الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 17 / مايو 12:02

الحملة العدوانية على غزة.. جدلية الانتصار والهزيمة/ بقلم: سميح غنادري

كل العرب
نُشر: 06/12/12 09:24,  حُتلن: 11:56

سميح غنادري في مقاله:

تؤلمني وتستفزني عاداتنا بتحويل إخفاقاتنا إلى نجاحات وهزائمنا إلى انتصارات

عدم الهزيمة لا يعني بالضرورة انتصارا في كل الأحوال هذا المقياس ليس مطلقاً ويعاني من نقص في المنطق الجدلي

ليس صحيحاً أن القبة الحديدية لم تسقط إلا 20% من الصواريخ التي أطلقتها المقاومة باتجاه إسرائيل بل أسقطت 85% منها

الحرب هي ممارسة للسياسة بوسائل أخرى-عنيفة ويعتمد تحديد الانتصار أو الهزيمة فيها على نتيجتها العسكرية وما تؤدي له من نتائج سياسية

إسرائيل نجحت في عدوانها الأخير في تسجيل نجاحات على جبهات ثلاث هي: الجبهة العسكرية والجبهة السياسية والجبهة الإعلامية وعلى الصعيدين المحلي والدولي

لم تقصد إسرائيل في حملتها العدوانية الأخيرة احتلال غزة وإنما التخلص منها لقد فشل مشروعها الاستيطاني فيها ولا تريد أن تكون مسؤولة عن مليوني فلسطيني يعيش نصفهم تحت خط الفقر وفي بطالة

شياطين إسرائيل تصر على زج الله في حروبها العدوانية. لقد أمطرت إسرائيل غزة بأعمدة من نار ألف طن من المتفجرات وجعلت أعمدة السحاب الأسود الدخاني يضللها أما شعبنا في غزة فنهض من بين رماد خراب القذائف

"عمود السحاب" هذا هو الاسم الذي أطلقته إسرائيل على عدوانها على غزة. وهو اسم مأخوذ من "التوراة" (سفر الخروج 21:13) عن خروج "شعب إسرائيل" من العبودية في مصر إلى الأرض الموعودة- فلسطين وذلك حوالي سنة 1445- 1446 قبل الميلاد

أختلف مع الرأي شبه السائد عربياً، رسمياً واعلامياً وشعوبياً، بهزيمة العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة (2012/11/21-14) وبانتصار الفلسطينيين. لا أقول بهذا أن إسرائيل قد انتصرت. ولا أقصد المس بمعنويات أمة كادت تعتاد الهزائم، وهي أحوج ما تكون لمعنوية الانتصار. وإنما أقصد مناشدة ذاتنا الجماعية، كأمة عربية وكشعب فلسطيني، بتحكيم العقل وتشخيص الواقع وتحليله موضوعياً وعلمانياً حتى نعي ما حصل ونعدّ العدة لتحقيق ما نصبو له من أمل، بدلاً من أن نسترخي ونغفو على مجد أكاليل غار موهوم، فنستفيق على أشواك تُدمي عقولنا وأجسادنا.


تؤلمني وتستفزني عاداتنا بتحويل إخفاقاتنا إلى نجاحات، وهزائمنا إلى انتصارات. حتى ضربة حرب حزيران 1967 والتي ما زلنا نعاني، بعد مرور 45 عاماً عليها، من نتائجها الكارثية، صوّرناها في حينه مجرد نكسة. وكان مَن اعتبرها فشلاً لإسرائيل لأنها لم تسقط أنظمتنا الوطنية. تصدى يومها لبؤس هكذا تقييم بائس المفكر السوري اليساري صادق جلال العظم وأسماها "هزيمة"، في كتابه "النقد الذاتي بعد الهزيمة". لم يحطم العظم يومها عزائمنا، بل أنار عقولنا وأبان لنا طريق هزم الهزيمة. ولا أقصد بهذا لا القول ولا حتى الغمز إلى أن شعبنا الفلسطيني مُني بالهزيمة في العدوان الأخير على غزة. لا، لم نـُهزم، ولكننا لم ننتصر.

