في غيبوبة التعجرف والكبرياء التي تجعل أصحابها يتناسون القول المأثور " إن كل ذي عاهة جبار" مع كل محاولات رسل المحبة ، لغرس التواضع في أفئدة البشرية للتعامل مع بعضهم البعض دون أن يتعالى احدهم على الآخر، بالنظر فقط إلى شكله أو إلى لونه دون الغوص في الأعماق، فكم بالحري أن كنت أنا وأنت من ذوي الاحتياجات الخاصة ، يجرجرون وراءنا عاهة لعينة ما تلبث أن توقع أناسها بين فكي تلك النظرة البلهاء نظرة الحسرات ، بين طياتها لا تخلو من صلاة البلاء والمصاب الجلل التي يؤديها الأفراد والجماعات في كل بقعة من هذا الكون، عندما تولد لهم زهرة قاطنة في بستان التشوهات والعاهات والغريب انه لا فرق بين مسلم , مسيحي , أو حتى إفرنجي فأين نحن من تصرف العقلاء في العشرة والسلوك الحسن تجاههم . ليس هذا فحسب بل إن الغالبية منا يمنح لنفسه شرعية وضع العراقيل أمامهم في شتى الميادين إن كان ذلك في العمل ,التعليم , تكوين الأسرة وفي غيره معللين ذلك أنه ليس باستطاعة هذه الشريحة تحقيق ما يمكن تحقيقه من نجاحات واستثمارات التي يمكن أن تجنى لو أنجزها الأصحاء عوضا عن ، ممن هم غير ذلك .
فكما قال باربارا ادريوس " الإنسان الذي يتسلق الجبل لا يكفي إن يرى القمة من بعيد بل عليه التغلب على الصعوبات من اجل الوصول إليها " وهكذا الحال بالنسبة لذوي الاحتياجات الخاصة إذا فهذا القول، لم يكن يوما مقتصرا على احد بعينه ، ولذلك لم يعد للآخرين ذريعة بنبذ هذه الشريحة وإقصائها ، اللهم سوى التهرب من المسؤولية الملقاة على عاتق كل فرد من أفراد المجتمع . فان كان الرب قد أقر وجودهم بلوح محفوظ منذ الأزل وحث الجميع الصغير منهم قبل الكبير على احترام القدرات الكامنة فيهم وصقلها أيا كانت، عظمت أم صغرت، فعلام ولمَ هم مختلفون أصلا ؟؟؟! وهل اختلافهم عن سائر البشرية يعد جريمة يعاقب عليه القانون الإنساني ؟! .
رغم المواثيق الدولية والقوانين الدستورية منذ قيام الدولة وحتى اللحظة التي تنص جميعها على توفير الحماية والحياة الكريمة لهؤلاء ، إلا أننا وفي الوقت نفسه نرى مضمونا مزركشا مزخرفا بأبهى الكلمات تغري العقول الساذجة للوهلة الأولى ولكن سرعان ما نكتشف أنها مفرغة من أدنى فعالية لها على الأرض
بعيون الكثيرين، هم جسر لحسابات المادة التي لا تنتهي في أحيان كثيرة، وفي أحيان أخرى قربان لأحلام متعثرة أضناها الزمن ليس إلا, وبين ذلك الاحتمال أو ذاك، تحتضر القضية وتغتال الأماني والتطلعات بمستقبل واعد بعيدا عن الدسائس والمؤامرات.
يتحدثون عن معارك الأمة وهيانها في الدفاع عن نفسها وكرامتها الباقية من حطام. صيحاتهم تطفو على ندواتهم ومؤتمراتهم متغاضين بتاتا عن هذه الفئة ، احتياجاتها وآلامها وها هو الكفيف طه حسين قد ولد من رحم المعاناة ، ليصبح كاتبا تشهد له الأنام وقد سبقه إلى ذلك المخترع الفرنسي برايل ، متسلقا جدران الأسى ليكون مخترعا عبقريا فذا، وكلاهما شق دربه نحو المجد ، تاركين خلفهما بصماتهما ذواتي الوقع الخارق سواء على القاصي أو الداني ، مؤكدين ثانية أنه لا يمكن اقتلاع هذه الشريحة ونكرانها ، فستظل تقاوم حتى آخر رمق ومهما كانت ضراوة هذا الصراع ، فهم باقون باقون.