الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 20 / أبريل 00:02

الحياة نفسها تتطلب رؤية جديدة تجسد نهج المرحلة الجديدة/ بقلم: نبيل عودة

نبيل عودة
نُشر: 29/11/18 10:34,  حُتلن: 07:50

• كثيرا ما راودتني فكرة: هل حقا يفتقد مجتمعنا العربي لشخصيات قادرة على تمثيله بأسلوب مختلف وبرؤية جديدة، ولتكن تجربة جديدة، ان شعبنا ليس بعاقر كما يبرز في تشكيلة قائمة الكنيست التي لا تتغير الا كل نصف قرن!!
• ارى بالتحول الكبير في مدينة الناصرة، بداية لما ينمو من اجنة في مجتمعنا العربي. وهي ظاهرة يجب ان تدرس بعمق ومسؤولية، بغض النظر عن الطابع الشخصي الذي ميزها.
• من هنا دعوتي لقيام تنظيم مجتمع مدني، من قواعده الأساسية ليس الجلوس الملكي في البرلمان لأسماء لا تتغير، بل فتح المجال امام شخصيات اجتماعية مختلفة لتدلي بقسطها في العملية السياسية.

المجتمع العربي في إسرائيل امام مفترق طرق مصيري، على رأسه تجديد مشروعنا الإنساني كأقلية قومية، لها مميزاتها، احتياجاتها، مطالبها، ومكانتها بإطار القوانين العامة التي تتحكم بنظام الدولة، رغم ان بعضها اقر بروح العداء للأقلية العربية، خاصة بفترة حكومات نتنياهو، لكن هناك قوانين هامة يجري تجاهلها او عدم تنفيذها حسب المعايير القانونية لنصوصها .. وممثلينا البرلمانيين غائبين غياب اهل الكهف عن تلك القوانين والنشاط لجعلها مطبقة، حتى عبر التوجه لأعلى الهيئات القضائية في إسرائيل وربما خارجها أيضا. كما حدث بقضية قعدان ضد كتسير وهي تتعلق برفض دائرة أراضي إسرائيل منح عادل قعدان قطعة ارض في بلدة اسرائيلية لأنه عربي، فتوجه للمحكمة العليا التي اصدرت قرارا هاما لا اعرف لماذا يجري تجاهله من نواب الكنيست العرب، وربما لم يسمعوا به، جاء بنص القرار: "ان المساواة في الحقوق بين كل بني البشر في اسرائيل مهما كانت ديانتهم او قوميتهم، استخلصت من قيم دولة إسرائيل". اين هذه القيم بقانون القوميات؟ ولماذا لم يستغل قرار العليا بقضية قعدان ضد قانون القوميات؟ (يمكن مراجعة القرار والبحث الهام والشامل بالتقرير حول واقع العرب في إسرائيل، التمييز وطرق اصلاح الواقع، وذلك بتقرير هام بعنوان "ما بعد الأزمة" وهو تقرير طارئ اعده باحثون اكاديميون يهودا وعربا– على اثر انتفاضة الأقصى 2000 - وقدم في وقته لرئيس الحكومة السيد ايهود براك (يوجد بالعبرية بالانترنت تحت عنوان "אחרי השבר").يبدو لي ان أعضاء الكنيست العرب يجهلون تفاصيل هذا التقرير الهام جدا، والدقيق في تحديد مشاكل المجتمع العربي وطرق حلها.)
نحن كأقلية عبرنا على تجارب عدة مليئة بالإحباط، أستطيع ان أشير الى بعض الاتجاهات الأساسية التي تركت آثارها السلبية على تطور مجتمعنا.
مثلا على رأس السلبيات كان التطور السلبي في المشروع الشيوعي المحلي. في منطلقاته الأساسية بدأ مشروعا قوميا مغلفا بصياغات طبقية فارغة من المضمون، وقد يكون هذا النهج وراء الانقسام في الحزب الشيوعي بانشقاق مجموعة الشيوعيين الصهيونيين، صموئيل ميكونس وموشيه سنية واستر فلنسكا وغيرهم وسيطرتهم على اسم الحزب، لكن الشق الثاني الذي عرف ب "القائمة الشيوعية الجديدة"، أخذ في العقدين الأخيرين يتهاوى على الساحة المحلية، خاصة بعد نشوء تيارات قومية منافسة، لم تخف قوميتها وراء شعارات طبقية عمالية وأممية. لا أقول هذا استخفافا بالدور الشيوعي في السنوات التي أعقبت قيام الدولة، لكن كما هو بارز في العقدين الأخيرين، المشروع الشيوعي يتهاوى عالميا أيضا، بعد ان تبين الفشل في النظام الشيوعي الدولي (المعسكر الاشتراكي)، والتشويه الذي مارسته الشيوعية الدولية (تحت السيطرة السوفييتية) بنظرية ماركس وأسلوب طرح الماركسية بما يتناقض مع نهج ماركس نفسه في الكثير من المواضيع.