أهداف الحرب
الحرب هي ممارسة للسياسة بوسائل أخرى-عنيفة. ويعتمد تحديد الانتصار أو الهزيمة فيها على نتيجتها العسكرية وما تؤدي له من نتائج سياسية. يتطلب هذا فحص أهداف الحرب وفق ما حددها لها مشعلها، وما تحقق أو سيتحقق منها عسكرياً وسياسياً. ومع التقدير لجمالية نص: "الجيش خاسر إن لم يكسب الحرب، والمقاومة رابحة إن لم تخسرها"، إلا أن عدم الهزيمة لا يعني بالضرورة انتصارا في كل الأحوال. هذا المقياس ليس مطلقاً ويعاني من نقص في المنطق الجدلي، وفي تطبيقه على العدوان الأخير على غزة. إسرائيل لم تشن حرباً شاملة على غزة، وإنما حملة عسكرية عدوانية. وفي الحملات والمناوشات لا يجري الحديث عن انتصارات وهزائم حاسمة. وإنما عن نجاح وفشل دون حسم وقول فصل. هذا مع إمكانية وقوع جولات أخرى لحملات أخرى. وعدم الربح وعدم الخسارة لا تعني حتماً الهزيمة أو الانتصار، وإنما قد تعني التعادل. وما ستؤدي إليه الهدنة المتفق عليها بين طرفي الصراع من نتائج ستحسم مدى الربح والخسارة لكل منهما.

كلمات...ليست كالكلمات
إليكم بعض ما التقطّه من تصريحات وتحليلات ظهرت في وسائل الإعلام العربية لبعض القادة العرب (بمن فيهم قادة حماس) ولبعض المحللين وكتبة المقالات، بخصوص تقييم نتائج العدوان الأخير على غزة: "الصمود الأسطوري للمقاومة"، "هذا انتصار إلهي" و "هزيمة للعدو الصهيوني"، "المواجهة البطولية للمقاومة اضطرت إسرائيل إلى الانسحاب"، "ألزمنا العدو بالتراجع عن مخطط وأهداف عدوانه"، "أفشلنا احتلاله لغزة وهرب ذليلاً"، "أسقطنا له الطائرات الحربية والاستطلاعية"، "نجحنا في خلق توازن الرعب"، "ردعنا من جاء لردعنا"، "وصول صواريخنا إلى ريشون لتسيون سجل بدء المعركة لتحرير قريب لفلسطين بالذات في الموقع الذي بدأ فيه المشروع الاستيطاني"، "لم ينجح العدو الصهيوني بتحقيق أي هدف حدده لحربه العدوانية"، "تراجع عن مخططه باقتحام قواته البرية لغزة"، "سقطت كل توقعاته الموهومة التي توّخاها"و "لم يتمكن من النيل من أي شخص من قادة المقاومة"، "أصبح الوصول للقدس وتحرير الأقصى وشيكاً، بعد هذا الانتصار"، "حدث كل هذا دون أن يتمكن العدو الصهيوني من النيل من أي مسؤول في المقاومة"، "اضطر وزير الحرب الإسرائيلي للاستقالة بسبب فشل حملته العدوانية وهزيمته من قبل المقاومة"...؟!

علامتا التساؤل والتعجب
لم أجد أفضل من وضع علامتي التساؤل والتعجب(؟!) في نهاية هذا الفيض الكلامي الذي يعرف مطلقوه وأهلنا في غزة وكلنا جميعاً، وكذلك سكان إسرائيل، أنه مجرد كلام. وغني عن البيان أن هذا الكلام ينافي الواقع، ولا يمدنا بالمعنويات، وإنما بالمزيد من الإحباط المعنوي. ليتَ السيد حسن نصر الله الذي يمد المقاومة في غزة بمقومات الصمود المادي والمعنوي، أن يمهرها بتدريسهم أيضاً معرفة عدوهم وكيف يجب أن يكون التحليل والتقييم، وما هي أهمية الصدق والمصداقية فيه... (هذا طبعاً إذا سُمح له باستمرار دعمهم بعد هكذا تفاهمات هدنة بائسة).
عندما كان العرب القدماء يبنون حضارتهم وتمدّنهم...العمراني والعلمي والفلسفي، اعتقدوا أن "ما من إمام سوى العقل في صبحه والمساء". وقالوا عن هكذا إنشاء أوردناه أعلاه: "لا رباط على الكلام". وحين قدروا أهمية الكلمة وضرر تسفيهها، قالوا "من الكلام ما قتل". تذكرت هذا، وداهمت ذاكرتي في الوقت نفسه القصيدة الغزلية لنزار قباني: "يسمعني حين يراقصني كلمات ليست كالكلمات، يأخذني من تحت ذراعي يزرعني في إحدى الغيمات، وأنا كالطفلة في يده كالريشة تحملها النسمات، يبني لي قصراً من وهم لا أسكن فيه سوى لحظات، وأعود... أعود إلى طاولتي لا شيء معي إلا الكلمات".
شعبنا ليس في حفل راقص، بل تحت القصف. وهو ليس بريشة، ولا يطيب له أن نزرعه بين الغيمات... للحظات. وإنما هو بأمس الحاجة لمده بمقومات الصمود لتحقيق أمله بانتصار موعود. وما من تربة أصلح لهذا، إلا تربة وعينا لأرض واقعنا ولواقع أرضنا-في زمن السلم وزمن الحرب.

