الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الأربعاء 08 / مايو 17:02

فلسطينيون من الـ48 يخرجون من عالم البطالة والفقر.. علبة.. علبة!

تقرير: روزين عودة
نُشر: 28/07/11 20:44,  حُتلن: 22:38

اصحاب مطاعم المدينة يتعاونون مع جامعي العلب حيث يخصصون لهم حاويات بعينها يضعون فيها العلب الفارغة

أحد المشترين: من يجمعون العلب هم من أفراد المجتمع لا حول لهم ولا قوة، ناهيك عن أنهم بنظر المجتمع عمال نظافة ومُحتقرون!

ليس كل جامعي العلب يعملون ليلاً، فهناك أيضاً جامعون يعلمون في ساعات الظهيرة، وإن كان عددهم أقل من زملائهم ممن ينشطون ليلاً

العلب التي تجمعها "ش" ليست معدنية فقط، بل هي أيضاً تجمع العلب البلاستيكية. والكميات التي تجمعها يمكن بيعها مباشرة وبكل سهولة الى المتاجر بفضل قانون في اسرائيل يدعى قانون الوديعة

بكر عواودة مدير عام جمعية الجليل: الأمر بحاجة إلى رقابة وإلى تنفيذ قوانين عادلة لمنع استغلال الفقراء الذين يجمعون هذه العلب الفارغة من قبل من يُسيطر على معامل ومصانع إعادة التدوير

إمطانس شحادة: بعد سنوات من إهمال تنمية الاقتصاد العربي، نجد بوادر لسياسات اقتصادية ليبرالية نوعاً ما، تسعى لتحسين بض المؤشرات الاقتصادية لدى الفلسطينيين، تقتصر على مستوى الأفراد فقط

قبل بضع سنوات، كان الفقر قد وصل ب "ش" (اسم مستعار) وهي ربة منزل، حداً لم تكن تستطيع معه توفير لقمة العيش لأبنائها إلا بالكاد. أمّا اليوم، فإن هذه المرأة التي تقطن إحدى المدن العربية في إسرائيل، تستطيع إمتاعك بقصص لما شاهدته هي وزوجها وأبنائهما خلال الرحلتين اللتين قاموا بهما مؤخراً خارج البلاد بهدف السياحة!


بكر عواودة

كيف حصلت هذه النقلة من الفقر المدقع إلى رفاهية مكنتها حتى من توفير تكاليف رحلات سياحية لعائلتها؟ تجيب "ش" ببساطة إن الأمر لم يكن وليد ثروة هبطت فجأة من السماء، وإنما حصل بالتدريج "علبة.. علبة"!
وببساطة أشد، فإن هذه المرأة التي يتناقل جيرانها قصتها بازدراء حيناً وحسد وإعجاب أحياناً، تمكنت من إخراج نفسها وأسرتها من عنق زجاجة البطالة والفقر المستفحلين بين العرب في إسرائيل، عن طريق العمل في جمع وبيع علب المشروبات الفارغة.
وهي ليست الوحيدة التي اهتدت إلى هذه المهنة، ولكنها بالتأكيد من أوائل من انخرطوا فيها وشكلت تجاربهم إلهاماً لآخرين أخذت أعدادهم تتزايد في الوسط العربي وبشكل ملحوظ في الفترة الأخيرة.

"أعادتني للحياة"
تروي "ش" قصتها الملهمة في منزلها الذي تبدو عليه معالم الأناقة البسيطة التي تترك انطباع بأن وضعها المالي مريح، وتقول "كان وضع عائلتي الاقتصادي يرثى له، وكنت أمر كربة منزل في فترات حياتية لا حول ولا قوة وأحياناً كنت أتمنى لقمة العيش لأطفالي".
وتتابع:" وذات يوم مررت بمجموعة علب فارغة كانت ملقاة على قارعة الطريق قرب منزلي، وجمعتها بهدف التنظيف لا أكثر. وبعد يومين رأت جارتي العلب في كيس نايلون بجانب حاوية المنزل فاقترحت علي أن أبيعها لأن هناك من يشتري كل 4 علب فارغة بشاقل. وبالفعل قامت "ش" ببيع العلب الفارغة التي جمعتها وأخذت مقابلها مبلغاً فاق ما كانت تتوقعه.
ومن حينها قررت جمع العلب الفارغة من الحي الذي تعيش فيه، وبأثمانها قامت باجراء صيانة للمنزل، كتصليح الأبواب والغسالة وغيرها، حتى أنها قررت شراء جهاز تلفاز جديد!
وبما أن هذه العملية كانت مجزية جداً، فقد اقنعت "ش" زوجها بالانضمام اليها، وهو الأمر الذي ضاعف أعداد العلب التي أصبحت تستطيع بيعها.


