الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 20 / أبريل 09:02

نعم، إسرائيل هي السبب/ بقلم: البروفيسور أحمد الناطور

كل العرب
نُشر: 03/09/15 12:44,  حُتلن: 09:22

البروفيسور أحمد الناطور في مقاله:

دول اوروبا وامريكا "المتحضرة" تحمل في رقبتها دم هؤلاء الى يوم الدين لانها منذ الازل وهي التي تخطط وتنفذ المؤامرات ضد العرب وشعوب العرب

منظر الأطفال العرب الفارين من الموت الى الموت على القوارب الهشّة ثم جثثهم المنثورة على الشاطئ لا تثير لديهم ذاكرةً او رحمة لانهم عرب

لم يَعُد في معاجم اللغات شتائم لم نُلقها على وجه امة العرب ازاء مناظر كوارث اللاجئين السوريين والليبيين الذين يغوصون في اعماق البحار هربًا من الموت الى الموت. من ذا الذي لم يفِر قلبه من صدره لمرأى صور الاطفال الذين انتثروا على سواحل المتوسط، جثثا هامدة، مشكّلين شهادة ابدية على عار العرب والمسلمين اولًا والمجتمع الدولي "الانساني" ثانيًا وسياسة القهر الاجرامية التي جعلها الغرب قَدَرا محتومًا للعرب، بعد ان دمّر اوطانهم بايديهم وكأنه المصير الذي لا مفر لهم منه الا اليه. اطفال فرّوا من اهوال جهنم التي اقتحمت غرف نومهم الى البحرالذي لا امان له، فصدّتهم امواجه المجنونة... حتى البحر الذي احب هؤلاء الصغار معانقة شواطئه ثار اليوم عليهم وراح يزيد على جراحهم ضِغثًا على إيّاله، فقرر هو الآخر أن يأخذ حصته من ارواحهم.

الحقيقة المرة هي ان دول اوروبا وامريكا "المتحضرة" تحمل في رقبتها دم هؤلاء الى يوم الدين، لانها منذ الازل وهي التي تخطط وتنفذ المؤامرات ضد العرب وشعوب العرب، وهي التي تشارك في عمليات القتل والتدمير المباشرة حينا، وتخترع منظمات الشياطين الهمجية لتلعب باسمها دور القاتل والمدمر حينا اخر، الامر الذي يجعلها مسؤولة مباشرةً عن دم هذه الضحايا البريئة في العراق وسوريا وليبيا وأفغانستان واليمن، وبالتالي فهي لا تصنع معروفا حين تستوعب منهم من يحظى ببلوغ حدودها، بعد رحلة من العذاب والخطر.

أمّا إسرائيل، التي قامت على ارض العرب، فنهبت الارض وهجّرت شعبا بحاله، فقطع التلال والسهول والجبال مشيًا على الاقدام، بحثًا عن مخدةٍ يريح عليها رأسه المتعب في مخيمات سوريا ولبنان والاردن وسائر اماكن الشتات، هي الادرى باهوال اللجوء التي تسببت بها. وانت لا تدري كم من هؤلاء اللاجئين السوريين هم في الأصل فلسطينيون، لجأوا ولجأوا وها هم يموتون في لجوئهم الأخير في عرض البحر لان غيرهم قد اغتصب ارضهم واجلاهم عنها. ليس لهذا السبب فحسب، بل ان إسرائيل، الى السوريين اقرب، وهم ليسوا بحاجة للابحار اليها، لانهم على مرمى حجر من حدودها، ولعله شيء من صحوة الضمير، التي تنبّه صاحبها بوجوب التكفير عن بعض ذنبه الذي اقترفه بحق الذين اجلاهم وبوجوب فعل شيء من الخير، لعله يريح ضميره مؤقتا. وان كانت المانيا وغيرها من دول الغرب تقوم باستيعاب بعض اللاجئين اليس على إسرائيل ان تفعل ذلك من بابٍ اولى ؟! ولو فعلت لما ابحر هؤلاء الى الموت.

