الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 18 / أبريل 05:02

اهملتم الشباب في مجتمعنا والمتهم علي سلام؟- نبيل عودة

نبيل عودة
نُشر: 11/10/18 21:31,  حُتلن: 00:13

محنة المجتمع العربي في اسرائيل ليست وليدة التطور الطبيعي. من الأهمية التأكيد ان هناك مسؤولية كبيرة تقع على عاتق الأجيال الشابة، كونها القوى الناشئة التي تتحمل المسؤولية عن المستقبل.


دائما طرحنا بإطار النشاط السياسي الأهمية الكبيرة لرعاية الشباب. فقط حركة سياسية واحدة تعاملت مع موضوع الشباب بما يستحقه من رعاية وتثقيف وتعميق الوعي الشخصي بكل مجالات الحياة، وأعني بكل وضوح الحركة الشيوعية حين كانت قوة اجتماعية سياسية سائدة.
انظر اليوم لواقع شبابنا فأرى ان التثقيف اختفى، تطوير الوعي لم يعد يشغل القيادات السياسية، ما يسود اليوم هو الاهمال والفقر التثقيفي، لا أعنى الدراسة التي لها دورها الكبير، انما أعنى تطوير الوعي الفكري، السياسي والثقافي غير الرسمي والذي لا يحصل عليه الطالب بإطار سلك التعليم.
السؤال الذي اشغلني منذ سنوات طويلة، اين اختفي التثقيف الفكري والسياسي؟ هل ظواهر العنف لها علاقة بغياب التثقيف غير المنهجي الذي كان يمارسه الحزب الشيوعي، وبواسطته تطور جيل قيادي للشباب في الشارع، في اماكن العمل، في إطار المدارس الثانوية وفي الجامعات؟
هل انتشار العنف هو البديل التقليدي للتثقيف؟ هل انتشار المخدرات هو البديل للوعي السياسي الذي كان من نصيب ابناء جيلي؟ هل احتلت مقاهي النارجيلة، مكان الندوات الثقافية والسياسية ومحاضرات التوعية التي كانت تشكل منارة فكرية لأبناء جيلي؟
لا ابالغ بالقول ان ما يسود مجتمع ما هو نتاج المفاهيم المتداولة، وسلبية تلك المفاهيم لها أثرها المدمر احيانا لأوساط شبابية غرقت باللامبالاة بكل ما يخص مجتمعها، بغياب الدور التثقيفي الذي كان منتشرا ومبرمجا بطريقة ساهمت بضبط مجتمعنا والتأثير الايجابي على تفكيرنا وخياراتنا الخاصة.
أين اختفى التثقيف الذي مارسه في وقته التنظيم الشيوعي؟ قبل ان يصبح تنظيما انتخابيا بلا مضامين تثقيفية وفكرية، ماذا تبقى من الدور الثقافي والفكري لهذه الحركة، مجلة الجديد الثقافية الفكرية الرائعة أغلقت، مجلة الغد الشبابية التنويرية اغلقت، الصفحات الأدبية بالاتحاد لم تعد تعبر عن واقعنا الثقافي.
هل تنامي الجريمة والانحراف الخلقي هو نتاج لغياب البديل التنويري الحضاري الذي حضننا شبابا في اوقات لم نكن قد خرجنا بعد من هول النكبة التي نزلت بشعبنا؟
حين يثرثر البعض اليوم عن الحزب الشيوعي والجبهة، وهم بقمة الجهل للتاريخ النضالي الذي خاضه ابناء جيلي، رغم ارهاب الحكم العسكري ، وتحديد التنقل التعسفي، والتحكم بلقمة الخبز، وفصل المعلمين الذين لم يلتزموا بشكل مطلق ببرنامج التعليم الذي اقرته اوساط المخابرات، هم اشبه بالعميان والطرشان، لا يرون ولا يسمعون، ويجهلون تاريخ مجتمعهم ونضالاته، الا اسماء لتنظيمات فقدت كل ما يربطها بجذورها النضالية، ويرفع بعض الدخلاء الطارئين الذين لا يربطهم أي رابط بتنظيمهم وجذوره التاريخية، بغباء نادر شعارات عن تنامي الجريمة متهمين الآخرين ( وخاصة بلدية الناصرة في حالتنا) متجاهلين انهم تحكموا بمجتمعنا اربعة عقود لم يقدموا أي نشاط يمكن ان يخفض الجريمة والضياع الاجتماعي. الجريمة ليست هواية اجتماعية لشباب اهملتهم القوى