امطانس شحادة

ما العيب؟
تقول "ش" بنبرة منتشية تنم عن رضا وشعور بالفخر:" الحمدلله. منذ ذلك الحين أشعر أن حالة عائلتي الاقتصادية تتحسن شيئاً فشيئاً، واليوم وصلت وعائلتي إلى وضع مثالي، لأننا نجحنا في تجميع وبيع مئات آلاف العلب الفارغة، وتقاضينا مقابلها مبالغ كبيرة".
وتضيف:" تعاونت مع زوجي على تسديد الديون، والتوفير لأجل مستقبل أطفالنا، ناهيك عن أننا سافرنا إلى خارج البلاد مرتين منذ بداية تجميع العلب".
تعيش "ش" الآن مع عائلتها المؤلفة من 4 أفراد، حياة رفاهية دون ضغوط مادية أو غيرها، ولا زالت حتى اليوم تجمع العلب الفارغة لأنها تؤمن أنها الطريق نحو حياة أفضل، ناهيك عن أنها تؤمن أن بيع العلب يساهم في المحافظة على البيئة من ناحية أخرى.
لكن هذه المراة المكافحة لا تخفي شعورها بالامتعاض من نظرة "الاحتقار" التي يرمقها بها المجتمع.
وتقول:" لا زلت لا أفهم ما العيب في جمع العلب؟! لم يحتقرني أحد عندما كنت ابحث عن كسرة الخبز لأطفالي، ولم يساعدني أحد على النهوض من مستنقع الفقر الذي عشت فيه أعواماً طويلة".
وتتابع بثقة وقوة شكيمة:" العمل ليس عيباً لكن العيب أن أعمل بما لا يرضي الله، والعيب أكثر أن لا أفكر بإنقاذ عائلتي، أنا امرأة تحلم بمستقبل مشرق لأطفالها، ولن أعير أي انتباه لأي نظرة تحتقر عملي، أنا أحترم هذه العلب الفارغة الذي ملأتني قوة وأعادتني للحياة".



تجارة مربحة
العلب التي تجمعها "ش" ليست معدنية فقط، بل هي أيضاً تجمع العلب البلاستيكية. والكميات التي تجمعها يمكن بيعها مباشرة وبكل سهولة الى المتاجر بفضل قانون في اسرائيل يدعى قانون الوديعة على العلب الفارغة، والذي يهدف بالدرجة الاولى الى الحفاظ على البيئة.
وبحسب القانون، الذي يطلق عليه قانون الرهنية كما هو دارج، ، فان المتاجر ملزمة برد مبلغ 25 أغورة لكل من يعيد اليها عبوة مشروب سعتها ما بين 100 ملل وأقل من 1.5 لتر.
ومن جهتها، تقوم المتاجر بإعادة العبوات الى المزودين الرئيسيين، وتحصل على أثمانها بحسب القانون، وذلك وصولاً بهذه العبوات الى مصانع تقوم بتدويرها وإعادتها مجدداً إلى الأسواق.
ولا تخضع للقانون سوى العبوات التي تحمل إشارة خاصة بالرهنية، والتي يتجاوز عدد المتداول منها في الأسواق المليار عبوة سنوياً، في حين أن المُعاد تدويره يبلغ نحو 900 مليون.
وبما أن الكميات التي تجمعها "ش" وغيرها ممن يمتهنون جمع العلب، هي كميات لا يستطيع متجر عادي شراءها كلها، فان الفائض يجري بيعه الى اشخاص بعينهم يقومون بدورهم ببيعها الى المزودين أو مصانع إعادة التدوير، وجميعها يملكها يهود.
على أن هؤلاء الأشخاص يقومون كذلك بشراء العبوات غير الخاضعة للقانون، والتي تكون لها طرق تصريف وأثمان هي الأخرى، وإن كانت أثماناً أقل من تلك يمكن جنيها من علب الرهنية.
ويؤكد رامي، وهو ممن يقومون بشراء العبوات ممن يجمعونها ويبيعها لمصانع إعادة التدوير، إن "جمع العلب وبيعها تجارة مربحة للغاية". ويوضح رامي الذي فضل عدم نشر اسمه صريحاً "أنا على سبيل المثال، وأعتقد أن هذا هو حال الجميع، أشتري من الزبائن (أي من يجمعون العلب) كل 6 علب فارغة بشاقل واحد، وأبيعها لمحلات بيع الحديد كل 4 علب بشاقل".
وفي الوقت الذي تسيطر فيه جماعات معينة على سوق جمع العلب في بعض الدول، لتشكل ما يشبه العصابات أحياناً، الا أن رامي يؤكد إن الأمر ما يزال في نطاق عمل الأفراد فقط في الوسط العربي في إسرائيل.
ويقول:" من يجمعون العلب هم من أفراد المجتمع لا حول لهم ولا قوة، ناهيك عن أنهم بنظر المجتمع عمال نظافة ومُحتقرون!".