حسابات الربح والخسارة...
لم تدخل القوات العسكرية الإسرائيلية إلى أرض غزة. ولم تحدث مواجهة بينها وبين رجال المقاومة في أزقتها فتكبدت الخسائر وانسحبت مذعورة. وقيام طيار إسرائيلي بالقاء حاوية وقود فارغة لطائرته في البحر ليس اسقاطاً لطائرة عسكرية للعدو. واستقالة براك من العمل السياسي (مؤقتا...)، لا كوزير للدفاع، لا تعني عقابه (؟!) على "فشل" العدوان. ونحتاج إلى غياب خارق للعقل حتى نفهم كيف يكون إطلاق صاروخ باتجاه إسرائيل علامة للتحرير الوشيك لفلسطين وللأقصى، خصوصاً في ظل هكذا تفاهم على التهدئة مع المحتل. لقد اطلقت المقاومة باتجاه إسرائيل منذ كانون ثاني 2006 وحتى يومنا هذا 7631 صاروخاً!
لم تقصد إسرائيل، في حملتها العدوانية الأخيرة على غزة، شن حرب شاملة وقاضية عليها. ولا اجتياح قواتها البرية لها، وتدمير كل ما تملكه حركة المقاومة من عتاد، واحتلالها وإسقاط حكم حركة حماس. لذلك أن لا يحدث هذا لا يعني ارتداع إسرائيل وهزيمتها. فهذا ليس من أهداف الحملة العدوانية ولم يكن مخططاً له أصلاً.

القيادة السياسية والعسكرية
حددت القيادة السياسية والعسكرية لإسرائيل ثلاثة أهداف للحملة، هي: إنعاش- ترميم قوة الردع (لاحظوا-ترميم)، توجيه ضربة- (لا القضاء الكلي)- للمقدرة العسكرية للمقاومة تجعلها تقرر عدم مواصلة إطلاق صواريخها، وضمان تهدئة- هدنة تكفل الحياة الهادئة للبلدات الإسرائيلية المحاذية لغزة. لقد تحقق كل هذا وأكثر منه. ونقصد بالأكثر الاتفاق على تفاهمات برعاية مصر الأخوان كطرف محايد ومراقب وضامن (؟!)، وبإشراف الأمريكان كمخطط ودافع، وفي إطار الاستراتيجية الأمريكية للشرق الأوسط-(عن اتفاق التفاهمات- إقرأي المقال الثاني القادم)- هذا ما تمخض عنه العدوان من نتيجة سياسية.
أما من ناحية الربح والخسارة عسكرياً، فلقد قام الطيران الإسرائيلي بتدمير 85% من الصواريخ البعيدة المدى لحماس وللجهاد، و60% من القصيرة والمتوسطة، و 25 موقعا لإنتاج الأسلحة والذخيرة وعشرات مخازنها "السرية"، بما فيها تلك التي تحت حقول الأرض أو في البيوت. وقصف 200 نفق تهريب، ودمر عشرات الأبنية والمواقع والبنى التحتية الداعمة والحامية والحاضنة للمقاومة، بما فيها الحكومية والعسكرية والشرطوية. هذا عدا عن عشرات مواقع التدريب ومخابيء إطلاق الصواريخ.

