الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الأربعاء 15 / مايو 09:01

الطبقة/ بقلم: سمير عطا الله

كل العرب
نُشر: 23/12/15 11:00,  حُتلن: 11:03

سمير عطا الله في مقاله:

الخمول الفكري والاجتماعي أدى إلى ذلك الانغلاق الكاسر في العقول وفي القلوب معًا وكان طبيعيًا أن ننتقل من انغلاق إلى آخر ومن عنف لفظي إلى عنفٍ حقيقي

الكاتب أصبح كاتب النظام والشاعر شاعر النظام والاقتصادي شريك النظام لا حاجة به إلى أكثر من تأمين العمولة

أعقبت موجة الاستقلال في العالم العربي موجة هائلة من التأميمات. شملت عمليات التأميم كل مرفق من مرافق الحياة: الزراعة والصناعة والصحافة والتعليم، وكل شيء آخر. وبسبب الحملات على الصناعيين والزراعيين والتجار، تحوّلت كل هذه الحقول المنتجة إلى أعمال شائنة ومعيبة. وبدل أن تستمر الأدوات الاقتصادية وتتطور، أصيبت بالشلل والتخلُّف والصدأ. وبصورة تلقائية، انصرف الجيل الجديد إلى عمل واحد هو الأكثر سهولة وقبولاً.

أي السياسة. وصارت الأحزاب هي الطريق إلى الجاه والمكانة بدل الإنتاج والمنافسة. كما صار الكلام هو الصناعة شبه الوحيدة، خصوصًا العنيف منها، أو ذلك المحمّل ألفاظًا معقدة وجملاً مركبة لا تقول شيئًا سوى تكرار العبارات الفارغة التي يرددها جميع من يعتلي منبرًا، أو يحمل قلمًا، أو يعدّ انقلابًا. لم يبقَ أي مساحة للعمل أو النقاش أو التقدم وفق الكفاءة والشروط. المحسوبية هي الشرط الوحيد، والولاء الأعمى هو الكفاءة الوحيدة. وهكذا، تحولت المجتمعات إلى طبقة عدمية لا تكلّف نفسها البحث عن أي سعي، أو جهدًا في سبيل أي شيء.


هذا الخمول الفكري والاجتماعي أدى إلى ذلك الانغلاق الكاسر في العقول وفي القلوب معًا. وكان طبيعيًا أن ننتقل من انغلاق إلى آخر، ومن عنف لفظي إلى عنفٍ حقيقي. ذلك أن جميع المقاييس والمعايير لم يعد لها وجود أو احترام أو اعتبار. وصار التزلّم، الخالي من أي مقدرة، هو القاعدة العامة والكافية المستكفية. وعمّ الشحّ شيئًا فشيئًا جميع أشكال الإبداع والحوافز. فالكاتب أصبح كاتب النظام، والشاعر شاعر النظام، والاقتصادي شريك النظام، لا حاجة به إلى أكثر من تأمين العمولة. ولا إبداع في الخوف، بل مسيرة واحدة نحو المزيد من التقهقر والتبذّل. وفي مرحلة ما، جاء جميع شعراء العرب إلى بيروت لكي يحافظوا على ألَقِهم، ويعبّروا عن آلامهم بصدق ووجدان. من بدر شاكر السيّاب إلى نزار قباني إلى أدونيس ومحمد الماغوط وعبد الوهاب البيّاتي. إضافة طبعًا إلى محمود درويش، الهارب من ظلم إسرائيل. وقد أفادت بيروت من لجوء التجّار والشعراء والمفكرين وحتى السياسيين الكبار الهاربين من بلدانهم إلى مقهى يذكرون فيه بصوت عالٍ أيام العز والاستقرار.

أحيانًا يُخيّل للمرء أن كل ما نراه اليوم هو نتيجة ما شهدناه بالأمس: وأد الحريّات وتعليق الفكر وتبذّل الاقتصاد وإلغاء التجارة وحظر الفنون وتزليم التعليم. كم كان مؤسفًا أن يَعقُب الاستقلال عن الأجنبي هذا النوع القاسي من العبودية الوطنية.

نقلا عن الشرق الأوسط

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net

مقالات متعلقة