ستار الليل
ويعمل في جمع العلب أشخاص بالغون عموماً، وهم ليسوا فقراء بالضرورة، فهناك مثلاً شخص من إحدى البلدات من الشمال يعمل حارساً في المدارس ولديه راتب شهري يفوق راتب موظف عادي، ومع ذلك يجمع العلب ويبيعها.  ونادراً ما نجد عائلات كاملة تعمل في تجميع العلب وبيعها.
وتتفاوت أوقات عمل هؤلاء، حيث أن معظمهم يفضل التجوال في شوارع المدينة بعد منتصف الليل، كي يتسنى لهم جميع العلب بعيداً عن الضجيج والأعين، وينهون عملهم قبيل طلوع الشمس.
وخلال جولتهم الليلية هذه، يجوبون شوارع وأرصفة المدينة، لكن أماكنهم المفضلة هي محطات الحافلات والسيارات والحاويات وخصوصاً تلك الموجودة أمام المقاهي والمطاعم.  ويمكن ملاحظة أن اصحاب مطاعم المدينة يتعاونون مع جامعي العلب حيث يخصصون لهم حاويات بعينها يضعون فيها العلب الفارغة.
وليس كل جامعي العلب يعملون ليلاً، فهناك أيضاً جامعون يعلمون في ساعات الظهيرة، وإن كان عددهم أقل من زملائهم ممن ينشطون ليلاً. وهؤلاء تجدهم عند أسوار المدارس والجمعيات والمراكز التجارية والنوادي. وعند انقضاء جولاتهم يحملون العلب الفارغة في أكياس كبيرة على ظهورهم، ليعودوا بها الى منازلهم، حيث يقومون بتجميعها وبيعها للمحلات المختصة كل يومين أو ثلاثة.
وبالطبع تتفاوت الأرباح من شخص لآخر، وذلك بحسب الأوقات والأماكن التي يقصدها، حيث يخبرنا بعضهم أن من يجمع العلب وقت الظهيرة في المناطق التي تتواجد فيها مدارس تفوق من أرباح من يجمع العلب بعد منتصف الليل.