لا بد من الإشارة الى ان الماركسية عانت من سجن فكري سوفييتي شل تطورها، ولم يسمح للمفكرين الماركسيين ان يطوروا فكر ماركس، وكل محاولات الماركسيين الغربيين لتطوير وتأكيد فكر ماركس الانساني هوجمت بعنف واتهم أصحابها بالتحريفية والخيانة، ومنهم جورج لوكاش صاحب كتاب "التاريخ والوعي الطبقي" وكارل كورش بكتابه "الفلسفة"، وأنطونيو غرامشي صاحب البصمة الكبيرة في هذا التيار الماركسي الغربي في مذكراته عن السجن، هناك أيضا مجموعة من مدارس الفكر الماركسي التي تتميز عن الماركسية اللينينية (السوفييتية التي سادت كل الحركة الشيوعية) ، مثل الماركسية النمساوية أو الشيوعية اليسارية ل أنطوني بانيكوك أو روزا لوكسمبورغ وآخرين.
أيضا من السلبيات التي تركت تأثيرها، ان أكثرية القرارات السياسية التي اتخذت (وما تزال تتخذ) داخل الأحزاب والتيارات السياسية، في العقدين او الثلاثة عقود السابقة، في المقام الأول نرى طرحا سياسيا ارتجاليا، الهدف من هذا الطرح ان يزيد "شعبية" التنظيم والواقفين براسه، وهو ما اميل لتسميته بسياسة "الأنا النرجسية"، والمميز الأكبر هو فرض القبول للمبنى الهرمي للتنظيم والواقفين برأسه وكأن البديل كارثة قومية وسياسية على مجتمعنا. لذا نجد ان عضوية الكنيست لنوابنا الأفاضل تكاد تستمر من سنوات الشباب حتى سنوات الشيخوخة. كأنه قانون طبيعي وليس تعامل بفكر سياسي ونشاط انساني. أي ما يشبه قانون الجاذبية، الذي يستحيل تخيل حياة الانسان على كوكب الأرض بدونه. هم بهذه الحالة يمثلون قانون الجاذبية للجماهير العربية.. طبعا كما يتوهمون. وهكذا لا حياة للعرب في إسرائيل بدون اعضاء الكنيست المخلدون، كأن شعبنا عاقر ولا بديل له عن نوابه "العباقرة" الذين يتكرر انتخابهم وتتكرر مهازل تشكيل القوائم بنفس اللون ونفس الطعم ونفس الأساليب المملة والفارغة من الخطاب السياسي المفترض ان يتطور ويرقى وان لا يبقى على قديمه وانغلاقه وتخلفه رغم ان لا شيء يقف في مكانه في عالمنا، الا سياستنا ورجالها. ما يجري هو تنفيذ للمثل الشعبي الذي يقول: "حك لي ت أحك لك".امام هذا الاحباط القائم لا بد من ايجاد بديل يستطيع ان يوحد القوى الوطنية والديموقراطية بغض النظر عن عقائدها الدينية او الشخصية، وان يكون اللقاء حول الأولويات التي تجمعنا، وهي كثيرة وحاسمة في تطور مجتمعنا وبناء مستقبله الانساني، رغم كل الظروف السلبية التي تواجهنا مع سياسيات عنصرية. اني ادعي انه لا شيء مستحيل اذا عرفنا كيف نؤسس وحدتنا ليس على اساس احزاب وقوائم ومصالح شخصية، بل على قاعدة فكر ورؤية للمستقبل الذي نطمح اليه كمجتمع بشري.
كثيرا ما راودتني فكرة: هل حقا يفتقد مجتمعنا العربي لشخصيات قادرة على تمثيله بأسلوب مختلف وبرؤية جديدة، ولتكن تجربة جديدة، ان شعبنا ليس بعاقر كما يبرز في تشكيلة قائمة الكنيست التي لا تتغير الا كل نصف قرن!!
واضح أن الإجابات على ما اطرحه ليست سهلة، وتحتاج الى تفكير عميق وهذا هو هدفي من هذا الطرح، عندما أرى ان مفاهيم كثيرة تتغير على المستوى السياسي والاجتماعي. ان النهج القديم أصبح لا يتلاءم مع مجتمعنا المدني المعاصر، لأنه بات عاملا معوقا للاندماج الاجتماعي، الذي لا يعني التذويب بقدر ما يعني إطلاق الطاقات الإنسانية الإبداعية في كل مجالات المجتمع والسياسة والعلوم والخدمات بكل اشكالها.
ارى بالتحول الكبير في مدينة الناصرة، بداية لما ينمو من اجنة في مجتمعنا العربي. وهي ظاهرة يجب ان تدرس بعمق ومسؤولية، بغض النظر عن الطابع الشخصي الذي ميزها.
من هنا دعوتي لقيام تنظيم مجتمع مدني، من قواعده الأساسية ليس الجلوس الملكي في البرلمان لأسماء لا تتغير، بل فتح المجال امام شخصيات اجتماعية مختلفة لتدلي بقسطها في العملية السياسية، عبر انشاء هيئة الى جانب اعضاء الكنيست، تشرف وتساعد في إقرار المواقف وعدم تركها "للعباقرة" النواب الذين لم يقدموا لنا غير الشعارات والخطابات الرنانة.
ان فكرة انشاء حزب جديد هي فكرة فات موعد تسويقها، والحل تنظيم مجتمع مدني يضم كل من يجد في نفسه الطاقة والإرادة للنشاط من اجل مجتمعنا ومستقبله ومستقبل أبنائه!!

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com

مقالات متعلقة