الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 25 / أبريل 00:02

اهداف التعليم والتغيير المطلوب/ بقلم: إبراهيم صرصور

كل العرب
نُشر: 02/09/15 14:24,  حُتلن: 09:13

إبراهيم صرصور في مقاله:

(نتنياهو) عزز الأبعاد الخفية – العلنية لمنظومة التعليم العبري وأهدافه والتي لا علاقة لها بالقيم الإنسانية العابرة للثقافات والحضارات وحتى الأديان

لو أن العرب والمسلمين ملكوا الحصانة الفكرية والإيمانية والتنظيمية لما تجرأ احد في الأرض مهما بلغ في طغيانه أن يركب لهم ظهرا

اهتممت بأحداث الأول من أيلول / سبتمبر هذا العام، وتابعت ما نشرته وسائل الاعلام بشأنه، لا بصفته (الفاتح من سبتمبر) الليبي المشؤوم، ولكن بصفته بداية سنة دراسية جديدة، نتمنى ان تحمل بشرى لمجتمعنا العربي الذي طال انتظاره لبداية نهضة حقيقية تضعه على الطريق الصحيح في كل مناحي الحياة.

لكن اكثر ما لفت انتباهي واستفز مشاعري ما قاله (نتنياهو) في لقائه مع طلاب (الصف الأول) في احدى مدارس القدس. ظننت لأول وهلة انه سيتحدث لهم عن تجربته كطفل يدخل (الصف الأول) لأول مرة، يشركهم في مشاعره حينها، في مخاوفه، في هواجسه وفي أحلامه. الخ. لم يفعل ذلك ابدا، لكنه اختار اخس الأساليب وأكثرها وضاعة. اختار ان يحرض (أطفال إسرائيل !!!) ضد (أطفال فلسطين )، مدعيا كذبا وزورا ان إسرائيل تربي أطفالها على (السلام !!!!!!) هكذا بكل وقاحة، بينما على مسافة بضعة كيلومترات هنالك شعب (يعني الفلسطينيين) يربي اطفاله على عكس هذه القيم، يعني يربيه على الحرب وعلى الموت، على الحقد وعلى الكراهية. ويخلص رئيس الوزراء الاسرائيل في حديثة لأطفال الصف الأول - أؤكد طلاب الصف الأول – ان حكومته ستحمي اطفالها وستدافع عنهم. لن تتسامح وسترد بمنتهى القوة على أي اعتداء على أطفالها (عليكم) هكذا توجه بكلامه الى الأطفال الذين نظروا في وجهه محاولين فهم كلامه دون جدوى. حتى (التصفيق الطفولي) لرئيس وزرائهم في نهاية كلمته التحريضية وغير التربوية كان مصطنعا، اذا جاء تقليدا (قِرْدِياً / من كلمة قرد) لمرافقي (نتنياهو) الذين صفقوا أولا، فانطلق الأطفال يصفقون، ولسان حالهم يقول : لماذا؟

جَسَّدَ (نتنياهو) أسوأ مثال للتربية التي من المفروض ان تبني الانسان السَّوِيّ. لم تكن كلمته سوى حقنة من الكراهية والحقد والسادية دفعها بوحشية في عروق غضة لأطفال سيكونون غدا قادة إسرائيل. أراد بهذا ان يضمن الا يقل الجيل القادم كراهية للفلسطينيين والعرب عن جيله هو من جهة، وألا تجد المعاني الجميلة والقيم السامية طريقها إلى هذه القلوب الصغيرة، فتتحول الى تهديد استراتيجي لإسرائيل وامنها في وجه (أعدائها) من الجهة الأخرى.

الرسالة التي مررها (نتنياهو) لأطفال إسرائيل واحدة لا تحتمل تأويلين. الحرب القائمة على الكراهية للآخر هي الخيار الاستراتيجي لإسرائيل، اما السلام وحسن الجوار والعلاقات الإنسانية والحقوق المشروعة في الحرية والحياة الكريمة للجميع بلا استثناء فلا مكان لها في قاموس نتنياهو.

لقد وضع (نتنياهو) من خلال كلمته الاطار الفكري – العقائدي لأهداف التعليم العبري في إسرائيل. او بكلمات ادق، عزز (نتنياهو) الأبعاد الخفية – العلنية لمنظومة التعليم العبري وأهدافه، والتي لا علاقة لها بالقيم الإنسانية العابرة للثقافات والحضارات وحتى الأديان.

