الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 18 / مايو 15:01

مرض النفاق وتخلف المجتمع/ بقلم: رافع أمارة

كل العرب
نُشر: 07/11/16 13:21,  حُتلن: 16:13

رافع أمارة في مقاله:

في أيامنا هذه أصبحَ النّفاق ظاهرةً متفشيةً، فاجتاحت المجتمع وساهمت في تعطيل مسيرة التقدم واللحاق بركب الحضارة ومواكبتها

ليس مطلوبٌا منك أن تفتدي مالك ونفسك في سبيل قول كلمة الحقّ –مع أنها مكرمة عظيمة وشيمة أصيلة- واعتراض المفسدين، ولكن على الأقل لا تسطفّ معهم

النفاق يؤدّي إلى إحداثِ خللٍ فادحٍ في النّظام الاجتماعي والسّلوكي الأخلاقيّ السّليم بحيث يتم تغييب القوانين وقواعد التعامل بين أفراد المجتمع فتُغيَّب سلطة القانون ويتم استبدالها بسلطة النفاق

النفاق في اللّغة العربية هو أن يظهر الإنسان ما لا يبطن، أي يزوّرُ موقفًا أو اعتقادًا -بمعنى يسرّه في نفسه- ويظهر نقيضهُ أو غيره. وأصل الكلمة من النفق الذي تحفره بعض الحيوانات وتجعل له مخرجين بحيث اذا هاجمها عدوٌّ من أحد المخرجين هربت من المخرج الآخر. وسُمّيَ المُنافِق به لأنّه يجعل لنفسهِ وجهين، فينتقي الوجه المناسب للموقف المناسب.
واما النفاق في المفهوم الاسلامي يقسم الى نوعين :
1- النفاق الاعتقادي : وهو المعرّف بالنّفاق الأكبر، يظهر صاحبه الإسلام ويعتقد بالكفر. هذا النفاق "يمرق" صاحبه من دين الله عزّ وجلّ كما يخرج السّهم من الرّمية، وهو مخلّدٌ في الدرك الأسفل من النار لقوله تعالى في سورة النساء " إنّ المنافقين في الدرك الأسفل من النّار ولن تجد لهم نصيرا" وذكرهم تعالى بقوله وهو الحقّ " يخادعون الله واللذين آمنو وما يخدعون إلّا أنفسهم وما يشعرون " وأشهرُ من عرف بالنفاق في التاريخ الاسلامي هو عبد الله بن أبي بن سلول.
2- النفاق العملي : وهو عمل شيء من أعمال المنافقين دون كفر وهذا لا يخرج صاحبه من الإسلام واذا كثر النفاق صار يسمّى منافقا.

ومن صفات المنافقين:
• انهم يقولون بألسنتهم ما ليس بقلوبهم.
• انهم يخادعون المؤمنين.
• يفسدون في الارض بالقول والفعل.
• يحلفون كذباً ليستروا جرائمهم.

كل ما ذكر أعلاه هو مفهوم النفاق بنظرة اسلامية وهذا لا يعني أنه يوجد أي تناقض بين هذا المفهوم والمفهوم المجتمعي العام للنفاق والمنافقين.
لقد عرفنا من التاريخ أنه في كلّ الأعصار كان هنالكَ نفاقاً ووُجد المنافقون من كلّ قطرٍ من النّاس عامّةً.
في أيامنا هذه أصبحَ النّفاق ظاهرةً متفشيةً، فاجتاحت المجتمع وساهمت في تعطيل مسيرة التقدم واللحاق بركب الحضارة ومواكبتها.
فكيف بربّكم نخطوا إلى الامام وقد اختلطت الموازين وتبدلت المعايير وانقلبت كلّ المعاني على أعقابها بحيث أصبحنا كلوحة غير واضحةِ المعالم لا لون لها ولا معنى.
دعونا نتطرق إلى نوعيّة المنافقين ودوافعهم :

