الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الأربعاء 24 / أبريل 17:02

القواسم المشتركة في الشخصيّة بين نيتنياهو و زعماء العرب المطبّعين/ بقلم: مهند الصبّاح

مهند الصبّاح
نُشر: 28/11/18 10:18,  حُتلن: 13:03

مهنّد الصبّاح في مقاله: 
من المعروف عن الزعماء العرب حبّهم الفطريّ بالبقاء على كرسيّ السلطة حتّى الرمق الأخير، والزعيم العربيّ قادر على خوض الانتخابات في بلاده لدورات عديدة متتاليّة وهو يضمن الفوز بها قبل خوضها

في الآونة الأخيرة أصبحنا شهداء على تلك العلاقة الآخذة بالازدهار بين شخص رئيس وزراء إسرائيل وبعض حكّام عالمنا العربي، وظهرت للعيان بعد أن كانت في طيّ الكتمان والتكهنات. هي علاقة لها جذورها في التاريخ بين دولة إسرائيل والأنظمة والعائلات الحاكمة قسرا في بلدان العرب، وهذه العلاقات مزودة بالوثائق التي لا تجامل أحدا، حتّى أصحابها لم ينكروها وباتت بقعة سوداء في تاريخهم التآمري على قضيّة العرب المركزيّة. اصطلح أصحاب السياسة والضّالعين بها على وصف تلك العلاقات ب "التطبيع"، والتطبيع برأي الكثيرين يكون بين شعوب ودول ومؤسسات تهدف إلى خلق نمط تعاملي بيني مختلف عن سابقه بحيث تكون المنفعة متبادلة بين المطبّعين. لكن هل ما تمرّ به هذه العلاقات يمكن حصرها بهذا المصطلح – التطبيع -؟ القائم على التنفّع المتبادل؟ أم أنّ مستواها يتعدّى كونه تلاقي المصالح بين دول ومؤسسات؟ ولماذا أصبح نبيامين نيتنياهو هو رائد التطبيع دونا عمن سبقوه في رئاسة حكومات إسرائيل المتعاقبة؟
باعتقادي نعم، واعتقادي هذا يستند لعدّة قواسم مشتركة تجمع ما بين شخص بينيامين نيتنياهو وشخوص الزعماء العرب المطبّعين. قال رسول الله "الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها إئتلف وما تناكر منها اختلف" ، وفي دراسة أجرتها جامعة هارفارد عن التقارب بين الأشخاص تفيد بأنّ الأشخاص يتقاربون لوجود صفات مشتركة في الحمض النووي بينهم، وحسب رأي "كاندال" المتخصص في علم النفس فإنّ الصفات والقواسم المشتركة تعتبر سببا قويّا يدفع إلى التقارب بين الأشخاص وينمّي العلاقة بينهم كي تصبح علاقة مزدهرة، وفي حالات أخرى يعتمد الانجذاب بين طرفين على التكامل والتضامن والتعاون، أي ما يمكن أن نطلق عليه الانجذاب ضمن إطار منفعي تبادلي. يمكن ذكر بعض تلك القواسم المشتركة في الشخصيّة بما يلي:

أولا: التمسّك بالسلطة
من المعروف عن الزعماء العرب حبّهم الفطريّ بالبقاء على كرسيّ السلطة حتّى الرمق الأخير، والزعيم العربيّ قادر على خوض الانتخابات في بلاده لدورات عديدة متتاليّة وهو يضمن الفوز بها قبل خوضها. وحبّ البقاء على رأس الهرم السياسي الإسرائيلي ميّزة انفرد بها نيتنياهو في دولته، وهو الآن يمسك بائتلاف حكومي هشّ يستند على 61 عضوا فقط، ولضمان عدم اسقاطه برلمانيّا فقد منع أعضاء الائتلاف من السفر أو الخروج إلى عطلة، فجعل منهم أسرى لحبّ البقاء.

ثانيا: فردانيّة الرؤيا
زعيمنا العربي يعتقد بنفسه أنّه صاحب رؤيا الخلاص لشعبه ولبلاده، ويعتقد أيضا بأنّه هو "المخلّص" لهم من كلّ ما يواجهونه من صعاب ومن أزمات، فهو يتمتّع بقدرات خارقة للعادة البشريّة وهو "المُلهم والمحدّث"، فيرسم السّياسات الاقتصاديّة والاجتماعيّة ويبني العلاقات البينيّة مع الدول بناءً على رأيه الخاص بعيدا عن أيّة دراسات أو آراء من ذوي الاختصاص، ومن يعارض توجّهات الزعيم فهو ضدّه. وهنا تقاطع آخر يلتقي به رئيس الوزراء الإسرائيلي مع نظيره العربي. ففي دراسة تحليليّة لسلوك نينيامين نيتنياهو نُشرت في العام الماضي تبيّن الدراسة أنّ الأخير موضوع الدراسة يزعم كونه الوحيد القادر على مواجهة أخطار إسرائيل الداخليّة منها والخارجيّة. وأنّه مستهدف من أعداء إسرائيل واليمين.

ثالثا: الفساد
من يمسكون زمام السلطة في عالمنا العربي مشبعون في الفساد حدّ التخمة، بحيث يتعاملون مع الوطن ومؤسساته كمصدر للثراء ولأولادهم من بعدهم، ولا تُعرف حجم ثروتهم إلا بعد عزلهم أو موتهم، كأمثال الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك، معمّر القذافي، بن على تونس، وعلي عبد الله صالح. ذات الميل يجمعهم مع رئيس وزراء إسرائيل الغارق في تُهم الفساد حتّى أخمص قدميه، ملف 1000، وملف 2000، و ملف 4000، حتّى أنّ زوجته سارة تخضع الآن لتحقيقات تتعلق باستغلال النفوذ وتلقّي الرشوة. بيد أنّ في إسرائيل وعلى نقيض الدول العربيّة يتم محاسبة الرئيس الفاسد.