حين قاربت حرب فيتنام على نهايتها سنة 1979، فرّ لاجئون من فيتنام الى البحر في قوارب هشّة، تماما كما يفعل السوريون اليوم. سفن إسرائيل الحنونة التي كانت تجوب البحار هناك التقطتهم من البحر الهائج، وبقرار من رئيس الحكومة بيغين، تقرر استيعابهم في إسرائيل ومنحهم الجنسية. لقد بلغ عدد هؤلاء قرابة 600 لاجئ، قال بيغين يومها انه قد استذكر بهم صور اليهود الفارّين من النازيين في عرض البحر. اشفق بيغن على هؤلاء ثم غلبته الحميّة والشهامة فقرر استجلابهم الى إسرائيل. يومها قال زميله ورفيقه شيلانسكي :" انا اعرف هذا مما حدث لشعبي، اعرف هذا مما جرى لي شخصيا، من ظهرسفينة "هاي هونج" اسمع الان الصراخ وانا من بقية المحرقة النازية، الذي حظيتُ بالنجاة ثم بعضوية البرلمان، ارى من المناسب ان اجعل من نفسي صدىً لهم "، جميل، ولكن هؤلاء لم يكونوا عربا، وهو بيت القصيد !

ولمّا حاولت إسرائيل استيعاب بعض لاجئي البوسنة المسلمين - إبّان حرب العار في البوسنة، لم تفلح في ان تفعل، ولم تستوعب الا 84 لاجئا، غمرتهم اعتراضات الفئات العنصرية في البرلمان بقيادة زعيم حركة موليدت آنذاك رحبعام زئيفي، الذي كان معروفا بكرهه للعرب، وكأنهم هم الذين اشعلوا المحرقة النازية.
للمقارنة فحسب، فان الفلاشة - وهم اثيوبيون لم تربطهم بالطقوس اليهودية صلة، بل كانوا منذ اواسط القرن التاسع عشر على المسيحية، جاءت بهم إسرائيل بقرار حكومي اليها. قال احدهم انه كان يكفي ان يشهد اثنان امام لجنة مختصة بان فلاشيًا ما ذو اصول يهودية، حتى لو كان ذلك بانه كان قد رضع مرةً من عنزةٍ كانت امها قد رأت يهوديًا عَرَضًا، فهو يهودي ابن يهودية، له مكان ومكانة في إسرائيل، ومثلُه الاثيوبي الذي يستحق ان تقوم إسرائيل من اجله برشوة الجنرال جعفر النميري - رئيس السودان آن ذاك، ليسهّل مرور هؤلاء عبر بلاده، فيما عُرِف بعملية موسى.

في اكتوبر 2012 قامت إسرائيل بعملية "اجنحة اليمامة" التي نقلت اليهم خمسة الاف فلاشي، ثم بلغ عددهم عند نهايتها 7846 فلاشيا. لقد تقرر استيعاب هؤلاء بقرار من الحكومة اعتمادا الى قانون الدخول الى إسرائيل. وان كانت إسرائيل تستجلب كل عام عشرات الآلاف من الخلق، وهم ليسوا لاجئين قد فروا من حرب او طوفان، فان عليها ان تستوعب اللاجئين السوريين التي لفظتهم ارضهم الى متاهات الغيب من بابٍ اولى. إن كانت سفنها قد التقت بقوارب اللاجئين في الشرق الأقصى فكيف لم تلتقِ بقوارب السوريين امام مياهها الإقليمية – مع ان سفنها وطائراتها تجوب البحر المتوسط ليل نهار وتعرف كل سمكةٍ فيه باسمها، ام ان منظر الأطفال العرب الفارين من الموت الى الموت على القوارب الهشّة ثم جثثهم المنثورة على الشاطئ لا تثير لديهم ذاكرةً او رحمة، لانهم عرب؟؟؟!

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net

مقالات متعلقة