التي من المفروض انها طليعة مجتمعنا والأمينة على تطوره، بينما هي مجرد مجموعات انتهازية تتصارع على مكاسب شخصية، اعرف اننا نواجه اليوم تحديات، بدون قوى قادرة على الفرز بين الصالح والطالح، عبر حركة تثقيف واسعة، وبأساليب متعددة، وبأساسها مسؤوليتها الاجتماعية عن مجتمعها، وهو الأمر الذي بات معدوما بشكل مطلق اليوم، واستبدل بشخصيات هناك شك كبير بتوازنها الفكري والسياسي. وبكلمات ابسط لم تعد مؤهلة لقيادة مجتمعها. لم تعد قادرة على تكريس وقت للأجيال الشابة لتثقيفها السياسي والفكري.
يفتقد الشّباب لأطر فاعلة تحتضنه وتمده بوعي اجتماعي وسياسي، سيكون له الدور الأعظم في لجم حالات التطرف التي تنطلق من حالة الجهل وفقدان الوعي الاجتماعي وغياب قيادات اجتماعية سياسية لها حضورها المؤثر. ما هو سائد في الشارع مع الأسف، هي افكار وممارسات تعمق حالات الضياع بالمجتمع، بغياب البديل الذي كان سائدا في فترة شبابنا. توجيه التهم للآخرين أصبح سياستكم الممارسة، هل تظنون ان المواطن يجهل انكم تعتبرون انفسكم بوصلة مجتمعنا السياسية والاجتماعية؟
من هنا يبدأ الميل لدى اوساط شبابية مختلفة لإيجاد خيارات بديلة من اجل انجاز، كما يتوهمون، تقدما لمكانتهم، حتى عبر الجريمة والمخدرات. طبعا ليس سرا انهم يضعون اللوم لواقعهم على ابناء مجتمعهم. هذا هو وعيهم وهو وعي يفتقر للقدرة على التمييز بين الشر والنهج السليم.
لا اكتب منتقدا التاريخ التثقيفي للحزب الشيوعي، فنحن جيل كان لنا حظنا الكبير ان نعبر على هذه المدرسة، لكنها اليوم خوت من أي فكر، ومن أي نهج يستحق ان يشار اليه، مجرد شعارات بلا مضمون، قيادات بعيدة عن معاناة مجتمعها. لذا من يريد محاسبتي على خروجي من تنظيم أفلس سياسيا وثقافيا وحضاريا، عليه اولا ان يعرف التاريخ النضالي والتثقيفي ومقارنته مع الضحالة السائدة اليوم.
نعيش اليوم بمجتمعات تتميز بتعدد غير مسبوق لوسائل المعرفة والتواصل الاجتماعي، وسائل اعلام لا حصر لها، تقليدي ورقمي، لكن للأسف الكثير منها، بغياب التوجيه والتوعية يصبح اداة لتطوير النهج السلبي لدى اوساط واسعة من الشباب الذين لم يحظوا بفرص التثقيف الاجتماعي والسياسي الذي كان منتشرا بشكل واسع للغاية، لكن لا بد من ملاحظة، السلطات المحلية لها دورها، للأسف مع وصول الجبهة في الناصرة لإدارة البلدية جرى القضاء على العديد من ادوات التثقيف وعلى راسها المسرح، الذي كان نشيطا ويجمع الاف المواطنين لمشاهدة عروضه، هناك قول مشهور للينين الذي يتفاخر الشيوعيين بالانتماء لفكرة اذ قال "اعطوني مسرحا اعطيكم ثورة". فهل نحن مجتمع يتقدم الى الخلف؟
ولا بد من ملاحظة أخيرة، لم اكتب ما كتبته دفاعا عن نهج علي سلام، لكن لا يمكن تجاهل انه انسان متنبه لاحتياجات الشباب في مجتمع معاصر، وهو ما دفعه لأخذ المبادرة الهامة جدا لبناء القصر الثقافي الذي كان حلما لآلاف الشباب. طبعا يتجاهل المنافسون انجازات علي سلام ويدعون انهم خططوا لها. كفي كلام يثير الرغبة بالتقيؤ. اربعون سنة لم تفكروا بالشباب واحتياجاتهم. الجبهة بقيادة غسان حبيب قامت ببرامج ثقافية واسعة جدا بالتعاون مع رابطة الجامعيين الذين شكلوا تيارا هاما في الجبهة، اين هم اليوم، ولماذا تركوا الجبهة بغضب؟
رجاء لا تبيعوا الماء بحارة السقايين!!

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com


مقالات متعلقة