يأتي هذا التوجه الإسرائيلي الذي لم يفاجئني في ظل انهيار لمعايير التربية في أغلب الدول العربية والإسلامية (مصر وسوريا كنموذج) التي أعلنت الحرب جهارا نهارا على قيمها الدينية والوطنية والقومية لمصلحة منظومات (قيمية !!!!!!!!!) تسلخ الامة من هويتها وحاضنتها الفكرية الاصيلة، وتزرع بدلها ثقافة التغريب في اشرس وأحط صورها الغرائزية بعيدا عن منتجها الحضاري والمدني على الأقل، وتؤسس لعبادة الحاكم الفرد والدكتاتورية الفاسدة، وتكريس حالة الانقسام والتشظي السياسي والجغرافي والديموغرافي خدمة ل - (سايكس بيكو) جديدة – قديمة، اكبر واخبث مؤامرة حاكها الغرب ضد امتنا على امتداد تاريخا الطويل.

ليس هذا فحسب، بل ذهبت بعض السياسات العربية التربوية – التثقيفية – التوعوية الحالية إلى أبعد من ذلك بكثير، إذ حددت - خدمة لمصالحها وبقائها في السلطة – خريطة التحالفات والولاءات والعلاقات داخليا وخارجيا، حتى اصبح العدو صديقا والصديق عدوا، والخائن مؤتمنا والمؤتمن خائنا، والصادق كاذبا والكاذب صادقا، والخليع شريفا والشريف وضيعا، والفاسد زعيما والصالح أسيرا وسجينا، والراقصة أمَّاً مثالية والبروفسور في الزنازين مقيدا. تماما كما قال الشاعر :

أو ما ترى ماحلّ في وطني وما حيل الصباح به كئيباً كالمسا
أو ما ترى أشلاءَ أمّتيَ التي بها طرّز التاريخ حِلّاً وأكتسى
أنظر إلى أعلامهم هذا هنا وكذا هناك والكلّ بات منكّسا
أهم غٍفاءٌ ذاك قول نبينا أم انه ليلُ التخاذل عسعسا
عِجلٌ له خَوَرٌ تنصّب قائداً والسارق الخوّان أصبح حارسا
والعالِم النِحرير بات مقيدا والراقص الديوس صار مرأسا
ومن ارتمى بدمائه مُتجندلاً وأبى غبارَ الذل ان يتنفسّا
ذاك الذي سموه محضَ تهوّرٍ لكن من يُكري بلادَه فارسا
بلدي أردتكِ حرّةً تأبى الخَنا لكن غيري قد أرادك مومسا
هُمُ شرّعوا أبواب مخدعِكِ الذي ما أعتاد يوماً أن يكون مدنّسا
وأباحوا عرضك للذين تشدّقوا بتحرّرٍ، فحذارِ أن يتنجسّا

اهداف التعليم عند (نتنياهو) تتلخص في اعداد اليهودي لخدمة شعبه ووطنه في اطار ديموقراطية حقيقية تضمن صياغة شعب شامخ، ولكن مدفوعا بِكَمٍّ كاف من الحقد والكراهية للآخر غير اليهودي، أما النظام العربي الرسمي فأهداف التعليم عنده اعداد كَمٍّ كاف من العبيد (المواطنين) يضمنون التصفيق له والتسبيح بحمده والترويج لبطولاته الوهمية، ومبايعته حتى الموت، مدفوعين بِكَمٍّ كاف من الحقد والدموية والكراهية لمن صنفوه بالآخر، وهو الأصيل في شعبه والحامل لهمه والمضحي في سبيل عزته. اما الأعداء الحقيقيون فشركاء استراتيجيون وسادة مقربون وحلفاء مُطاعون.

التقى (نتنياهو) مع النظام العربي الرسمي في اغلبه الساحق ومع كثير من الأوساط في مجتمعاتنا العربية في توجيه بوصلة العداء الى الإسلام وحاملي مشروعه السياسي والذي وُصِفَ ب - (الإسلام السياسي )، يتم التعامل معه تحت تأثير هوس الحرب على (الإسلام الراديكالي !!!!!!) الذي لم ينج منه إسلامي الا من انخرط في صفوف العبيد، حيث امتلأت أمخاخ هؤلاء واولئك بصور جُمِعت من شتى المصادر، مُدَعَّمَةً بتحليلات عدد من (أهل الرأي !!!) من العُرْبِ والأعاجم، وضعت الإسلام علاوة على المسلمين في خانة التهديد الأكبر على وجودهم.

ليس من الصعب تفنيد ما جاء على لسان (نتنياهو) في حديثه لأطفاله في المدرسة، او ما يأتي على ألسنة أزلام النظام العربي الرسمي، على اعتبار انه ليس في أحسن الأحوال إلا دعاية (بروباغاندا) من النوع الرخيص، حشاه مُعِدّوه ومنتجوه بكل ما وصلت اليه أيديهم من قِطَع المعلومات المشوهة والمستفزة لغرائز الناس، والمحرضة بشكل دموي على امة ودين ما زال المحايدون من أهل الغرب والشرق يعترفون له بفضله على الإنسانية في الماضي والحاضر، رغم ما يخوضه من مواجهات وعدوان لا ينتهي هو الأعنف في وحشيته وقسوته على امتداد تاريخ البشرية. ..

