّة على الجميع...

وأخيرًا وليس آخرًا، أتمنى أن نتفهّم خطوة الإضراب، ونتحمّل مسؤوليتها جميعًا دون استثناء، وقد جاءت مقالتي لتوضيح فكرة الإضراب وأسبابه، والتأكيد على أن خوض هذه التجربة لا بدّ أن يحمل معه بعض الخسائر لطلابنا، ولكن بالنهاية هناك مكاسب كثيرة تستحق هذه المعاناة، ولا بدّ هنا من ذِكر المثل الصيني الشهير:
إذا أردت محصولا لسنة فازرع قمحًا
وإذا أردت محصولًا لسنوات فازرع شجرًا
أمّا إذا أردت محصولًا يدوم إلى الأبد فازرع علمًا وثقافةً ومعرفة
لهذا يتحقّق الاستثمار الأكبر بأطفالنا، فليس هناك أعظم من زراعة العلم بهم، وانتظار حصاده في المستقبل بأشكال مختلفة تعود بالخير على المجتمع...
وفي النهاية أتمنى أن تتحقق كلّ المطالب، وتتم التحسينات اللازمة في كل المدارس العربية على حدّ سواء، وأتمنى أن تحمل هذه السنة معها كلّ الخير للطلاب والمعلمين والأهالي وكلّ من يُشارك في تقديم هذه الرسالة السامية، وكما يقول المثل العربي "كلّ تأخير فيه خير"...

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net 
 

مقالات متعلقة