الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 29 / مارس 07:01

لماذا لا نتعلم من أخطاء الماضي؟/ بقلم: عوض حمود

عوض حمود
نُشر: 31/12/18 12:13,  حُتلن: 13:09

لماذا لا نتعلم من أخطاء الماضي؟

الانتخابات في وسطنا العربي وتداعياتها على سيرورة الحياة الاجتماعية والسياسية على أهل البلد الواحد، ان كان هذا على مستوى القرية أو المدينة في المحيط العربي. فأعتقد أنه لم يعد أي فارق بين الاثنين بعد الذي حصل خلال الانتخابات الأخيرة وما بعدها. فأصبحنا كلنا "في الهوا سوا" كما تعودنا على قول ذلك المثل لتعزية الذات. لأن الأسس التي تجري عليها الانتخابات المحلية معقدة ومركبة ومسيرة من قبل قوائم تعتمد بالدرجة الأولى ومركزها العائلية مغمسة بالطائفية وبنسبةٍ عالية جداً ولكنها مغطاة وملفعةٍ بشعاراتٍ براقةٍ لا وجود لها على أرض الواقع بالمطلق، لا أقول هذا تأبطاً ولا للمس بأحد. ولكن هذا ما هو واقع على أرضية واقعنا العربي المنهزم، المهترئ فكرياً واجتماعياً وسياسياً واننا على ما يبدو مصرون وعقيدي العزم بأن لا نتعلم من أخطاء الماضي ومما مررنا ووقعنا به في ما مضى وبالتحديد في سنوات التسعينات وبعدها حينما انفجرت في الكثير من قرانا العربية "الطوش" الكبيرة وعلى نطاق واسع بين مختلف الحمائل المتناحرةِ على "زعامة" المجالس المحلية في حينه.

يا ليتها لم تكن لكي يبقى نسجينا الاجتماعي سيد نفسه حاضراً ومحتضناً اجتماعياً في مدننا وقرانا. وللأسف كانت حصيلة تلك الطوش الكثير والكثير من الاصابات والجرحى ومزيد من تكسير البيوت وحرق السيارات وتخريب الممتلكات عمداً وانتقاماً وذلك عدا عن الاعتقالات الواسعة التي قامت بها قوات الأمن "יסם" بين صفوف أبناء القرى التي جرت بها الطوش. وكانت المحاكم هي المستفيد الأكبر في تلك الفترة وتفرض غرامات باهظة التكلفة على الأشخاص الذي تم اعتقالهم في حينه. ليس هذا فحسب بل كانت تفرض عليهم أيضا الابعاد خارج قراهم بعيدين عن عائلاتهم وأولادهم الى القرى المجاورة الى فترات مختلفة تتراوح ما بين شهر وشهرين أو أكثر من ذلك. فمن قرية دير حنا على سبيل المثال كان مبعداً أكثر من شخص ومنهم من أبعد الى سخنين وقرية عيلبون والى الناصرة، ايضا هذا في دير حنا لوحدها فما بالك بقرى أخرى أكبر من حيث عدد السكان الذي وقعت بها المشاكل وكان هذا كما أسلفت في التسعينات.

وكان بعد أن تهدأ الأوضاع نسبياً يتدخل لاصلاح ذات البين بين الأطراف المتنازعة، طيب الله ذكراه الشيخ عوض خلايلة أبا فيصل من سخنين ومن كان يرافقه ايضاً في مهمته الصعبة. كان آنذاك رحمه الله يرئس لجنة الصلح العشائرية ومعه عددا آخر من الاخوة والمشايخ من قرانا المحيطة فمنهم من توفى وأطال بعمر مَن منهم بقي على قيد الحياة واني أقولها بكل صدق وأمانة الضمير أن هؤلاء الأخوة المشايخ سعوا آنذاك وبذلوا كل ما كان لديهم من جهد وصبر لاستتباب الهدوء واحلال السلام ما بين (أفرقاء التخاصم) أبناء القرية الواحدة. وأن هؤلاء الأجلاء كانوا يتنقلون من قرية الى أخرى لاطفاء حرائق الطوش التي كانت مشتعلة في الأماكن الأخرى، وبفضل تلك الجهود الحميدة منقطعة النظير التي كانوا يبذلونها آنذاك استطاعوا وبمساعدة قوى محلية أخرى نيرة الفهم، نيرة العقل لم يهن عليها ما يحدث أو ما هو حاصل في مدننا وقرانا. استطاعوا التغلب على كل الأحداث المؤسفة التي واجهتهم في مجتمعنا العربي. وبعد كل هذا الجهد والعطاء المنقطع النظير لم يكونوا هؤلاء الأخوة على موعدٍ لمعاشٍ أوتعويضٍ مادي من أي جهةٍ أخرى لا بل كانوا يقدمون جل خدماتهم بدون حدودٍ للوقت لا باليوم ولا بالساعات دون مللٍ ولا كلل. وذلك من أجل خدمة هذا الشعب ورأب الصدع واعادة الأمور الى نصابها واحلال السلام والوئام ما بين أبناء البلد الواحد لا بل أبناء الحارة الواحدة وهذا ما قد حصل على أرض الواقع في تلك الفترة.

قبل حوالي 26 عاماً على وجه التقريب وقد كان اعتقادي شخصياً أن بعد انقشاع تلك الغيمة السوداء التي مرت فوق مجتمعنا العربي بشكل كامل وما أوقعته من خسائر ماديةٍ وخسائر بشريةٍ بالاضافةِ لشرخٍ اجتماعيٍ أوقعته تلك الأحداث في حينه رغم كل مساعي التصالحات التي كانت تجري. وبعد عبورنا لذلك الجسر المقيت من العلاقات السيئة دخل لذهني وفكري أن مثل هذه المآسي المريرة والإشكالات قد أصبحت من خلفنا ووراء ظهورنا ولن تعود على نفسها مرةً اخرى على هذا الشعب الصابر لأنها كانت مكلفةٍ وباهظة الثمن على جميع الأصعدة الإجتماعية والإقتصادية والأخلاقية وأنه كان درساً قاسياً من الصعب على المرئ أن ينساه.
يتبع...

مقالات متعلقة