الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الإثنين 29 / أبريل 14:01

أدب الأطفال المحليّ/ بقلم: أسيل منصور

كل العرب
نُشر: 21/01/16 08:42,  حُتلن: 07:50

أسيل منصور في مقالها:

القراءة هي السحرُ الحقيقيِّ الوحيد الذي يستطيع كلُّ إنسانٍ مهما كان ممارسته بدون اتهامه بالشعوذة في أيامنا هذه

الطفل يستنتج القيمة الأخلاقية التي هدفت كل قصة لتعليمها بقواه الذاتيَّة وهذا ما يجعله أكثر استيعابا لهذه القيم لأنه يصل إليها بنفسه

القراءة برأي الكثيرين تعدُّ إحدى أساسيات الغذاءِ الروحيِّ الذي يحتاجه كل إنسان وهي ملجأٌ لكل من يَكِدُّ في عمله خاصةً في عالمنا الماديِّ

القراءة هي السحرُ الحقيقيِّ الوحيد الذي يستطيع كلُّ إنسانٍ، مهما كان، ممارسته بدون اتهامه بالشعوذة في أيامنا هذه. فبمجرد أن تأخذَ كتاباً وتنزوي بعيداً لبعضٍ من الوقتِ المسروق، فإنّك تسافر عبر كل كلمةٍ فيه إلى عوالم جديدةٍ بدون أن تقوم من مكانك. وفي هذه الرحلة العجيبة تعيش ألف حياةٍ، وتمرُّ بمواقف تربوية لربّما كنت َستُحْرَمُ منها لو اكتفيت بعيشِ حياتك أنت فقط.

والقراءة، برأي الكثيرين، تعدُّ إحدى أساسيات الغذاءِ الروحيِّ الذي يحتاجه كل إنسان. وهي ملجأٌ لكل من يَكِدُّ في عمله -وخاصةً في عالمنا الماديِّ- والذي عَبْرَ انتقاء كتابٍ نافعٍ، يعيد إلى نفسه روحانيّتها وصفاءها ليساعده ذلك في العودة بهمَّة جديدةٍ لمجابهة الواقع بكلِّ ما يحمل من متناقضات. ولم يغفلْ علماءُ النفس عن الدور الحاسم الذي تلعبه الكتب بشتّى أنواعها في مساعدة من يعاني من عُقَدٍ ومشاكل نفسيَّةٍ من رؤية الحياة بضوءٍ آخر وفي إخراجه من سجن التفكير المحدود الذي يسبب مشكلته وعقدته، فالكتب، هذه المخلوقات الحية، توسع الآفاق وتساعد كل من يحتاج على إطلاق عنان التخيُّلِ المُوَجَّه ((guided imagery والذي يعتبر أحد أهمِّ الطرق العلاجية في علم النفس الطبي. واليوم، هناك تخصُّص يدعى العلاج عبر القصص (Bibliotherapy) والذي يُدَرَّس في الجامعات حول العالم ويعطي لدارسه أدواتٍ لعلاج الحالات النفسية من مخاوف واكتئاب وغيرها من الأمراض عبر القراءة وحسب. وفي البلاد بشكل خاص، هناك تركيز على علاج المشاكل السلوكية عند الأطفال عبر القصص.

عندما سُئِلَ ألبيرت آينشتاين عن الطرق التي قد تساعد في خلق جيل العباقرة القادم جاء جوابه كالتالي:

"إذا أردتم أن يصبح أولادكم أذكياء، فاقرؤوا لهم القصص الخياليَّة ، أما إذا أردتم أن يصبح أطفالكم أذكى، فاقرؤوا لهم المزيد من القصص الخيالية ". وفي محاولة استنباط سبب اختيار عبقريِّ القرن العشرين، للقصص الخيالية بالذات فمن الممكن بكل سهولة وبعد قراءة هذا الجانر من الكتب، أن نفهم أن ما يميزها هو قدرتها على تحفيز قدرة التخيل والتفكير الإبداعي عند الأطفال. بل لا يقف الأمر عند هذا الحد، فهذا النوع من القصص وعبر نهاياته التي تنتهي دائمًا بانتصار قوى الخير، فإنّه يشجع على الالتزام بالأخلاق الحميدة التي التزم بها أبطال هذه القصص والذين صدرت عنهم تصرفات نبيلة حتى في المواقف الصعبة التي كان عليهم بها أن يختاروا لجانب أيِّ قِوَىً سينحازون ، وعبر إعطاء مثل هذه النماذج الإنسانية وسردها بأسلوب محبب، نجد الكثير من الأدوات التربوية التي تساعد على تقويم وتصحيح سلوك الطفل. مُمَيِّزٌ آخر ،شديد الأهمية، لمثل هذه القصص هو عنصر التشويق، فالطفل ينتظر بشغف ليعلم كيف تنتهي القصة ويتابع باهتمام حقيقيّ تسلسل الأحداث.

بالإضافة إلى ما ذكر، وبعد استقراء الكثير من القصص الخيالية، نجد أن القيم التي تهدف هذه القصص لنقلها لقارئها تُبَيَّنُ وَتُوَضَّحُ بشكل غير مباشر عبر المواقف التي يمر بها الأبطال، وبعد انتهاء القصة، فإن الطفل يستنتج القيمة الأخلاقية التي هدفت كل قصة لتعليمها، بقواه الذاتيَّة وهذا ما يجعله أكثر استيعابا لهذه القيم لأنه يصل إليها بنفسه.

كـأمّ، كمعالجة لغة، وكقارئة للعديد من قصص الأطفال التي تصدر شهريّا عن دور النشر في البلاد والتي تعتبر جزءًا لا يتجزأ من أدبنا المحلي، أجد أن الكثير من هذه القصص تفتقر لمميزات الحكايا الخيالية التي تطرقت إليها آنفًا، والتي تساهم في تطوير العديد من القدرات العقلية عند الطفل. وأتساءل، أليس بالإمكان تأليف قصص خيالية جديدة وعصرية تحاكي ما أُلِّفَ في طيَّات الماضي من روائع مشوقة، مثرية، تربوية وباعثة على خلق جيل العباقرة القادم أم أن زمن الإبداع الحقيقي قد ولَّى وأن قصص اليوم والتي تتميز برسوماتها، ألوانها، وأغلفتها الباهية ، لا تجذب الأطفال لمحتواها الباهت ،الرتيب والممل والذي قد يكون أحد أسباب امتناع الأطفال عن القراءة وخاصةً في غياب تسويق لقصص خيالية سابقة والتي تباع بمبالغ زهيدة لمصلحة القصص الجديدة الغالية نسبيّا.

أُنهي المقال الحالي بمناشدة أقلام اليوم والغد على أخذ النقاط التي ذكرتها في الحسبان في خلق ما يستحوذ على جُلّ انتباه أطفالنا، ليقودهم نحو طريق الإبداع. وكما قال أحدهم، الكتب ليست مكونة من أوراق، صفحات وكلمات، بل هي آمال، أحلام وإمكانيّات.

الطيرة

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net

مقالات متعلقة