تنظيمات حركة المقاومة
لذلك، من الأجدى بتنظيمات حركة المقاومة في غزة، أن تقلل من تنظيم مهرجانات "النصر"، وأن تكثر من الاهتمام بكونها منخورة كالجبنة السويسرية بمائة خرق واختراق وخازوق من العملاء. لقد حرق الطيران الإسرائيلي في خمس ساعات من القصف الجوّي المكثف على مدى ثمانية أيام جلّ جهود ومخزون أربع سنوات ( منذ عملية الرصاص المصبوب) من عمل سري وإنتاج وتهريب ومخاطرات وتعب الآلاف من الناس، عدا عن جهود عدة منظمات ودول تدعم المقاومة. لم يكن بالإمكان أن يتم هذا الحرق بهذا الحجم الكبير، لولا الخرق الامني والمخابراتي الإسرائيلي الواسع.
أما على صعيد الخسائر البشرية، فلقد سقط ستة قتلى إسرائيليين و108 جرحى، جراح سبعة منهم فقط متوسطة. هذا مقابل سقوط 168 شهيداً فلسطينياً، بينهم 33 شهيداً من مختلف درجات قيادات المقاومة العليا والمتوسطة، و1223 جريحاً، جراح غالبيتهم متوسطة وخطيرة.
وليس صحيحاً أن "القبة الحديدية" لم تسقط إلا 20% من الصواريخ التي أطلقتها المقاومة باتجاه إسرائيل، بل أسقطت 85% منها. فالقبة الحديدية لا تطلق صواريخ مضادة للإسقاط إلا على تلك الصواريخ التي تبيّن حساباتها أنها ستسقط في مناطق مأهولة ( تكلفة إطلاق الصاروخ الواحد تصل إلى 50 ألف دولار). ومن بين 1450 صاروخاً باتجاه إسرائيل اتجه 420 منها إلى مناطق مأهولة فاسقطت "القبة الحديدية" 85% منها.

شل الحياة الطبيعية
يحق لحركات المقاومة في غزة الافتخار بأنها شلّت الحياة الطبيعية لمعيشة مئات الاف سكان جنوب إسرائيل، ووصلت صواريخها إلى منطقتي القدس وتل أبيب، واستمرت بإطلاق الصواريخ حتى اللحظة الأخيرة لبدء سريان اتفاق وقف إطلاق النار، ولم تستسلم رغم الخسائر والدمار الحاصل. لكن من واجبها أيضاً، ومن واجب شعبنا والمحللين وكاتبي المقالات أن يقرؤوا ويحللوا الواقع كما هو، حتى تنهض الهمم حقاً للتخلص من السلبيات والأخطاء باتجاه بناء أدوات وتكتيكات واستراتيجية مقاومة جديدة وأكثر فعالية مشتركة للقطاع وللضفة، لتقريب الانتصار المنشود.
لم تقصد إسرائيل في حملتها العدوانية الأخيرة احتلال غزة، وإنما التخلص منها. لقد فشل مشروعها الاستيطاني فيها، ولا تريد أن تكون مسؤولة عن مليوني فلسطيني يعيش نصفهم تحت خط الفقر وفي بطالة. لذا قامت منذ نيسان 2001 بفك الارتباط بها. كتبتُ يومها أن إسرائيل لم تحرر غزة وإنما تحررت منها، ولم تفك الارتباط بها كلياً بانسحاب جيشها منها، وإنما أحكمت الرباط عليها براً وبحراً وجواً، وقطعت تواصلها وارتباطها بنصفها الآخر-الضفة الغربية.

اسقاط حكم حماس
ولم تستدع إسرائيل جيش الاحتياط للحدود المتاخمة لغزة بهدف دخولها واحتلالها واسقاط حكم حماس، وإنما لاستخدامه فزاعة لتحقيق أهداف الحملة (ذكرناها أعلاه)، ولفرض تهدئة- هدنة تنشدها. كل هذا لا يخفى عن متتبع نصف ذكي لتصريحات ساسة وقادة عسكر إسرائيل ولما تنشره صحفها من مقالات، ومعاهدها واطر البحث الاستراتيجي من دراسات. يشيد اليوم غالبية المحللين الإسرائيليين بوضع أهداف محددة ومحدودة للحملة العسكرية، وبعدم دخولها براً، وبتحصيل هدنة وتفاهمات مع حماس برعاية وضمان الرئيس المصري. ولم أقرأ ولم أستمع لأي تصريح لمسؤول سياسي أو عسكري في إسرائيل يقول فيه إن إسرائيل انتصرت. وإنما يتحدثون ويكتبون عن "نجاح العملية" و"تحقيق أهداف الحملة" و"ترميم الردع" و"عبور اختبار العلاقة مع مصر بنجاح خاص"، و"تحويل حماس من حركة مقاومة جهادية إلى حركة سلطة سياسية بارتباط مع وبمراقبة مصر"، و"بتحصيل هدنة، إن لم تلتزم حماس بتنفيذها لن يمنعنا أحد من رد أقسى وأقوى".