مخاوف مبررة
ومع تزايد أعداد من يعملون في جمع العلب في أوساط العرب، فإن مختصين يبدون مخاوف من أن تعمد شركات ومصانع إعادة التدوير إلى محاولة استغلالهم والسيطرة على هذه السوق.
يقول بكر عواودة مدير عام جمعية الجليل إن:" الأمر بحاجة إلى رقابة وإلى تنفيذ قوانين عادلة لمنع استغلال الفقراء الذين يجمعون هذه العلب الفارغة من قبل من يُسيطر على معامل ومصانع إعادة التدوير".
ويضيف مدير الجمعية التي تُعنى بقضايا الصحة والبيئة والشؤون الاجتماعية والاقتصادية للفلسطينيين في إسرائيل:" برأيي هؤلاء الأشخاص يقومون بعمل شريف يكسبون من خلاله لقمة عيش شريفة تؤمن احتياجاتهم بكرامة وعلى المجتمع أن يحترمهم للدور المهم الذي يؤدنه".
ولكنه يرى أن:" حل مشكلة الفقر لا يمكن التعويل عليه من خلال جمع العلب الفارغة، لأن هذا يبقى حلاً موضعياً ولا يمكن أن يوفر أماكن عمل".
واكد في هذا السياق أن:" حل المشكلة يحتاج إلى بناء مرافق اقتصادية وبناء تسهيلات تشكل محركاً ودافعاً للاستثمار والتطوير" في أوساط المجتمعات العربية.
ورغم تحفظاته على قانون الرهنية عموماً إلا أن عواودة يقر بأن له منافع بيئية جديرة. ويقول:" يجب ألا ننسى أن تكلفة جمع العلب يدفعها المجتمع وليس المصنع، أي أن مبلغ الرهنية هو مبلغ يُضاف إلى التكلفة وهذا بحد ذاته قد يشجع المصانع على الاستمرار في تصنيع البلاستيك بدلاً من البحث عن سبل جديدة أقل تلويثاً كونها لا تتحمل التكلفة".
ويضيف:" وعلى أي حال، جمع العلب وبيعها وإعادة تدويرها يُساهم في حماية البيئة ونظافتها، فلو أنها لو بقيت ملقاة فهي لا تضر فقط من ناحية المظهر العام إنما أيضاً سيستغرق تحللها من 200-500 عام".

إفقار ممنهج
ومن جهته، فقد اعتبر امطانس شحادة منسق مشروع الرصد السياسي من "مدى الكرمل" المركز العربي للدراسات الاجتماعية التطبيقية، إن ما يضطر العرب إلى العمل في مثل هذه المهن، هو سياسة الإفقار الممنهجة ضدهم من قبل الدولة.
وقال شحادة إنه:" بعد سنوات من إهمال تنمية الاقتصاد العربي، نجد بوادر لسياسات اقتصادية ليبرالية نوعاً ما، تسعى لتحسين بض المؤشرات الاقتصادية لدى الفلسطينيين، تقتصر على مستوى الأفراد فقط، وتصب في المحصلة العامة في مصلحة الاقتصاد الإسرائيلي وفقاً لتوجهات المحافظين".
لكنه قال إن:" تلك التحولات تعمل على فصل الاقتصادي عن السياسي، وتتجاهل المطالب السياسية للفلسطينيين وشروط خلق نمو اقتصادي مستدام".
وتابع:" ازدادت منذ منتصف الثمانينات وتيرة تحول الاقتصاد الإسرائيلي من نمط اقتصاد شبه اشتراكي جماعي استيطاني، إلى نمط اقتصاد رأسمالي. كان تأثير هذه التحولات في السياسات الاقتصادية وفي مبنى الاقتصاد والصناعة سلبياً ولحد كبير على الفلسطينيين في إسرائيل".
وقال:" بدأت بوادر هذه التحولات بالتكشف والظهور نهاية التسعينات لكنها تفاقمت في بداية الألفية الحالية وانعكست أساساً في ارتفاع مستويات الفقر، معدلات البطالة، المشاركة في أسواق العمل وفقاً للفروع الاقتصادية والمهن ومعدلات الدخل".
ويشكل العرب ما نسبته 21 بالمئة من السكان في اسرائيل الذين يناهز عددهم سبعة ملايين. وتبلغ نسبة البطالة بين العرب عموما (ذكوراً وإناثاً) أكثر من 17 بالمائة، مقابل 6.6 بالمائة لليهود.
ووفقاً لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية فإن هذه البطالة المرتفعة أسهمت في زيادة نسبة العرب الذين يعيشون تحت خط الفقر في إسرائيل الى 47.6 بالمائة.



مقالات متعلقة

14º
سماء صافية
11:00 AM
14º
سماء صافية
02:00 PM
13º
سماء صافية
05:00 PM
9º
سماء صافية
08:00 PM
9º
سماء صافية
11:00 PM
06:12 AM
05:31 PM
2.78 km/h

حالة الطقس لمدة اسبوع في الناصرة

14º
الأحد
16º
الاثنين
15º
الثلاثاء
14º
الأربعاء
17º
الخميس
16º
الجمعة
16º
السبت
3.71
USD
3.99
EUR
4.64
GBP
232024.11
BTC
0.51
CNY