رابعا: مركزيّة السلطة والحكم
في بلادنا العربيّة الممتدّة من الخليج إلى المحيط، يأبى الحاكم العربي إلا أن يستحوذ على مفاتيح الحكم والسلطة كي يكرّس شموليّة الحكم بين أصابعه العشرة. زميلهم بنيامين نيتنياهو حذى حذوهم فهو اليوم يستحوذ على حقيبة وزارة الخارجيّة، "والدفاع"، وحقيبة الهجرة والاستيعاب، والاتصالات بجانب رئاسة الوزراء.

خامسا: الخطاب الديماغوغي واصطناع العدو
الزعيم العربي المفوّه ينتقي من الخطابات ما يرغب الجمهور بسماعه، يحدّثهم بكلام شعبي بعيدا كلّ البعد عن الواقعيّة وأبعد ما يكون عما يؤمن أو يفكر به هو نفسه- الزعيم-. يتلاعب بعواطفهم ويؤثر على سيكولوجياتهم من خلال ايجاد عدوّ داخلي يتربّص بهم، لذا يتخذ من هذا الادعاء ذريعة لكمّ الأفواه ومصادرة الحريات العامّة والشخصيّة، ويفرض الرقابة على الأفراد والجماعات والمؤسسات ويعطّل ما استطاع إليه سبيلا من عوامل التقدّم، كزعمه مواجهة الإرهاب. وخارجيا فإنّ النظام العربي الرسميّ عطّل كلّ شيء حيّ في بلاده على مدار أكثر من أربعين عاما بحجّة خطر إسرائيل الوجودي وتحرير فلسطين. رئيس الوزراء الإسرائيلي يمارس السلوك ذاته مع السكّان في دولته، فهو يركّز في الكثير من خطاباته على اسطورة "أرض الميعاد" وهذا خطاب عاطفي شعبي، وما انفكّ يذكرهم بأخيه يوناتان الذي قتلته الجبهة الشعبيّة في عمليّة عنتيبي، ويرهّبهم بخطر الفلسطيني على يهوديّة الدولة، وجميعنا يذكر نداءه لقواعد اليمين بالنزول والتصويت له في الانتخابات الماضيّة حين قال "العرب ينساقون كالنهر على صناديق الاقتراع". وخارجيّا فهو يحاول اقناعهم بخطر الجمهوريّة الإيرانيّة على إسرائيل وخطر الإرهاب الإسلامي العالمي عليها.

سادسا: التضحيّة بالمقرّبين مقابل البقاء في السلطة
دأب الزعيم العربي على التضحيّة بشخوص ساندوه كي يصل إلى السلطة، وبعد نفاد دورهم في خدمته، يحبك لهم المكائد ليلا ليقضي عليهم نهارا جهارا بتهمة "إفشال الثورة" تماما كما فعل عمر البشير مع حسن الترابي، وكما فعل النظام السعودي مع الصحفي خاشقجي. بنيامين نيتناهو لم يكن بعيدا عن هذا المنحى الإقصائي، فقد ألقى بوزير حربه موشه يعلون خارج الحكومة لمجرّد شعوره بأنّ الأخير يهدد مركزه داخل الحزب الحاكم، وألقى بوزير حربه الأخير ليبرمان خارجا، ومازال يتنصّل من تهمة الفساد في شراء الغواصات الألمانيّة بأن ألقى بالتهمة على الوسيط وهو من عائلته الممتدّة.

سابعا: أسلوب القيادة
يعتمد الزعيم العربي في قيادته على منهجيّة واضحة تتلخص بولاء الأشخاص والأفراد من حوله له هو حصريّا وليس للدولة أو الشعب، وبذلك يضمن لنفسه المقدرة بتنفيذ توجّهاته وتطبيق سياساته في كافّة المجالات منتجا ما بات يعُرف بالدولة العميقة كحال مصر مثلا بعد الإطاحة بحسني مبارك. نيتنياهو يحاول تطبيق الأمر نفسه في مؤسسات حكمه، فمثلا يدّعي ليبرمان أنّ أحد أسباب انسحابه من الحكومة هو تدخّل رئيس الوزراء في اختيار رئيس هيئة الأركان الجديد خلفا لأيزنكوت، وقد تدخّل سابقا في اختيار المفوّض العام للوظيفة الحكوميّة.

ربّما أوجه الشبه السابقة والقواسم المشتركة بين الزعماء العرب المطبّعين و بين رئيس الوزراء الإسرائيلي تعطينا تبريرا أدق لموجة التطبيع السائدة في مشرقنا العربيّ مع إسرائيل واشتدادها في عهد بنيامين نيتنياهو. فسمات الشخصيّة تدفع إلى التقارب بين أصحابها غير مكترثة بالبيئة المحيطة كما يوَضح علماء الاجتماع وعلماء النفس. ثمّة فارق وحيد بين دولة رئيس وزراء إسرائيل وأنظمة العرب المتطبعين ويتخلص بكون الأولى تعتمد على المؤسسات في تسيير شؤون الدولة بينما الأخيرة تعتمد على شخص الحاكم أو نظام الحكم السائد، فخرّبت البلاد وهجّرت العباد واستوطن بها الفساد. فهل سيسعى نيتنياهو ليكون كنظرائه العرب ولو بدرجة ما قريبة؟ خاصة إذا ما نجح بالفوز في الانتخابات القادمة، والجدير بالذكر أنّ معظم استطلاعات الرأي تعطيه تقدّما على منافسيه.

 المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com

مقالات متعلقة