عمود السحاب
أجرمت إسرائيل في حملتها العسكرية الأخيرة بحق أهالي غزة، من مقاومين ومن مسلحين ومدنيين. صحيح أن جرائمها في يوم واحد في حربها في "عملية الرصاص المصبوب" في كانون أول 2008 إلى كانون ثاني 2009، فاق بما لا يقاس جرائمها خلال ثمانية أيام من عملية "عمود السحاب". هي درست تفاصيل وإخفاقات تلك الحرب واستنتجت الدروس اللازمة لخدمة أجندتها السياسية العدوانية في ظروف المتغيرات السياسية في المنطقة والعالم، وطبقت هذا في عدوانها الأخير، في الممارسة العسكرية وتحديد الأهداف السياسية المنشودة.
هل قامت سلطة حماس، بمشاركة الحركات الجهادية الأخرى، بدراسة تجربة حرب 2008-2009 عليها، واستخلصت النتائج بما يخص سياسة واسلوب وأدوات المقاومة؟ نترك الإجابة لحماس وأخواتها. لكن نعترف أن إسرائيل نجحت في عدوانها الأخير في تسجيل نجاحات على جبهات ثلاث هي: الجبهة العسكرية والجبهة السياسية والجبهة الإعلامية، وعلى الصعيدين المحلي والدولي. وبدلا من تقرير غولدستون رقم 2، حصلت على مرسي رقم واحد في الربيع العربي للإخوان وتحت إبطية حماس السلطة، لا حماس المقاومة.

عمود انتصارنا...
من المؤسف والمخزي أن لا يلاحظ - (أو أن يخفي ويتجاهل عن قصد)- العديد من وسائل الإعلام العربية ومن قادة المقاومة والسياسين والمحللين العرب، معطيات ونتائج عدوان تشرين ثاني 2012 على غزة، بهدوء وعمق عقلاني مسؤول. ومن العار أن يعتمد العديد من هؤلاء على تصريحات وكتابات وتصرفات (مثلاً مظاهرات هزيلة) لبعض سائبة قطعان اليمين المتطرف والفاشي التي ترى أن قيادة حكومة وعسكر إسرائيل قد منيت بهزيمة نكراء. شهد شاهد من أهله – يقول العرب وحملة سلاح الإنشاء الكلامي.
أهل من يا هؤلاء؟ أهل الشيطان الفاشي المزاودون حتى على نتنياهو وليبرمان. هم يطالبون بـ "إفراغ، تحطيم، دك، سحق، إلغاء، تسطيح، إذابة، ومسح غزة من الوجود". وبما أن الحملة العدوانية لم تقم بهذا، ولم يكن هذا من أهدافها، تكون إسرائيل عندها – حسب رأيهم – قد فشلت وانهزمت وانتصر العرب. هؤلاء يريدون تصفية المقاومة جسديا وإعادة احتلال غزة وتسوية بلداتها بالأرض وتحويل بيوت أهلها "الجرذان" إلى ملاعب وحدائق عامة لاستيطان صهيوني قادم. ولا يضيرهم، حتى لو عرفوا أن هذا غير قابل للتحقيق، أن يطالبوا به... فربما تمنحهم هذه المطالبة المزيد من الأصوات في الانتخابات البرلمانية القادمة بتاريخ 22.1.2013
أما نحن من عرب أصحاب قضية عادلة فالأجدى بنا وبقضيتنا أن لا نغطـّي رؤوسنا ونخنق أنفاسنا وعقولنا بأعمدة سحاب دخاني إعلامي يحد الرؤية ويسلبنا الرؤيا. "عمود السحاب"- هذا هو الاسم الذي أطلقته إسرائيل على عدوانها على غزة. وهو اسم مأخوذ من "التوراة" (سفر الخروج 21:13) عن خروج "شعب إسرائيل" من العبودية في مصر إلى الأرض الموعودة- فلسطين، وذلك حوالي سنة 1445- 1446 قبل الميلاد. جاء في الآية: "وكان الله يتقدمهم نهارا في عمود سحاب ليهديهم إلى الطريق، وليلاً في عمود نار ليضيء لهم".

شياطين إسرائيل
كعادتها تصر شياطين إسرائيل على زج الله في حروبها العدوانية. لقد أمطرت إسرائيل غزة بأعمدة من نار ألف طن من المتفجرات، وجعلت أعمدة السحاب الأسود الدخاني يضللها. أما شعبنا في غزة فنهض من بين رماد خراب القذائف ليعلنها: ألف احتلال لغزة لن يحتلها. بإمكانكم أن تقصفونا وأن تحاصرونا، معتمدين على عجز عربي رسمي يخوننا ويتآمر علينا. لكننا لن نختبىء ولن نختفي، وسنحاصر حصارنا- عدوانا صهيونياً كان أم وضعاً عربياً خان.
هذا هو عمود الانتصار الفلسطيني والعربي. أما الهدنة...(هذا هو موضوع المقال القادم).
 

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجي إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net 
 

مقالات متعلقة