1- مداهنة الحكّام ورجال السّلطة، بحيث يداهنهم المنافق بهدف كسب ودّهم والحصول على بعضِ الامتيازات أو بعض الحقوق. والوجه الأخر للنفاق لصاحب السلطة هو الحصول على مصالح وامتيازات ليست بالضرورة هي حق من الحقوق، وبما أنه لا يستطيع الحصول عليها بالأساليب السليمة والطرق التعاونية والمتعارف عليها يكيل المديح ويلقيهِ على صاحب القرار للحصول على ما يريد.
2- النفاق للغني فقط لكونه ثريا بغض النظر كيف جمع ماله حلالاً أم حراماً بجهده الخاص أم على أكتاف الكادحين والمساكين وباكل حقوقهم. والمنافق بهذه الحالة يكون عادة انساناً اما ضعيفاً من الناحية الاجتماعية أو الاقتصادية أو كلتاهما، يتقرب وينافق لهذا الغني (ولا غني إلّا الله) كي يكون قريباً منه. يكون هداه الله طامعاً إمّا بعملٍ أو مأدبةٍ، متجاهلاً أو متناسيًا لسوء خلقه وسمعته السّيّئة، ومحاباة الاغنياء لا تقتصر على الضعفاء من الناحية الاقتصادية أو الاجتماعية وانما أيضا على ضعفاء النفوس اللذين هم غير راضين بنصيبهم في الدنيا حتى ولو كانوا يملكون المال الوفير.
3- النّفاق لذي الشّوكة والعدوان الذي يشكّل تهديداً للنّاس والّذي قال عنه نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم-أي الرّجل العدوانيّ- إن الله ليبغض كلّ عتلٍّ جوّاظ، أي سيّء الخلق الّذي يتحاشاه النّاس لشرّه. يداهنه المنافق ويمتدحه ويهيل عليه بوابل المدائح للسّلامة من شرّه وعدوانه الكلاميّ والجسديّ.

القاسم المشترك الأعظم بين كل أصناف المنافقين هو اتّسامهم بالجبن وحب المادة وانعدام عزة النفس والكبرياء، ولو ظلموا أنفسهم بهذا فلا حقّ لنا بالتهجّم والإنكار-اللهمّ إلّا النّصح- ولكن خطورة الأمر هو في إفساد المجتمع. حيث يعتاد المنافق على الاستجابة لمن ينافقه، غياب كلمة الحق وتكريس نهجًا بعيداً كل البعد عن المجتمع الحضاري الذي يحكمه القانون والقواعد السليمة.

فالنفاق يؤدّي إلى إحداثِ خللٍ فادحٍ في النّظام الاجتماعي والسّلوكي الأخلاقيّ السّليم بحيث يتم تغييب القوانين وقواعد التعامل بين أفراد المجتمع فتُغيَّب سلطة القانون ويتم استبدالها بسلطة النفاق. بهذا نكون قد حكمنا بالإعدام على أهم عنصر من عناصر بناء مجتمع يساوي بين أفراده وتسوده العدالة الاجتماعية التي تمثل مصدر القوة للحاكم والمحكوم.
اخواني، لقد قال أحد الحكماء :
" النفاق هو جسم مليء بالعفن تغطيه ملابس أنيقة "
فلا عجب ولا غرابة من حالة مجتمعنا طالما أن قدوة شبابنا هم شخصيات لا تملك من المقومات الى أحد الثلاثة السلطة، الثراء او العنف.
فطالما نحن على هذا الحال سنستمر في طريق الانحدار الحادّ حتى حين.
أخي العزيز، وبهذا أختم.
ليس مطلوبٌا منك أن تفتدي مالك ونفسك في سبيل قول كلمة الحقّ –مع أنها مكرمة عظيمة وشيمة أصيلة- واعتراض المفسدين، ولكن على الأقل لا تسطفّ معهم ولا أن تلفّ لفيفهم وأصمد امام كل المغريات المادية والدنيوية فكرامتك وعزة نفسك أثمن منها بكثير فان لم تستطع قول الحق فلا تصفق للباطل.

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net


مقالات متعلقة