ذكرني هذا الموضوع بقصة قرأتها منذ مدة تشير بشكل أو بآخر إلى الهوس غير المبرر الذي يسيطر على عدد كبير من متخذي القرار في العالم، والذي ذهبوا في تعاملهم مع الإسلام والمسلمين إلى مدى بدأ يهدد وبشكل سافر الأمن العالمي والاستقرار الدولي.

تروي القصة أن مهاجرا عربيا يعيش في أمريكا، رغب في أن يزرع البطاطا في حديقة منزله، ولكنه لا يستطيع لكبر سنه. فأرسل لابنه الذي يدرس في باريس عبر البريد الالكتروني هذه الرسالة :

الأب : ابني الحبيب خالد. تمنيت أن تكون معي الآن وتساعدني في حرث الحديقة لكي ازرع البطاطا فليس عندي من يساعدني. وفي اليوم التالي استلم الأب الرسالة التالية :
الابن : أبي العزيز. أرجوك. إياك أن تحرث الحديقة لأني أخفيت فيها شيئا مهما... إذا رجعت سأخبرك ما هو.... ابنك خالد ..

لم تمض ساعة على الرسالة وإذا برجال (ال - اف بي آي) والاستخبارات والجيش الأمريكيين ، يحاصرون المنزل ويحفرونه شبرا شبرا. فلما لم يجدوا شيئا غادروا المنزل ؟؟؟

وصلت رسالة للأب من ابنه في اليوم التالي :

الابن : أبي العزيز. أرجو أن تكون الأرض قد حرثت بشكل جيد. فهذا ما استطعت أن أساعدك به وأنا في باريس. وإذا احتجت لشيء آخر اخبرني وسامحني على التقصير... ابنك خالد. .. ..

قد تكون القصة خيالية، إلا أنها تعكس وبشكل واضح حقيقة الهجمة الغربية - العربية واتساعها ضد حملة مشروع النهضة الإسلامي، والتي استباحت اخص خصوصيات الأفراد والجماعات. تبدأ كما رأينا في القصة بمراقبة التلفونات وملاحقة أصحابها دون هوادة، وتتسع في عنفها وشراستها إلى حدود لا يمكن التنبؤ بها : الغزو والاجتياح واستباحة الأرض والعرض، وإزهاق الأرواح وسفك الدماء وحرق الأخضر واليابس، وهي بعضٌ من (بركات !!!) هذا النظام العربي – الغربي – الإسرائيلي الجديد.

لن تنجح قوى الاحتلال الظلامية للنظام الجديد التي تطمع في السيطرة منفردة في إقناع الرأي العام الغربي - العربي بالقبول بأساليب معاملة هذه القوى وإقرار حروب النهب والسلب التي تشنها معا او كل على انفراد، والتي تسعى كلها الى شيطنة القوى الحية في عالمنا العربي والإسلامي التي ترفض بإصرار أنظمة الاستبداد والفساد بقدر ما ترفض سياسة ارتهان هذه الأنظمة للغرب وإسرائيل.

هذه السياسات التي تعتمد تقنيات متطورة لدعايةٍ تنزع الطبيعة الإنسانية عن (العدو !!! )، وتختزل قضيته السياسية العامة في الظلامية الدينية، وتُلْبِسُ في المقابل القاتل مسوح الرهبان وحُلَلَ القديسين، وتضع في يديه الملطختين بدماء ضحاياه الأبرياء صحائف ادعوا أنها من عند الله، وأعلاما جعلوها عنوانا للمساواة والعدالة وحب الإنسان، وما هي في الحقيقة إلا قناعا تختبئ من ورائه خلاصة الشر التي تفوقت في بشاعتها على شر الشياطين والأبالسة أجمعين، من يوم خلق الله سبحانه الخَلْقِ وإلى يوم الدين. .

لكني مع ذلك لا يمكنني أن أحَمِّلَ الغرب وإسرائيل وحدههما مسؤولية ما حَلَّ بنا وما يَحُلُّ بنا حتى اليوم، فلو أن العرب والمسلمين ملكوا الحصانة الفكرية والإيمانية والتنظيمية، لما تجرأ احد في الأرض مهما بلغ في طغيانه أن يركب لهم ظهرا، وهم الأقوى والأثرى والأعظم مبدأً وعددا وعتادا.

عندما نملك الجرأة للاعتراف بأن الانحطاط ثاو فينا، وأنه ما أساء احد إلينا كما أسانا نحن لأنفسنا، وعندما ندرك أن أي تغيير في واقعنا لا بد له من بداية، وأن هذه البداية لا بد لها أن تأتي من داخلنا. حينها وحينها فقط سنبدأ رحلة الصعود، ولا بد لهذا الصعود أن يبلغ كماله وغايته في يوم ما.

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net

مقالات متعلقة